من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من الحسنات، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، ولم يجعلها تضيع هباءً.
ومن هذه المواسم الفاضلة العشر الأوائل من ذي الحجة، وهي أيام أقسم الله تعالى بها، حين قال عز وجل: (وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر)، وشهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” -يعني الأيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.
فكل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده، والعامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله.
وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن اغتنامها.
يقول ابن رجب الحنبلي: «لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين»، حتى تكون فرصة لمن لم يستطع الذهاب للحج.
ومن الأعمال الصالحة المستحبة في هذه الأيام العشر: الصلاة، والصيام، والصدقة، والتكبير والتحميد والتهليل والذكر، وقراءة القرآن وتعلمه، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج الناس.. وغيرها من الأعمال الصالحة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الاستفادة من هذه الأيام، وأن يعيننا على اغتنامها على الوجه الذي يرضيه سبحانه.