من نحن؟ وماذا نريد؟
1- مسلمون أوروبيون ننتمي للإسلام ديناً، ولأوروبا وطناً، ونهتدى بأنوار القرآن العظيم الذي يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والصدق والأمانة والتعارف بين الناس، وينهى عن الظلم والكراهية وقطع الأرحام، ونَتَلَمَّس خطى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
2- مسلمون أوروبيون نحب أوطاننا التي نعيش فيها، ونحب لها الخير والرفعة والنهضة، ونسعى بكل سبيل لتعزيز قيم الحرية والعدالة والتعايش والتعددية والمواطنة والانفتاح على العالم من حولنا.
3- نؤمن أن التنوع الذي يَنْعم به المجتمع الأوروبي في الألوان واللغات واللهجات والأعراق والثقافات هو مصدر قوة وثراء، ونراه أجمل من لوحة فسيفسائية تسر الناظرين.
ولا غرو فإنَّ صورة الاختلاف بين الناس إنما هي الوجه الآخر لجمال صُنع الله في الكون، حيث يبدو الكون جميلاً في تنوعه، متنوعاً في جماله، وإنك لترى في مشهد واحد لوحةً فنيةً بديعة، ترى فيها جبالاً وأنهاراً، وأرضاً وودياناً، وبحاراً وأزهاراً، وجناتٍ من أعنابٍ وزرعٍ ونخيلٍ؛ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 27، 28).
وهذا التنوع في خلق الناس أشار إليه القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (سورة الروم: 22).
4- مسلمون أوروبيون نؤمن بأخوتنا الإسلامية، وأننا أمةٌ واحدةٌ وجسدٌ واحدٌ كما أمرنا الله تعالى وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأخوة الإسلامية أقوى رابط بين المسلمين وهي عنوان وحدتها وعزتها وكرامتها، قال تعالى: {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92)، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة” (رواه البخاري ومسلم).
5- لا نرى تعارضاً بين تعدد الانتماءات والولاءات، فالانتماء للوطن الأوروبي مولداً أو إقامةً لا يتعارض مع محبة أوطان الآباء والإفادة من عاداتها وثقافتها وتراثها التي لا تتعارض مع تعاليم الإسلام وأخلاقه، أو تضر بالمجتمع الذي نعيش فيه.
6- نؤمن برسالة الإسلام العالمية، فهي رسالة لكل زمان وكل مكان، وقد أعلن القرآن الكريم عن هذا البُعد العالمي منذ أول نزوله في مكة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
ونرى أن الإسلام أضاف إلى الإنسانية الكثير والكثير، وما زال العالم بحاجة إلى رؤية الإسلام في كثير من القضايا والاستماع إلى كلمته، ودور المسلمين أن يقدموا من هدى الإسلام الحلول لمشكلات المجتمعات المعاصرة.
وقد جاء ديننا العظيم برسالة تُكمل طريقا دَرَجَ عليه النبيون، ووجد رصيداً من ميراث الوحي كامناً في نفوس الناس، فبنى عليه، وأتمَّ النقص، وسدَّ الخلل، وقوَّم ما اعوجَّ، وأصلح ما فسد، وعمَّر ما خرب، ورفع ما وُضع، وَوَضَعَ ما لم يستحق إعلاؤه، وقال معبرا عن ذلك صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد).
إننا نفهم الإسلام أنه رسالة تدعو إلى الشراكة والالتقاء على المصالح التي تنفع الناس وتصلح الكون، دون تهميش أو إقصاء لأحد.
7- مسلمون أوروبيون نؤمن بأن أحكام الإسلام منها الأحكام الثابتة القطعية التي لا تتغير وَفقاً لتغير الزمان أو المكان أو الأحوال أو الأعراف أو المصالح، ومصدر هذه الأحكام نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والإجماع والقياس. وأحكام اجتهادية تختلف فيها أنظار الفقهاء وَفقاً لتعدد الأفهام في فهم النصوص، وتعدد مناهج المدارس الفقهية، ونعتبر أن هذا من الثراء الفقهي والفكري، وهو من أعظم معالم الإسلام، ومن دلائل حَفْز العقول للتفكر والتأمل والاجتهاد فيما يتجدد للناس في حياتهم حاضراً ومستقبلاً.
8- مسلمون أوروبيون نؤمن بأن هذا العالم سفينة كبيرة تجري بمن على وجه الأرض، وإن مسؤولية أمنها وسلامتها أمانة في أعناقنا جميعاً؛ فمصيرنا واحد ومستقبلنا مشترك.
وهذا الكوكب الذي نسكنه يجب أن نحميه مما يهدده من أخطار التلوث والعبث بخيراته.
9- نؤمن بحق كل إنسان في الوجود، وأن يختار ما يؤمن به، ويحدد طريقة عيشه في الحياة دون أن يضر غيره، ونرفض كل صور الإكراه، وإن آية من القرآن يتلألأ منها نور الحرية، قال تعالى : {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256).
10- نؤمن أن الاختلاف في العقيدة لا يجوز أن يكون عاملاً من عوامل الصراع والنزاع والكراهية بين الناس، ونرفض التطاول على عقائد الآخرين ومقدساتهم.
كما نؤكد أن ما يجمع بين بني آدم حول العالم أكثر بكثير مما يُفرقهم، وأن التحديات التي تواجه الإنسان في عصرنا من الأمراض النفسية والروحية والحروب والمجاعات وقضايا الشباب والأسرة تستوجب التعاون المشترك وتوحيد الجهود.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
______________________
(*) رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا، والمقال مأخوذ من موقع المجلس الأوروبي للإفتاء.