بلغ معدل التضخم في المغرب في إبريل الماضي رقماً قياسياً (5,9%) على أساس سنوي، وهو -حسب عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب (البنك المركزي)- الأعلى منذ أكتوبر من عام 1995م، وكان معدل التضخم خلال السنة الماضية في حدود 1,4%، و0,7% سنة 2020م، فيما وصل أدنى معدل له سنة 2019م على عهد حكومة سعد الدين العثماني بحوالي 0,2%.
وعبرت حكومة الملياردير عزيز أخنوش عن تخوفها من تفاقم هذا المعدل إلى نهاية السنة الجارية دون إبداء نيتها اتخاذ إجراءات جديدة لتخفيف آثاره غير دعم مهنيي النقل وقطاع الفلاحة، كما أبدى فاعلون اقتصاديون خشيتهم من تأثير زيادة معدلات الاقتراض على النمو المتباطئ أصلا مع توقعات لن تتجاوز 1% هذه السنة.
تضخم
يقول مدير البنك المركزي إن ارتفاع معدل التضخم يعود بالأساس إلى ارتفاع عدد من السلع والبضائع التي تمس بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطنين، وعلى رأسها المحروقات والمواد الغذائية.
ويصف الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب هذا الارتفاع في الأسعار بالمخيف، حيث وصل في بعض المنتجات إلى 20 بل 30 و40%، مبرزا في حديث لـ”المجتمع” أن النسب المتحدث عنها بالنسبة للتضخم والنمو أخبار سيئة للاقتصاد الوطني، بما يعني صعوبة في خلق الثروة وتوفير مناصب شغل جديدة واستثمارات مهمة.
ويبرز الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد جدري لـ”المجتمع” أن من شأن هذه النسب أن تحدث ركوداً في الاقتصاد الوطني الذي لم يتعاف بعد من آثار جائحة كورونا، وعليه فإنه سيكون من الصعب الحديث عن انتعاشة اقتصادية بالمغرب خلال سنة 2022م رغم المجهود الاستثماري غير المسبوق والذي سيفوق 245 مليار درهم.
بدوره يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد ياوحي لـ “المجتمع” أن التضخم المرتفع المصحوب بكساد اقتصادي، تكون فيه مستويات ارتفاع الأسعار قياسية مع كساد وركود اقتصادي الذي يتبعه انخفاض في الأسعار، على عكس ما يقع في المغرب.
ويشرح المتحدث ذاته أن الاقتصاد المغربي يعاني من سيطرة لوبيات متحكمة في القطاعات الحيوية كالمحروقات والبنوك والإسمنت وزيوت المائدة والحليب ومشتقاته والاتصالات والنقل والصحة والسكن والتعليم الخصوصي، وهي تكتلات غير رسمية في كارتيلات تتفق فيها الشركات على تثبيت الأسعار في مستويات توفر الربح الأقصى للشركات المكونة للكارتيلات، في غياب دور حقيقي لمجلس المنافسة الذي يرأسه رئيس سابق لشركة قوية في الكارتيلات نفسه.
أسباب التضخم
وعن أسباب التضخم، يميز مدير مرصد العمل الحكومي محمد جدري بين أسباب خارجية وأخرى داخلية، فالعالم عرف منذ إبريل 2021م ارتفاعاً في الطلب العالمي، إضافة إلى الارتباك الحاصل في سلاسل الإنتاج والتوريد، والحرب الروسية الأوكرانية، ثم الارتفاع المهول في أسعار الشحن والنقل واللوجيستيك، وكل هذه العوامل، ساهمت في الارتفاع القياسي في أسعار النفط، والتي تجاوز سعر البرميل حاجز 120دولار بكثير، وكذلك، في مجموعة من المواد الأولية كالحديد، الألمنيوم، النحاس، الزجاج، الإسمنت، الخشب والقمح، وهو ما يؤيده الخبير أبو العرب معتبراً أن الطاقة أمر بنيوي يتدخل في تكلفة الإنتاج، ويؤثر على الأسعار، علاوة على الخلل الكبير في إنتاج الحبوب.
ويضيف الأكاديمي جدري أن المغرب في المقابل يعرف مجموعة من الممارسات التي زادت الطينة بلة، مثلاً: تعدد الوسطاء، واحتكار استيراد بعد المواد الأولية من طرف فئة قليلة من الموردين، وعدم وجود قواعد تنافس حقيقي، خصوصا في قطاع المحروقات، مع قدرات تخزينية ضعيفة، إضافة إلى الموسم الفلاحي الجاف الذي جعل الحكومة تستورد الحبوب من الخارج لتحقيق الاكتفاء.
فيما يؤكد الخبير أبو العرب أن الجفاف أثر على القطاع الفلاحي الذي تراجع بحوالي 20% بالنسبة للناتج الداخلي الفلاحي، وللاقتصاد الوطني بحوالي 2 إلى 3% كنقط نمو، متوقعا أن تكون السنة صعبة، بالنظر إلى الأرقام المقلقة التي لا يشكل فيها المغرب استثناء مقارنة مع باقي دول العالم. ويبرز أن ذلك يضاعف الترقب من المستقبل ويضعف الثقة لدى المستثمرين وأيضا التجار الذين يميلون نحو الادخار مساهمين في نوع من الاحتكار.
الحكومة مشكلة
يفصل الخبير الاقتصادي محمد ياوحي أكثر حين يرى أن رئيس الحكومة الحالي جزء من المشكلة وهو يعمل على تقوية نفوذه الاقتصادي ومصالحه هو والمقربون منه عن طريق السلطة الحكومية، وسبق أن حذر سياسيون من زواج المتعة بين المال والسلطة الذي يستقوي فيه ذوو النفوذ السياسي على الشباب من أصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة.
