ما زالت التقارير العالمية تؤكد حالة التفاوت الرهيبة التي يعيشها العالم بين نقيضين؛ حروب طاحنة، ورفاهية مفرطة.
تقرير «مؤشر السلام العالمي» الذي أعده مركز الفكر الدولي بمعهد الاقتصاد والسلام، يؤكد هذه الحقيقة، فالعالم بين فريقين؛ دول طحنتها حروب مستعرة ولهذا تقبع لعشرات السنوات في ذيل القائمة، وأخرى تتصدر قائمة السلام والرفاه والطمأنينة.
تتصدر أيسلندا ونيوزيلندا وأيرلندا والدنمارك والنمسا رأس مؤشر السلام العالمي، وفي المقابل، بل في الذيل، تأتي أفغانستان واليمن وسورية وجنوب السودان وبوركينا فاسو، وأشباهها من دول لم يعد فيها من مقدرات شعوبها إلا ما يقيم الأود؛ فالحروب والعنف (المصطنع من قوى كبيرة) لم يُبق فيها ولا لها شيئاً.
ويكشف التقرير حالة السعار العنيف الذي يجتاح العالم، الذي تقوده الدول الكبرى و«مافيات» السلاح العالمي، ويوشك أن يودي بما تبقى من مقدرات الشعوب.
لكن ما لم يقله التقرير أن هذا السعار نتيجة طبيعية لسعار آخر هو السطوة على المال من دول ومنظمات تريد أن تحكم العالم بالتخويف، وأن تكون كل مقدراته بين يديها؛ فيشبع من تريد هي، ويجوع من تشاء هي، ولا عزاء للبشر ولا للإنسان ولا للقيم!
يقول التقرير: إن تكلفة العنف على الاقتصاد العالمي بلغت 16.5 تريليون دولار (ما يعادل 2117 دولاراً للفرد)؛ أي نحو 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
أما بالنسبة للبلدان العشر الأكثر تضرراً من العنف، فكان متوسط الأثر الاقتصادي يعادل 34% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ3.6% في البلدان الأقل تضرراً.
يقول «ستيف كيليليا»، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز الفكر الدولي معهد الاقتصاد والسلام، معلقاً على نتائج التقرير: إننا نواجه الآن تضخماً متزايداً، وانعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بسبب الحروب المأساوية في العالم كله، ومنها أوكرانيا، وستتردد أصداء العواقب السياسية والاقتصادية المترتبة على ذلك لسنوات قادمة.
الاقتصاد والمظاهرات العنيفة
يؤكد التقرير أن جائحة «كورونا» دفعت البلدان نحو أزمات اقتصادية وسياسية، وشهدت البلدان التي أصبحت تدريجياً أكثر سلمية اندلاع الاحتجاجات والعنف بهدف معالجة الحكومات للوباء.
ويرصد التقرير زيادة حدة المظاهرات العنيفة بنسبة 49% منذ عام 2008م، مع تدهور 126 دولة من أصل 163 دولة في المؤشر.
ويرى أن هذا الأمر اتجاه عالمي يؤثر على جميع مناطق العالم باستثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حيث طبيعتها الخاصة في أنظمة حكمها وطريقته.
ويوضح التقرير أن منطقة جنوب آسيا شهدت أعلى توتراً وشدة للمظاهرات العنيفة؛ حيث سجلت الهند وسريلانكا وبنغلاديش وباكستان أعلى مستوياتها.
وفي أوروبا، كانت هناك احتجاجات واسعة النطاق ضد الإغلاق، خاصة في بلجيكا وفرنسا وهولندا والنمسا وكرواتيا والمملكة المتحدة، مع تطورات مماثلة في أمريكا الشمالية.
وارتفع عدد النازحين قسراً حول العالم من 31 مليوناً في عام 2008م إلى أكثر من 88 مليوناً في عام 2022م.
ورصد التقرير معاناة 17 دولة من النزوح واللجوء؛ حيث إن 5% على الأقل من السكان هم إما لاجئون أو نازحون داخلياً، مؤكداً أن دولة جنوب السودان أكثر من 35% من سكانها نازحون، في حين أن الصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى بهما أكثر من 20%.
ويرصد التقرير كذلك أن روسيا وأوراسيا شهدتا أكبر تدهور في السلام، مدفوعاً بتدهور حالات الوفاة في النزاعات واللاجئين والمشردين داخلياً وعدم الاستقرار السياسي والإرهاب السياسي.
وضع المؤشر الكويت في المركز الثاني عربياً بعد قطر، فيما احتلت المركز التاسع والثلاثين على المستوى العالمي.
وجاء ترتيب الدول العربية وفقاً لنسخة المؤشر السادسة عشرة، لتحتل قطر المرتبة الأولى عربياً و23 عالمياً، والكويت المرتبة الثانية عربياً و39 عالمياً، والأردن الـ3 عربياً و57 عالمياً، والإمارات الـ4 عربياً و60 عالمياً، وعُمان في المرتبة 5 عربياً و64 عالمياً، والمغرب الـ6 عربياً و74 عالمياً، وتونس في المرتبة 7 عربياً و85 عالمياً، والبحرين في المرتبة 8 عربياً و99 عالمياً، والجزائر الـ9 عربياً و109 عالمياً.
أما السعودية، فقد احتلت المرتبة الـ10 عربياً و119 عالمياً، ومصر الـ11 عربياً و126 عالمياً، وفلسطين في المرتبة 12 عربياً و133 عالمياً، ولبنان الـ13 عربياً و138 عالمياً، وليبيا الـ14 عربياً و151 عالمياً، والسودان في المرتبة 15 عربياً و154 عالمياً، والعراق الـ16 عربياً و157 عالمياً، وسورية الـ17 عربياً و161 عالمياً، واليمن الـ18 عربياً و162 عالمياً.
يشار إلى أن التقرير يعده مركز الفكر الدولي بمعهد الاقتصاد والسلام (IEP)، ويعد التحليل الأكثر شمولاً القائم على البيانات حتى الآن حول السلام، وقيمته الاقتصادية، واتجاهاته، وكيفية تطوير مجتمعات مسالمة.
ويغطي التقرير 99.7% من سكان العالم، ويستخدم 23 مؤشراً نوعياً وكمياً من مصادر مرموقة لإعداد المؤشر، ويتم تجميع هذه المؤشرات في 3 مجالات رئيسة: الصراع المستمر، والسلامة والأمن، والعسكرة.
ومعهد الاقتصاد والسلام هو مؤسسة فكرية دولية ومستقلة، تحاول جعل السلام مقياساً إيجابياً وقابلاً للتحقيق وملموساً لرفاهية الإنسان والتقدم، ولديه مكاتب في سيدني وبروكسل ونيويورك ولاهاي ومكسيكو سيتي وهراري.