تتابع الأوساط الإسلامية والحقوقية في فرنسا ببالغ القلق تطورات قضية الداعية الإسلامي حسن إقيوسن بعد صدور قرار بطرده من فرنسا.
داعية ضواحي المدن
وللعلم، فإن المعني بالطرد من مواليد عام 1964 بشمال فرنسا من أبوين من أصل مغربي، ومقيم منذ أكثر من 40 عاماً بفرنسا، وهو أب لـ5 أبناء، وجدّ لعدة أحفاد، حصل على الإجازة في اللغة العربية ودرجة الماجستير في التاريخ، تفرغ للدعوة، وهو من مؤسسي منظمة شباب فرنسا المسلم ولُقّب بـ”داعية ضواحي المدن”، وجلب إليه الكثير من الشباب.
في 31 أكتوبر 2020، اقتحمت الشرطة منزله، ويأتي ذلك في سياق سعي الحكومة الفرنسية إلى الضغط على الإسلاميين بعد اغتيال صموئيل باتي.
وكان إقيوسن قد تخلى، في عام 1982، عن جنسيته الفرنسية بناء على طلب والده ليكون مغربياً فحسب، وله تصريح بالإقامة لمدة 10 سنوات، ومع اقتراب نهاية موعد صلاحية بطاقة الإقامة تقدم أقيوسن بطلب لتجديدها.
خطاب كراهية ضد قيم فرنسا
وبدل تجديد إقامته في فرنسا، عمدت لجنة الطرد التابعة للمديرية في محافظة الشمال إلى إقرار الطرد بعد فحص دقيق ومفصل لمضامين خطبه ومحاضراته ومواقفه ومراجعة العديد من مقاطع الفيديو منذ سنوات.
وبحسب صحيفة “لوبوان”، حللت محافظة الشمال مواقف إقيوسن في عدد من القضايا الاجتماعية، بما في ذلك العلمانية والعلاقة بين الشريعة الإسلامية وقوانين الجمهورية أو المساواة بين الجنسين.
وأضافت الصحيفة أن محافظ الشمال حضر شخصيًا أمام القضاة للمرافعة في قضية الداعية إقيوسن في اتجاه الطرد بدعم غير متحفظ من وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وكان هذا الأخير قد أعلن، ظهر الخميس الماضي، عبر حسابه على “تويتر”، أن الإمام إقيوسن “سيُطرد من الأراضي الفرنسية”، وشدد الوزير على أن “هذا الداعية يتبنى منذ سنوات خطاب كراهية ضد قيم فرنسا بما يتعارض مع مبادئنا العلمانية والمساواة بين المرأة والرجل”.
داعية الانفتاح والتعايش المشترك
كل هذا التعنت أثار مواقف عدة وجدلاً واسعاً في الأوساط الإسلامية والحقوقية، كما أثار قلقاً بالغاً، ومن بين هذه المواقف بيان مؤسسة “مسلمو فرنسا” (اتحاد منظمات فرنسا الإسلامية سابقاً)، في 1 أغسطس 2022، تحت عنوان “عدم فهم وقلق بشأن إجراءات طرد الإمام والمحاضر حسن أقيوسن”، وهي المؤسسة التي تقول الأوساط الإعلامية: إن إقيوسن مقرّب إليها وينتمي إليها، وجاء في البيان الذي لخص القضية وخلفياتها: يخضع الإمام والمحاضر حسن أقيوسن لإجراء طرد من بلده مولداً وانتماء شعورياً ووجدانياً؛ فرنسا، وقد تسببت الأخبار بشأنه في سوء فهم وقلق داخل المجتمع المسلم وخارجه.
ويعود سوء الفهم لكون أقيوسن شخصية معروفة، ومعروفاً بالتزامه العلني منذ 40 عامًا لصالح إسلام يدعو إلى الانفتاح والأخوة، والعيش المشترك، واحترام الآخرين، والمشاركة المدنية للشباب المسلمين، واحترام الإطار العلماني والجمهوري، ورفض كل أشكال التطرف والظلم والتمييز، وتشهد على ذلك مداخلاته ومحاضراته في مختلف المساجد، وخلال اللقاءات السنوية للمسلمين في فرنسا، وعلى قناته بـ”يوتيوب” وغيرها.
