كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية عن تفاصيل سرية جديدة في وثائق متعلقة بارتكاب مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، في لبنان، منتصف سبتمبر 1982، التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين.
وأوردت الصحيفة، في تقرير نُشر مساء الجمعة، أن مسؤولين عسكريين وأمنيين “إسرائيليين” وقادة من حزب الكتائب اللبناني عقدوا اجتماعًا في أعقاب ارتكاب مجزرتي صبرا وشاتيلا، لتنسيق رواية ينأون بأنفسهم من خلالها، عن ارتكابهم للمجزرة، بتضليل الرأي العام العالمي.
وذكرت أن عناصر “الموساد” والجيش الصهيوني، قبل شهر من هذا الاجتماع، عملوا على نقل أعضاء برلمان لبنانيين، تحت تهديد السلاح، كي يصوتوا لصالح (زعيم الكتائب) بشير جميل، لانتخابه رئيسًا للبنان.
وعقد الاجتماع السري المذكور مع قادة الكتائب في بيروت، في 19 سبتمبر 1982، أي بعد يومين من مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين.
وقد شارك فيه كل من: رئيس أركان جيش الاحتلال في حينه رفائيل إيتان (رفول)، وقائد المنطقة الشمالي في الجيش أمير دروري، ورئيس شعبة “تيفيل” في “الموساد” (المسؤولة عن العلاقات الخارجية) مناحيم نيفوت، إضافة إلى حراس كثر رافقوهم، وفقًا لتقرير “يديعوت أحرونوت”.
وأورد التقرير أن عناصر الكتائب ارتكبوا المجزرة، انتقامًا لاغتيال زعيمهم ورئيس لبنان بشير جميل، على أيدي المخابرات السورية، قبل المجزرة بخمسة أيام، الأمر الذي جعل إيتان غاضبًا أثناء الاجتماع مع قيادة الكتائب، بسبب مشاهد مئات الجثث، التي حمّل العالم “إسرائيل” مسؤوليتها.
لم يكن الهدف الأساسي من الاجتماع توبيخ قادة الكتائب، بسبب ارتكابهم المجزرة، فلم يكن إيتان يهتم بالجانب الأخلاقي، إلا أن الهدف الرئيس كان تقليص الأضرار وتنسيق الرواية التي ستُستعرض أمام العالم، وفق الصحيفة العبرية.
أما دروري فاقترح على الكتائب تبني رواية كاذبة بأن يذكروا في وسائل الإعلام “أحداث الدامور”؛ أي المجزرة التي ارتكبتها قوات سورية ضد مسيحيين في لبنان، وفق تقرير الصحيفة العبرية.
وأردف التقرير أن جوزيف أبو خليل، وهو أحد قادة الكتائب، قال لـ”الإسرائيليين”: إن ما تريدونه عمليًا هو أن نتحمل مسؤولية هذا الأمر، وهذا مستحيل في الوضع السياسي الحالي، وينبغي معالجة ذلك بصورة يومية، وبشكل ضبابي، ولا يمكننا الاعتراف بأن الكتائب ارتكبت ذلك، من خلال الاستمرار بالنفي.
احتلال بيروت
ونوه التقرير إلى أن وزير الجيش “الإسرائيلي”، في حينه، أريئيل شارون، خطط مع إيتان والكتائب لاحتلال بيروت بعملية عسكرية مشتركة، أطلق عليها تسمية “الشرار”.
وفي موازاة ذلك، تعهد شارون للحكومة والكنيست (برلمان الاحتلال) والرأي العام في “إسرائيل”، مرارًا بأن الجيش لن يدخل إلى بيروت أبدًا، وقال: لا أقترح أي هجوم أو أي تحرك إلى داخل بيروت.
وأضاف التقرير أن التعليمات التي أصدرها شارون للجيش، خلال اجتماع في مكتبه في 11 يوليو 1982، كانت معاكسة، وهي أنه ينبغي القضاء على القسم الجنوبي من بيروت الذي تتواجد فيه المخيمات الفلسطينية ومقاتلو منظمة التحرير، على حد قوله.
ووفق الصحيفة، فقد طالب نائب وزير الأمن “الإسرائيلي” مردخاي تسيبوري بعقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، ودعوة قادة الجيش إليه.
ونقل التقرير عن عزريئيل نيفو، السكرتير العسكري لرئيس الحكومة “الإسرائيلية” مناحيم بيجن قوله: بعد طرح تسيبوري أسئلته على الضباط، كان شارون ينظر إليهم، وواضح أنه يتوقع منهم إجابة معينة، وبإمكانك أن ترى أن الضباط كانوا يذبلون تحت نظراته.
بشكل سري
وأضاف التقرير أن ضباطًا كبارًا رووا الحقيقة لنيفو، بشكل سري، والتقى أحد هؤلاء الضباط، برتبة لواء -وكان يلتقي مع شارون- مع نيفو سرًا في مكان بعيد عن مكتبيهما، من أجل أن يبلغ السكرتير العسكري بتقدم القوات “الإسرائيلية” في الأراضي اللبنانية إلى مناطق تتجاوز تلك التي صادقت عليها الحكومة.
وادعى شارون ومستشاروه أنه لم يتم التعبير عن معارضة حقيقية للتعاون مع الكتائب، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، وفقًا للتقرير.
وأورد التقرير أنه في أعقاب مقتل جميل، حصل شارون على مصادقة بيجن على احتلال بيروت، وتقرر احتلال بيروت بعد أسبوع من إعلان إيتان أنه بقي في العاصمة اللبنانية عدد قليل من أفراد منظمة التحرير الفلسطينية.
وادعى شارون فجأة أن هناك الآلاف، وعلى إثر ذلك سمح شارون للكتائب بالدخول إلى مخيمي اللاجئين من أجل تطهيرهما من آلاف المخربين؛ ما يعني أن شارون أصدر الأمر لـ”الكتائب” بارتكاب المجزرة في صبرا وشاتيلا، وفقًا للتقرير.
وفي 16 سبتمبر، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، واستمرت حتى 18 من الشهر نفسه عام 1982 في لبنان، وقُدر عدد الضحايا بين 750 شهيداً و3500 مفقود.
واتهم بارتكاب المجزرة مليشيات الكتائب المسيحية اللبنانية، وجيش الاحتلال الصهيوني، الذي كان يسيطر سياسيًا وعسكريًا على تلك المليشيات، وكان معظم الضحايا من المدنيين الفلسطينيين؛ جلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ في مخيمي صبرا وشاتيلا.