ويضيف أن عاملاً آخر لا يخرج عن تحكم الكارتيلات في الاقتصاد وهو ارتفاع أسعار الفائدة التي تشكل عبئاً كبيراً على تنافسية المقاولات وبالتالي ارتفاع التكاليف وثمن البيع، وأيضاً ارتفاع ثمن القروض الاستهلاكية، إذ أنه يشكل سبباً أساسياً من أسباب التضخم ويجب معالجة هذه الظاهرة غير الصحية وتدخل الدولة من أجل تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة وقروض الاستهلاك وخصوصاً قروض السكن التي تثقل كاهل المواطن المغربي من جميع الطبقات الاجتماعية.
سبل المواجهة
حول مواجهة التضخم، يبرز الخبير الاقتصادي محمد جدري أن الحكومة اليوم بين المطرقة والسندان، حيث إن وضعية الموازنة صعبة للغاية، لكن هذا لا يمنع من تثمين مجموعة من الإجراءات، من بينها رفع مخصصات صندوق المقاصة إلى 32 مليار درهم للحفاظ على ثمن البوتان والدقيق والسكر في متناول ذوي الدخل المحدود، والدعم الاستثنائي لمهنيي النقل من سيارات الأجرة، ونقل المسافرين وكذلك نقل البضائع الذي تجاوز 1,4 مليار درهم. ناهيك عن المحافظة على سعر الكهرباء في سعره دون زيادة، بالإضافة، إلى بعد الإجراءات الضريبية والجمركية كرفع رسم الاستيراد على النباتات الزيتية.
من جهته يؤكد الأكاديمي محمد ياوحي أن ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق العالمية يسمى التضخم المستورد، وهو ينتح عن طريق ارتفاع في ثمن المواد الأولية خصوصاً للمواد الأساسية كالقمح والمحروقات والسكر والمواد التي تستخرج منها الزيوت، ولكن الدولة يمكنها أيضاً أن تتدخل عن طريق خفض تكلفة النقل وتكوين مخزون استراتيجي في بعض المواد القابلة للتخزين، وإدماج الفلاحة في تزويد السوق ببعض المنتجات التي تؤثر على فاتورة الواردات وسعر المنتج في السوق المحلية، مع ضبط آليات التوزيع والحد من تأثير الوسطاء.
ويبرز أن البنك المركزي غالبا ما يرفع من سعر الفائدة المرجعي من أجل الحد من الاقتراض والاستهلاك، وبالتالي التخفيف من الطلب بالمقارنة مع العرض الكلي، إلا أن هذا الإجراء غير صالح في ظل أسباب التضخم الحالية، خصوصا أنه مرتبط بالركود، وأي رفع من سعر الفائدة سيزيد من هذا الركود دون أن يحد من التضخم.
ويؤكد أن الدولة مطالبة بمقاربة شاملة تجتث جذور التربح والتكتلات السياسية الاقتصادية وعقلنة تدبير الموارد مع احترام حرية المنافسة الحقيقية.
عجز الميزانية
وصل عجز ميزانية المغرب إلى 14 مليار درهم خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2022م، ويبقى السؤال مطروحاً حول السبيل إلى تجاوز ذلك وهل الاقتراض الخارجي هو الحل الوحيد.
ويشير الأكاديمي أبو العرب إلى مساعدة الحكومة لبعض المهنيين المتضررين من ارتفاع أسعار المحروقات ومن الجفاف، مبرزا أن على الدولة أن تعمل على محاربة الاحتكار، والحفاظ على استقرار الأسعار، ومستبعداً أن تعود الدولة على دعم المحروقات، كما في الحكومات السابقة، كما أنه من الصعب عليها فعل شيء بالنظر إلى أن موجة التضخم بنيوية تتحدى قدرة الدول على المناورة، مع استمرار الأسباب الخارجية خاصة الحرب الروسية الأوكرانية.
ويؤكد الخبير ياوحي أن عجز الميزانية ناتج عن سوء تدبير الموارد وعن تهاون في تعبئة الموارد الضريبية من طرف الدولة وعن طبيعة النظام الجنائي الذي لا يساهم في التنمية والعدالة الضريبية.
ويشدد على أن الحل هو نظام جبائي مناسب وعادل ومحاسبة مهدري المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، ووقف الاقتراض الذي يصرف في دراسات خاوية على عروشها ولا تفيد إلا أصحاب مكاتب الدراسات.
فيما يشير الأكاديمي محمد جدري إلى ضرورة قيام الحكومة بإجراءات إضافية، لحماية القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، مثلا حان الوقت اليوم، لتجميد الضريبة الداخلية على الاستهلاك والتي نقدر بـ2.42 درهم عن كل لتر من البنزين أو الغاز، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة والتي تقدر بـ 1%، هذه الإجراءات الاستثنائية يمكن تطبيقها لشهرين أو ثلاثة أشهر.
كذلك، من الواجب اليوم -يضيف المتحدث- التسريع في الصفقات العمومية والتي تقدر بأكثر من 245 مليار درهم، من شأنها المساهمة في تحريك الاقتصاد، وبالمقابل فإن المواطنين مطالبون اليوم بتغيير عاداتهم الاستهلاكية، من أجل تخفيض الطلب، وبالتالي المساهمة في عودة الأسعار لطبيعتها على الأقل مع نهاية السنة، إن شاء الله.