للأسرة دورها القوي والكبير في بناء المجتمعات والأمم، وكما هو معلوم أن الأسرة هي اللبنة الرئيسة في بناء المجتمع، بل في بناء الأمم.
طبيعي أن جميعنا يولد من أسرة، وينشأ في وسط أسرة، ويترعرع بين أعمدتها وجدرانها؛ بين الوالدين والإخوة والأخوات في أقل الأحوال، ومن ثم كل منا يستقي أو يشرب من ينابيع الأسرة ما يشرب؛ إن كان خيراً فخير لذاته وأسرته وأمته، وإن كان غير ذلك سيكون الأثر الأكبر عليه كفرد وعلى أسرته، ومن الممكن أن يكون أثره السيئ على مجتمعه.
الطفل بداية تعليمه لا يكون إلا من خلال الأسرة والمنشأ بداية وتأسيساً، سواء تعليمه اللفظي واللغوي أو الأخلاقي والعادات والتقاليد، بل وحتى العلمي، فأول من يغرس هذا في الطفل الأسرة وطبيعتها العلمية والتربوية والثقافية والخلقية.
الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، بل إذا دخلنا في تفاصيلها تظهر لنا أصل المجتمع وكيانه عموماً، والفرد في المجتمع تأسس بكل ثقافاته وأخلاقياته وعاداته أصلاً من الأسرة، وبجميع الأسر وجمعها يتكون المجتمع بديهة، فمن هذا كثرت المهام الموكلة بالأسرة تلقائياً في كل الجوانب، في الجانب الثقافي، والتربوي والاجتماعي والأخلاقي.
وإذا أردنا أن نتعرف كيف ينحرف المنحرف في هذا المجتمع أو ذاك وكيف أقدم المجرم على جريمته، يجب أن نبحث في تاريخ هذا المجرم وعين الجريمة، والبحث في نشأة هذا المنحرف أو المجرم وبدايته في أوائل حياته لنصل إلى ما هو عليه اليوم كنتيجة مجرماً أو شاذاً فكراً وعقلاً وعقيدة أو أخلاقاً، ولا يعني هذا أنه لا توجد استثناءات؛ لذلك لا بد من التعامل الراقي بين أفراد الأسرة من قبل الوالدين للأولاد، ومن المعلم للتلاميذ، ففي هذا التعامل الراقي مع الجميع يسود الاحترام والتنظيم الحياتي، وهذا له أثره الإيجابي الآني، وأثره التربوي الذي تظهر إيجابياته مستقبلاً للأسرة وللمجتمع الذي تسود فيه العدالة والرحمة وتبادل المعرفة والعلوم وسيادة حسن الخلق.
والدين الإسلامي حث على قيام الأسرة المسلمة، وحث على أن يعيش المسلمون في ظلال هذه الأسرة المستقيمة التي ستكون اللبنة والأساس للمجتمع، حيث حث على الزواج، ومن أعظم النعم الإلهية على الإنسان الأولاد والذرية، فقننها الله تعالى في الزواج الشرعي، والشريعة حثتنا في روايات عديدة على حسن تربية الأطفال، وهذا أمر لا يكون ولا يتبلور إلا بترابط الأسرة من خلال القيم الإسلامية والأخلاقية، فتربية النشء التربية الصالحة أمانة في أعناق الأم والأب؛ “كلكم راع ومسؤول عن رعيته”.
الأسرة المسلمة مرتبطة ارتباطاً دقيقاً بالدين والشريعة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، والآية فيها إرشادات ضمنية تؤكد أن الأسرة هي الوحدة التي تتكون منها المجتمعات المسلمة؛ لذلك حث الإسلام بالاهتمام الدقيق في كيفية تكوين الأسرة وأساسها وأصلها ظاهر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
فالأم هي محور التأثير والبناء القويم في الأسرة، وهي مثبت أركان الأسرة الصالحة التي تنفع نفسها ومجتمعها وأمتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: “ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته”.
وأيضاً خاطب الله تعالى الرجل، ونختم بهذه الآية الكريمة، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: 19)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر”.