قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الفترة من 10 يوليو الحالي وحتى 13 منه بزيارة إلى إريتريا، وهي لم تكن مجدولة ضمن برنامجه للمائة يوم الأولى من فترة رئاسته، كما أنها جاءت بمبادرة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي لم يهنئ الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود على فوزه، بل لم يكلف مبعوثاً يمثله في حفل التنصيب، مع أن البلدان أعادا العلاقات الدبلوماسية في عام 2018م بعد انقطاعها منذ عام 2006م؛ بسبب محاولة الرئيس الإريتري نقل صراعه مع إثيوبيا الذي نشب حول منطقة بادمي في منتصف عام 1998م وأفضى إلى حرب طاحنة استمرت لعامين، هُزمت فيها إريتريا هزيمة نكراء، فحاول الرئيس الإريتري نقل الصراع إلى الصومال؛ فاستضافت إريتريا المعارضة الصومالية التي كانت تقودها المحاكم الإسلامية التي أطاحت بحكمها إثيوبيا مما تسبب في قطع العلاقة بين البلدين.
دخل البلدان في تحالف ثلاثي في عام 2018م ضمهما إلى جانب إثيوبيا، وكان بتخطيط وتنسيق من الرئيسين الإريتري والإثيوبي لجر الصومال إلى صراعهما الذي كان متوقعاً مع “جبهة تحرير شعب تجراي”، فطلب البلدان من الصومال إرسال مجندين إلى إريتريا لتدريبهم لصالح أجهزة الأمن الصومالية، وسبب اختيار إريتريا يعود لأن إثيوبيا تقوم بالفعل بتدريب مجندين صوماليين في كلياتها ومعاهدها العسكرية ضمن اتفاق تشارك فيه إلى جانب البلدين الأمم المتحدة وأصدقاء الصومال كممولين، وتمسك بالملف وزارة الدفاع الصومالية كجهة تنفيذية، وإريتريا لم تكن ضمن أصدقاء الصومال، كما فرضت عليها عقوبات أممية منذ عام 2009م بسبب تدخلها في الصومال، وذلك من أجل إبقاء السرية على الأهداف الحقيقية لنقل المتدربين مما أدخل الرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو في خلاف عميق مع رئيس وزرائه الأول حسن علي خيري، والثاني حسين روبلي، اللذين تعرضا لضغط شعبي طالبهما، خاصة حسين روبلي، بكشف مصير أبنائهم الذين تم إرسالهم سراً لإريتريا.
الزيارة جاءت بمبادرة من الرئيس الإريتري الذي لم يهنئ الرئيس الصومالي الجديد على فوزه
خلفيات الزيارة
في 19 يونيو الماضي، صرح المتحدث الرسمي للرئاسة الصومالية عبدالكريم علي كار أن الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود يعتزم إعادة آلاف الجنود الصوماليين الذين فقدوا في إريتريا، هذا التصريح تسبب في قلق الرئيس الإريتري الذي عانى نظامه من العقوبات الدولية بسبب تدخله في الصومال ودعمه للمجموعات المسلحة المناوئة للحكومة الصومالية التي تفتت من المحاكم الإسلامية بعد مؤتمر أسمرا بفعل تدخل الأجهزة الأمنية الإريترية التي أقصت المعتدلين ويمثلهم الرئيس الصومالي السابق شيخ شريف شيخ أحمد، وقربت المتطرفين لتبرز حركة الشباب، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد بذل جهداً لتأهيل النظام الإريتري ورفع العقوبات عنه، غير أن تقرير مقرر حقوق الإنسان في إريتريا، في يونيو 2021م، الذي قدم لمجلس حقوق الإنسان اتهم فيه النظام الإريتري بانتهاك حقوق الإنسان في إقليم تيجراي والزج بقوات صومالية في النزاع؛ مما تسبب في إفشال جهود آبي أحمد لرفع العقوبات عن إريتريا.
