كان لموجة الغضب التي اجتاحت العالمين العربي والإسلامي، عقب التصريحات المسيئة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي أطلقها عضو في الحزب الحاكم بالهند، أن تعيد تسليط الضوء وبقوة على المكانة السامية للنبي الكريم في قلوب المسلمين بأنحاء العالم، التي لا يدانيه فيها غيره، كما فعلت حادثة الرسوم المسيئة قبل سنوات.
وقد تبدو هذه الغضبة غريبة ورد الفعل كبيراً في نظر كثيرين في أنحاء العالم، خاصة مع تفشي موجة الإلحاد عالمياً في العقود الأخيرة وكسر كافة المقدسات، وانتشار “الإسلاموفوبيا”، وتصدي أنظمة لمحاربة الإسلام تحت دعاوى مكافحة التطرف والإرهاب، ودعوتها إلى تجديد الخطاب الديني! ويبقى السؤال: لماذا يغضب المسلمون هكذا بخلاف غيرهم حينما يساء إلى نبيهم ومقدساتهم؟
بعد تتبع عشرات استطلاعات الرأي عن الإسلام والمسلمين، في كتابي “كيف ينظرون إلينا: الإسلام والمسلمون في استطلاعات الرأي العالمية”، تبين أن صفة الوفاء والصدق في المعتقدات كانت من أكثر الصفات التي تعجب غير المسلمين بالمسلمين وتذهلهم؛ كمشاهد ازدحام الشوارع بالمسلمين في صلوات الجمعة سواء في الدول الإسلامية وغير الإسلامية على سبيل المثال، وهذا ما يفسر الفارق في غضب المسلمين حينما يشعرون بإهانة معتقداتهم مقارنة بغيرهم!
فعند سؤال الأمريكيين، في استطلاع “غالوب” (GALLUP)، عن أكثر ما يعجبهم/ما لا يعجبهم في المسلمين أو دول العالم الإسلامي، ورغم أن ما يزيد على النصف كان سلبياً، 33% لا يعجبهم شيء، و25% لم يقدموا إجابة بهذا الخصوص، إلا أن 22% أشاروا إلى أن أكثر ما يعجبهم في المسلمين أو دول العالم الإسلامي هو الوفاء والصدق في المعتقدات الدينية، في حين أشار 12% إلى أن أكثر ما يعجبهم هو الحفاظ على الثقافة الخاصة والتقاليد.
وفي استطلاع “بيو” (PEW)، اعتبر غير المسلمين، في دول مثل الهند وروسيا وأوروبا الغربية، أن المسلمين يمتازون بالإيمان أو الورع الديني أو التقوى، وفي عام 2011، وعندما كررت “بيو” نفس السؤال، حدد الغربيون أهم الصفات الإيجابية لدى المسلمين بأنها الصدق والأمانة بنسبة متوسطة 51% من جميع الجنسيات: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، روسيا، يليها الكرم بنسبة 41%، ثم التسامح بنسبة 30%، واحترام المرأة بنسبة 22%.
وهكذا من السهل أن يدرك مَنْ يطلع على هذه الأرقام في الكتاب وغيره، ويرى شواهد حرص واتباع المسلمين لدينهم وتعظيم رسوله، أنه برغم أن المسلمين لا يؤلهون شخصاً ولا حجراً ولا حيواناً، فإنهم يعظِّمون محمداً صلى الله عليه وسلم، دون غلو، ولا يرضون إهانته! وهو ما لا يفهمه الآخرون من عُبَّاد البشر والحجر والبقر، وهناك يصبح رد الفعل مختلفاً، ومن الصعب أن يلتزم المسلمون بالصمت، وحتى لو التزم بعضهم فقد يكون قد كبت رد فعله في نفسه حتى لا يسهم بنشر الباطل!