وقّع الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني ومصر مذكرة تفاهم، في 15 يونيو الجاري، تهدف إلى زيادة كميات الغاز الصهيوني المار عبر مصر إلى أوروبا ضمن خطة أوروبية للتخلص من الغاز الطبيعي الروسي والاعتماد على مصادر أخرى بينها الكيان الصهيوني.
وأشارت قناة “كان” العبرية إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد مفاوضات لتصدير الغاز “الإسرائيلي” إلى أوروبا، بعد إسالته عبر المنشآت المصرية التي تفتقر إليها “إسرائيل” وتسد حاجة أوروبا الحصول على الغاز “الإسرائيلي”، ولا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبحسب بيان لوزارة الطاقة الصهيونية، فإن مدة اتفاقية الغاز مع الاتحاد الأوروبي تستمر 3 سنوات، مع تمديد تلقائي لعامين آخرين.
وفي 18 مايو الماضي، ذكر الاتحاد الأوروبي أنه سيستثمر 12 مليار يورو في خطوط الأنابيب ومنشآت الغاز الطبيعي المسال لزيادة إمدادات الغاز إليه من منتجين آخرين مثل مصر و”إسرائيل”.
وفي فبراير 2018، وقعت شركة “دولفينوس” المصرية من القطاع الخاص اتفاقاً لاستيراد الغاز الصهيوني في صفقة وصفها الرئيس المصري آنذاك بأنها “هدف” أحرزته بلاده التي تستهدف أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في الشرق المتوسط.
وتعهدت مصر عبر شركة دولفينوس، المملوكة لرجل الأعمال علاء عرفة، باستيراد الغاز الصهيوني لمدة 10 سنوات بما قيمته 15-30 مليار دولار، وأشار إلى أن العقد الذي تم في فبراير 2017 قابل للتجديد.
موقع أمريكي: رغبة مصر أن يكون الدفء الاقتصادي مع “تل أبيب” حافزاً لدعم “إسرائيل” مطالبها لدى إدارة بايدن
ويورد الكيان الصهيوني حالياً الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط الذي يمتد بين عسقلان والعريش، الذي تبلغ طاقته السنوية التقريبية 7 مليارات متر مكعب.
وشرعت “تل أبيب” مؤخراً في تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر عبر خط الغاز العربي القادم من الأردن للمرة الأولى.
كما أرسلت سفينة عبارة عن منصة استخراج غاز إلى شواطئ لبنان لنهب الغاز اللبناني لتصبح ثالث منصة غاز “إسرائيلية” في البحر المتوسط ولكنها متحركة، بخلاف منصتي “ليفياثان” و”تمارا” بغرض زيادة نصيبها من الغاز المكتشف الذي يجري نقله إلى مصر لتسييله في معاملها ثم نقله لأوروبا.
بلا فائدة لمصر
رغم تعويل مصر على نفط الكيان الصهيوني المُصدر لأوروبا، للاستفادة من عوائد تسييله في محطاتها بدمياط وإدكو، وأرباح نقله عبر خطوطها من الكيان، وارتفاع أرباحها من وراء ذلك مع ارتفاع أسعار النفط، لم يفدها ذلك اقتصادياً.
فقد تضاعفت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال تقريباً خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري لتصل إلى 3.9 مليارات دولار، وفق بيانات لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، نشرتها وكالة “رويترز”، في مايو الماضي، ويعادل هذا الرقم تقريباً كل ما حققته مصر في عام 2021 بأكمله، إذ بلغت قيمة صادرات مصر من الغاز ما يقرب من 4 مليارات دولار العام الماضي (2021).
وقفزت بذلك بأكثر من 8 أضعاف مقارنة بعام 2020 (من 456 مليون دولار) عندما تراجعت الصادرات وسط انهيار أسعار الغاز العالمية بسبب جائحة “كوفيد-19”.
وساعد على زيادة عوائد مصر من التصدير للغاز وأغلبه “إسرائيلي” ارتفاع أسعار الغاز العالمية في أوروبا وآسيا، حيث تبيع مصر غازها إلى مستويات قياسية بسبب الحرب في أوكرانيا.
لكن مشكلة مصر أنها مستورد صاف للنفط؛ ما يجعل ارتفاع عائدات الغاز ليس بالضرورة مساوياً لصافي الربح، حيث تستورد نفطاً بأسعار أعلى من أرباحها من الغاز.