يضاف إلى ذلك أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وفي أثناء حملته الانتخابية، في منتصف 2021م، قد اتهم محمد عبدالله فرماجو وحكومته بالمتاجرة بالمجندين حين قال: “إن الشباب الذين تم نقلهم إلى إرتريا تم بيعهم”، كل ذلك جعل الرئيس الإريتري يسارع لتسوية ملف الجنود الصوماليين في بلاده، فأسرع إلى دعوة الرئيس الصومالي لزيارة إريتريا.
تجميع المجندين
في منتصف 2019م، طلب جهاز الأمن الصومالي من كل عشيرة صومالية اختيار 40 شاباً من أبنائها لتدريبهم في تركيا ومن ثم دمجهم في جهاز المخابرات ونشرهم في ولاياتهم التي ينحدرون منها، فتم جمع 5167 مجنداً، ليتم نقلهم في سبتمبر 2019م إلى إريتريا ليتم تدريبهم في معسكر ساوا، وفي سبتمبر 2020م أكملوا التدريب، وفي أكتوبر اجتمع رؤساء أجهزة الاستخبارات والأمن في الدول الثلاث في إثيوبيا عقب اجتماع الرئيسين الإثيوبي والإريتري اللذين اتخذا فيه قرار الحرب ضد “جبهة تحرير شعب تيجراي”، مع بدء الحرب تم نقل أعداد كبيرة من المتدربين إلى جبهة بادمي، في يناير 2021م بدأت تتسرب أخبار مشاركة قوات صومالية في القتال إلى جانب قوات الدفاع الإريترية وأخبار مقتل أعداد منهم، كما أقر الفارون من الحرب بمشاركة قوات صومالية إلى جانب الجيش الإريتري.
بدأت الضغوط تتصاعد على حكومة فرماجو في الكشف عن مصير هؤلاء المتدربين، ففي ديسمبر 2019م، وبعد علم أُسر المتدربين أن أبناءهم تم نقلهم إلى إريتريا وليس تركيا، تم استجواب وزير الدفاع الصومالي أدو يوسف راجي في البرلمان الصومالي، فنفى علمه بوجود قوات صومالية في إريتريا تحت التدريب؛ مما عزز قلق أُسر المجندين، وفي منتصف عام 2021م أصبح الأمر خارج سيطرة الحكومة الصومالية بعد تقرير مقرر حالة حقوق الإنسان في إريتريا، فلجأت الحكومة الصومالية إلى إخفاء الحقائق واستمرت على هذا النهج حتى خسارة فرماجو وفوز حسن شيخ محمود.
كار: الرئيس الصومالي الجديد يعتزم إعادة آلاف الجنود الصوماليين الذين فقدوا في إريتريا
نتائج الزيارة
حرص الرئيس الإريتري على القول للرأي العام الصومالي: إن الجنود بخير، وإنهم تحت التدريب، مع أنه مضى على وجودهم في إريتريا 3 أعوام وعامين من إكمال التدريب؛ مما يدلل على هول المأزق الذي فيه إريتريا، فهي بهذا السلوك تؤكد تورطها في إقحام متدربين صوماليين في حربها مع جبهة تحرير شعب تيجراي، وبضلوع الرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو الذي زار المتدربين بعد إكمالهم للتدريب، ولم يكن هناك مبرر لبقائهم في إريتريا، اللهم إلا أن يكون قد اتفق الرئيس فرماجو مع أفورقي في إقحام هؤلاء المجندين في أتون الحرب.
المعلومات الميدانية من إريتريا تقول: إنه بالفعل تم إشراك هؤلاء الجنود في الحرب، وإنه سقط من بينهم عدد من القتلى، كما اشتكى بعضهم من حياة العبودية باستخدامهم في البناء والمزارع والحراسة للدفاع عن النظام.
إريتريا وبالتحديد رئيسها ليس أمامه إلا إعادة هؤلاء المتدربين، ويبدو أنه قد استوعب درس العقوبات الأممية جيداً لذلك حرص على تمرير هذه الرسالة.
________________________
(*) مركز دراسات القرن الأفريقي.