كشفت وثيقة “المفهوم الإستراتيجي” الجديد لحلف “الناتو” التي اعتمدها قادة الحلف الأطلسي في قمة مدريد، يوم 29 يونيو الماضي، التي يجري تحديثها كل 10 سنوات، عن تغيير الغرب لعدوه المستقبلي حتى عام 2032 ليصبح روسيا بعدما ظل يصنف الإسلام عدواً منذ عام 1995 في وثائقه.
وفي عام 1995، تحدث قادة حلف “الناتو” عن تصنيف ما أسموه “الإسلام الأصولي” عدواً لدول “الناتو”، ثم غيروا التسمية تدريجياً عدة مرات كي لا يبدو أنهم يتصادمون مع الإسلام كدين وعقيدة عقب انتقادات عربية وإسلامية.
حيث جرى استبدال تعبير “الإسلام عدو جديد” بمصطلح “الأصولية الإسلامية”، واعتبار “مكافحة الأصولية” على رأس أجندة أولويات الحلف.
ثم عدلوا اسم العدو إلى “الإرهاب الإسلامي”، لضمان مشاركة أنظمة عربية وإسلامية في حصار الصحوة والحركات الإسلامية.
لكن في قمة الحلف الأخيرة عدلوا وثيقة “المفهوم الإستراتيجي” التي تحدد العدو وتحدد خطوات التصدي له وصنفوا روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، باعتبارها العدو والخطر الجديد على “الناتو”.
وهو ما يعني عودة الغرب لتصنيف الاتحاد السوفييتي السابق في صورة روسيا الاتحادية كعدو جديد عقب غزوها أوكرانيا وسعيها للهيمنة على أوروبا، بعدما ظل الغرب طوال الحرب الباردة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي يصنف الاتحاد السوفييتي الشيوعي كعدو.
قصة العداء للإسلام
عقب انهيار الشيوعية والاتحاد السوفييتي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تبدلت تصريحات صحف ومسؤولي الغرب، وأصبحوا يتحدثون عن “الخطر الإسلامي الأخضر”، بعدما كانوا يتحدثون عن “الخطر الشيوعي الأحمر”.
وظهر ويلي كلايس، أمين عام حلف شمال الأطلسي، خلال مؤتمر ميونخ للأمن عام 1995، ليتحدث عن “الإسلام” كعدو جديد، ويزعم أن “الإسلام الأصولي يشكل اليوم الخطر نفسه الذي كانت تشكله الشيوعية سابقاً”.
وتبع هذا سلسلة تصريحات عدائية أوروبية وأمريكية تُصنف الإسلام أو الأصولية الإسلامية أو الإرهاب الإسلامي تهديداً وخطراً على “الناتو”، مثل تحذير عضو الكونجرس نيوت غينغريتش من “الإسلام الشمولي”.
وقد ذكر تقرير صادر عن لجنة التخطيط الإستراتيجي التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية عام 1988 عددًا من الأعداء المحتملين، كان منها “الأصولية الإسلامية في العالم الثالث الرافضة للهيمنة”، بحسب التقرير.
وأوضح: “أما وأن الحرب الباردة قد انتهت، والاتحاد السوفييتي لم يعد عدوًا للغرب بالطريقة التي كان عليها في السابق، فإن مصادر التهديد البديلة ستكون خلال السنوات القادمة هي مصادر عدم الاستقرار في العالم، وأن على الحلف الأطلنطي أن يكون مستعدًا جيداً لمواجهة هذه المصادر الجديدة للتهديد”.
وتبع هذا محاولات غربية لعقد لقاءات مع مصر ودول شمال أفريقيا بغرض محاصرة ما أسموه “الأصولية الإسلامية” ومحاربة التيارات الإسلامية القوية بدعاوى الإرهاب.
وشاركت دول عربية في معاهدات واتفاقات غربية هدفها الظاهري محاربة “الإرهاب” الذي ظلوا يقصدون به الإسلام رغم انتشار مجموعات متطرفة أصولية مسيحية ويهودية تمارس العنف ضد مسلمي العالم دون اعتبار الغرب لها “إرهابية”.
وعقب نجاح هذا التحالف في القضاء على التيارات الإسلامية، ثم إجهاض “الربيع العربي” الذي انتعشت فيه الحركات الإسلامية ووصلت لذروة نفوذها، وانتصار الثورات المضادة وانتهاء نفوذ القوى الإسلامية؛ انتفت حجة أن الإسلام عدو.
وجاءت لحظة تغيير المفهوم الغربي للعدو عبر حلف “الناتو” حين غزت روسيا أوكرانيا وعرضت أمن أوروبا وأمريكا للخطر، فجاء مؤتمر مدريد 2022 ليلغي اعتبار الإسلام عدواً بعد 27 عاماً من هذا التصنيف الخبيث ويعتبر روسيا هي الخطر والعدو.