كما أن أقيوسن لم ينشر أي خطاب عنف أو كراهية ولا يمثل أي تهديد للنظام العام، كما تحاول إجراءات الطرد التي تستهدفه وصمه بمثل هذه التهم، بل على العكس من ذلك، هو عامل استقرار وتحرر لشباب المسلمين، لهذا السبب، فإن إجراء الطرد هذا يُنظر إليه على أنه لا أساس له وهو ضرب من التعسف.
قلق من أجواء التحريض على المسلمين
ويضيف البيان: هناك قلق؛ لأنه ومنذ بضع سنوات بالفعل، بدأت تستقر في فرنسا أجواء متعكّرة وشديدة الضرر بشأن الإسلام والمسلمين، كما أن طبيعة الأحداث المستجدة في الأشهر الأخيرة والرسائل المرسلة إلى إخواننا في الدين ليست مطمئنة وتزيد من حدة الموقف، ويضيف البيان أن مؤسسة “مسلمو فرنسا” نبّهت الرأي العام مرارًا وتكرارًا إلى هذا الوضع، مشيرة إلى بيان صادر في مايو الماضي بعنوان “أوقفوا التعنت في الاستهداف جاء فيه: إن استهداف المسلمين أصبح شاملاً، يشمل مواطنين لانتمائهم الحقيقي أو المفترض إلى الدين الإسلامي (إلى حدّ العنف الجسديً)، ويشمل الجمعيات والاتحادات الإسلامية، ويشمل الأئمة وعلماء الدين، ويشمل نصوصنا الدينية ذات المرجعية.
وطالبت مؤسسة “مسلمو فرنسا” الجميع وخاصة صناع القرار السياسي والإداري بالاعتدال والتدقيق مع التذكير بأن القانون هو أحد أسس الديمقراطية.
كما أن العديد من الأئمة والمساجد والمؤسسات الإسلامية عبروا عن تضامنهم مع الداعية إقيوسن بأشكال مختلفة، من بينها توقيع عريضة تطالب بإيقاف الظلم المسلط عليه، والتعبير عن الثقة في أحكام القضاء بعيداً عن الضغوط السياسية.
وكانت محامية الداعية إقيوسن قد وصفت الاتهامات ضده بـ”الانتهازية السياسية في مناخ مقرف يستهدف أقلية دينية، في تحدٍّ للقانون”، وتقدمت بطلب للمحكمة لإسقاط قرار الوزير بالطرد.
من جهتها، عبرت شخصيات ومنظمات مسيحية ويهودية عن تضامنها مع الداعية إقيوسن ومساندتها للمسلمين في محنتهم ورفضها لسياسة الكيل بمكيالين.
أين مصلحة فرنسا في استهداف المسلمين؟
وهناك تخوف أن يكون الإجراء ضد الداعية إقيوسن مقدمة لاستهداف حملة الفكر الوسطي والمعتدل من الدعاة المسلمين والمؤسسات الإسلامية.
والسؤل المطروح: ما مصلحة فرنسا في استهداف هؤلاء والحال أنهم أسهموا بشكل كبير ومنذ عقود في تحصين شباب من الضياع، وكانوا وما زالوا صمّام أمان ضد مظاهر الغلو والتشدد، كما أنهم أسهموا في ترسيخ فكرة التعايش المشترك بين المجتمع الفرنسي وشريحة المكون الإسلامي بكل أطيافه، ودفعوا في اتجاه تعميق الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي، وتجاوز الإرث التاريخي وما يحمله من عناصر توتر وصراع، والسعي إلى فتح صفحة جديدة من التعاون مع الغير على الخير وقبول التنوع والاختلاف فيما يخدم مصلحة البلاد والعباد؟!