فمع ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، أصبح المبلغ الذي تنفقه الحكومة المصرية على واردات النفط يلغي فعلياً أي مكاسب من عائدات تصدير الغاز الإضافية.
ومقابل زيادة صادرات مصر من الغاز من 456 مليون دولار إلى 3.9 مليارات دولار، بنسبة 768%، زادت وارداتها من النفط بنسبة 86% أيضاً لتصبح 13 مليار دولار.
وقد دفع هذا الفارق، الذي ليس لصالح مصر اقتصادياً، القاهرة للعمل على زيادات أكبر في أرباحها من الغاز عبر توسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني وعلى رأسه الاتفاق الثلاثي لتصدير غازه عبر معاملها إلى أوروبا.
وأكد موقع “مونيتور” الأمريكي أن هدف توسيع التجارة والدفء في العلاقات بين مصر و”إسرائيل” هو سعي مصر لتحسين أحوالها الاقتصادية.
وأشار الموقع الأمريكي إلى رغبة مصر في أن يكون هذا الدفء الاقتصادي مع “تل أبيب” حافزاً لقيام “إسرائيل” بدعم مطالب مصر لدى إدارة بايدن خاصة الإفراج عن المساعدات المجمدة أو التي تأخرت في الكونجرس.
الشافعي: الغاز “الإسرائيلي” أصله غاز مصري مسروق من المياه الاقتصادية المصرية
غاز مسروق
ويقول الخبير المصري د. نائل الشافعي: إن الغاز “الإسرائيلي” أصله غاز مصري مسروق من المياه الاقتصادية المصرية.
ويؤكد الشافعي أن حقلي الغاز المتلاصقين؛ لفياثان (الذي اكتشفه الكيان الصهيوني في عام 2010)، وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في عام 2011)، باحتياطيات تُقدر قيمتها قرابة 200 مليار دولار، يقعان في المياه المصرية (الاقتصادية الخالصة)، على بعد 190 كم شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كم من حيفا، و180 كم من ليماسول، وهما في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس المُثبت مصريته منذ عام 200 قبل الميلاد.
كما استغل الكيان الصهيوني حقل شمشون الذي يبعد 114 كم عن دمياط المصرية، و237 كم عن حيفا.
وهناك اعتقاد سائد بين المراقبين أن 3 حقول للغاز الطبيعي وهي شمشون وليفثيان وافرودايت التي تتواجد في منطقة شرق البحر المتوسط على الحدود البحرية الإقليمية لمصر كان يمكن أن تحقق الكثير للاقتصاد المصري لما تمثله من احتياطي للغاز تقدر بنحو 220 تريليون متر مكعب، لولا أن الكيان الصهيوني مارس عملية البلطجة ووضع يده على تلك الثروة الطائلة.
وهناك تقرير علمي سبق أن تقدم به الأستاذ بكلية هندسة البترول عضو مجلس علماء الثروة المعدنية نائب رئيس جامعة فاروس بالإسكندرية د. رمضان أبو العلا للرئاسة المصرية لكن لم يتم النظر فيه.
أبو العلا قام بإعداد تقرير مفصل عن أسباب تعديل أو إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص يتضمن الأسانيد العلمية والثوابت القانونية التي تثبت أحقية مصر في أكبر اكتشاف للغاز في شرق البحر الأبيض استولى عليه الكيان الصهيوني.
واستولى الكيان الصهيوني على حقول أخرى من المياه الفلسطينية في غزة بغرض السيطرة على احتياطيات الغاز الفلسطيني التي تقدر بـ1.4 تريليون متر مكعب من الغاز.
ويقصد بـ”المياه الاقتصادية الخالصة” مساحة تحت البحر لا تمارس عليها الدول سيادة كاملة، لكن يحق لها استغلال الثروات والموارد منها، وهي تمتد إلى 200 ميل كحد أقصى من خط الأساس.
وهي تختلف عن “المياه الإقليمية” التي تمارس فوقها الدول سيادتها، وتقدر بـ12 ميلاً، و”المياه المتاخمة” وتمتد لمسافة 12 ميلاً أخرى تمارس فيها الدول قدراً أقل من السيادة، وما خارج ذلك يعتبر “مياهاً دولية” حقاً لكافة الدول وفق قانون البحار.