منَّ الله سبحانه وتعالى على أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بمواسم كثيرة البركة، تُضاعف فيها الحسنات وتُمحى فيها السيئات، وترفع فيها الدرجات، ومن تلك المواسم: العشر من ذي الحجة، والتي ذكرت في كتاب الله العزيز والسنة الشريفة بمعرض الفضل وعلو القدر، وهذا يؤكد على فضل هذه الأيام المباركة والتي ينبغي للمسلم أن يشمر عن ساعديه في فعل الخيرات ويتعرض لنفحات الله تعالى التي فيها الخير الكثير حيث قال تعالى في كتابه العزيز: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (الحج: 28)، وقد قال ابن عباس (رضي الله عنهما):” الأيام المعلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق”.
واستدل كذلك عن جابر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (الفجر: 1-4). قَالَ: “الْعَشْرُ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ”.
وعن جابر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ” قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: “هِيَ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ….”.
والحديث دل بالعبارة أن أفضل أيام السنة عند الله عز وجل عشر ذي الحجة، وأن شُغلهن بالأعمال الصالحة يسبق بالفضل أيامًا بعددهن جهادًا في سبيل الله تعالى، ويؤيد هذا الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلَّم ): “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ”، فَقَالُوا: “يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ”.
ويلفت في الحديث إلى أن كلمة “الْعَمَلُ” قد جاءت معرفة، وهي اسم جنس دخلت عليه (أل) الاستغراق فعم جميع أفراد العمل الصالح ما يعني: أن أي عمل صالح يعملهُ المؤمن في هذه الأيام العشر، يعدل الأجر والمثوبة عمل مجاهد خرج يخاطر بنفسه وماله في سبيل الله تعالى، فقتل، وذهب ولم يرجع بشيء منهما، وفي هذا الأمر يعد إغراء للمؤمنين من أجل أن يكثروا من الصالحات، اغتنامًا لعظم الأجر، وتكثير الذنوب…، ومن الأعمال التي يستجب فعلها:
التهليل والتكبير والتحميد
ولاغتنام هذه الأيام الفضيلة والأعمال التي يستحب فعلها يقول أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة وعضو رابطة علماء المسلمين الأستاذ د. سلمان نصر الداية لـ”المجتمع”: “يستحب للمؤمن أن يكثر من ذكر الله تعالى، وللذكر رياض كثيرة من خيرها وأحبها إلى الله عز وجل: التهليل، والتكبير، والتحميد، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ(رضي الله عنهما)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ”.
تلاوة القرآن
ويشر د.الداية، إلى أن تلاوة القرآن خير الذكر وأفضله باتفاق أهل العلم، ويستحب في كل الأزمان، وهو في العشر أحب وأعظم أجراً منه في أي وقت آخر لعموم الأدلة والتي منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر: 29-30).
ويبين، في ذلك أي الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، وداوموا على الصلاة في أوقاتها وأنفقوا بما رزقهم الله ع زوجل من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سراً وجهراً؛ ليوفيهم الله تعالى ثواب أعمالهم كاملاً غير منقوص، ويضاعف لهم الحسنات من فضله، إن الله غفور لسيئاتهم، شكور لحسناتهم يثيبهم عليها الجزيل من الثواب.
الصلاة فرضها ونفلها
ومن الأعمال التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمن الصلاة؛ حيث يوضح د.الداية أن الصلاة خير الأعمال وأفضلها، وأمحاها للإثم، وأرفعها للدرجة، وهي عمود دين المسلم ويستدل على ذلك بقول رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): “اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْمَلُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلاَةُ، وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ”.
ويذكر، أن قوله (وَلَنْ تُحْصُوا) أي: لن تستطيعوا أن تعدوا وتستكملوا كل وجوه الخير والطاعات بحولكم وقوتكم، ولا باجتهادكم واستطاعتكم، وقيل المعنى لن تحصوا ثوابها، وكل ذلك يتطلب الاستقامة مع الاستعانة بالله تعالى وحسن الرجاء فيه مع الخوف منه، وأن من فوائد الحديث هو أن الصلاة خير الأعمال بعد توحيد الله عز وجل.
ويستدل على فضل الصلاة حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً”.
الصيام فرضه ونفله
ويستكمل د.الداية حديثه عن الأعمال الصالحة التي على المؤمن تشمير ساعديه لفعلها والتي من بينها الصيام حيث يقول: “الصيام عبادة عظيمة المنفعة، تزكي النفس، وتهذب الشهوة، وتزهر القلب، وتزيد الحكمة، وتعلم الصبر، وتحفظ من طغيان الهوى، وتضيق مجرى الشيطان، ويتأكد استحبابها في التسع من ذوي الحجة ويستدل على ذلك أنه َرُوِي عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ…”.
ويشير إلى أن الحديث يدل على استحباب صيام التسع من ذي الحجة، ولقد كان أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) يؤخر قضاء ما فاته من رمضان؛ ليشركه مع التسع من ذي الحجة، تكثيرًا للأجر، ولأنه الأحب إلى الله عز وجل.
صنائع المعروف
مساعدة الأخرين وتفريج الكروب وصنع المعروف يُعد من الأعمال التي يحبها الله تعالى، ويزيد الأجر لفاعلها في أيام العشر الأوائل من ذي الحجة ويحث د. الداية، المؤمن على المبادرة في صنع المعروف وإدخال السرور على الناس في هذا الموسم الأغر اغتناماً للأجر فعن أبي هريرة عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، قال: “مَن نَفَّسَ عن مسلم كُرْبةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفسَ الله عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرَة، ومَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة، واللهُ في عَونِ العبد ما كان العبدُ في عَونِ أخيه”.
ويبين د. الداية أن الحديث يحكي أن الجزاء من جنس العمل، فمن نفس كربة عن مؤمن، قابله الله سبحانه وتعالى بمثل ذلك يوم القيامة، ومن يسر على معسر، قابله الله تعالى بمثله في الدنيا والآخرة، ولاشك أن ما يكون من الله تعالى هو أعظم وأبقى.
الصدقة من كسب طيب
ومن الأعمال التي يدعو د.الداية المؤمن للاهتمام بها خاصة في هذه الأيام الفضيلة ألا وهي الصدقة من كسب طيب؛ حيث يشير إلى أن الصدقة تطفئ الخطيئة، وتطهر من الشح، وتزكي النفس، وتزيد المال وتحفظه من الزوال، وتذهب غضب الجبار، وتظل صاحبها من حر النار لقوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقر: 261).
والأعمال الصالحة لا تقتصر على ذلك؛ فهنالك الكثير من الأعمال منها صلة الرحم، والتيسير على الناس، والمعاملة الطيبة وحسن الخلق والتبسم في وجه أخيه المسلم والكثير من الأعمال التي لا حصر لها في هذا السطور؛ لذلك ينبغي على المؤمن أن يشمر سواعده للخير بما يستطيع فعله؛ فلا يقلل من معروف فهو لا يعلم هذا العمل الصالح وإن كان في نظره صغيرا ما هي كمية الأجر والثواب الذي يجيزه الله تعالى بها فالله رحمته وسعت كثير شيء وهو الكريم في العطاء.
وتذكر أنها أيام معلومات ومعدودات ستمضي سريعاً فلا تحرم نفسك من هذا الأجر الكبير وسعادة الدنيا ونعيم الأخرة، وعليك بالدعاء بما يعود عليه بالخير في أمور الدنيا والأخرة فإنه من العبادات العظيمة التي تقرب العبد لله تعالى في الرجاء والتذلل لله الواحد القهار.