أطلق جيش الاحتلال الصهيوني تسمية “مطلع الفجر” (في ترجمات أخرى: الفجر الصادق) على عدوانه الأخير على قطاع غزة، 5 أغسطس الجاري.
لم تكتف سلطات الاحتلال بتغيير أسماء المناطق والشوارع والساحات العامة والأماكن التاريخية من الأسماء العربية والإسلامية إلى أسماء توراتية، لكنها تحرص على تسمية عدوانها بأسماء توراتية تحمل معاني عميقة موجهة للجمهورين “الإسرائيلي” والفلسطيني.
وجاء اسم “الفجر الصادق” للعدوان الأخير على غزة قادماً من حدث تاريخي توراتي؛ لأن هذا المصطلح العبري يشير بدقة إلى الزمن الذي يكون قد بدأ الضوء خلاله بالبزوغ والشمس لم تطلع بعد.
حيث ورد في الإصحاح (32) من سفر التكوين، الذي تدور قصته حول صراع يعقوب مع رجلٍ عند محاولته تجنب الصدام مع أخيه عيسو.
فوفق هذه العبارة، صَمَد يعقوب، وتغلب على الرجل عند مطلع الفجر، فاستحق البركة لأنه جاهد مع الله، وأراد الاحتلال بالتسمية أن تعكس للجمهور الصهيوني أنه لا مفر من المواجهة، وأن التسهيلات التي يقدمها الاحتلال لغزة لن تمنع المواجهة.
أيضاً سعى الاحتلال خلال عدوان رمضان 2021 لتسمية عدوانه باسم توراتي هو “عومير هتنوفاه”، ثم غيره لاحقًا إلى “شوبير هغاليم” أو “كاسر الأمواج”.
والتسمية معناها “هزّ الحزمة”، وهي تسمية مرتبطة بطقس يهودي مرافق للأعياد اليهودية، يأخذ خلاله أحد الكهنة حزمة من باكورة حصاد القمح، ويهزها عاليًا أمام القربان.
أبو عرقوب: أسماء عمليات جرى تحديدها استجابة لضغوط الجمهور “الإسرائيلي”
250 اسمًا توراتياً
ورصد موقع “الترا فلسطين”، في مارس الماضي، نحو 250 اسمًا أطلقها جيش الاحتلال الصهيوني على عملياته العسكرية، أو على أسلحة طورها منذ نشأته، وتبين أن نحو ثُلثها جاء من أسماء توراتية “عملية سليمان”، ومزجت بقية الأسماء بين تعبيرات التوراة والطبيعة مثل عملية “عمود السحاب” التي تشير إلى الخروج من مصر الوارد في التراث اليهودي.
وتتبّعت دراسة نُشرت في الكيان الصهيوني، عام 2018، أسماء 81 عملية عسكرية نفذها جيش الاحتلال منذ النكبة وحتى عمليّة “الرصاص المصبوب”، أي العدوان على غزة 2008-2009، وبينت أن الأسماء جاءت من الطبيعة والتوراة، وكذلك من أسماء الأماكن في فلسطين.
ومن هذه الأسماء مثلًا: دبابة “ميركاڤا” تعني “عربة الرب” كما في التوراة، وبنادق الجليل وتافور في إشارة إلى الجليل، وجبل تابور، ومن أسماء الحيوان المستعملة “إسرائيليًا”، طائرة “لافي” من أسماء الأسد ومدرّع “بوما”.
ومن بين الأسماء التي أطلقها جيش الاحتلال على عمليّاته: “حقل الأشواك”، “الجحيم”، “المتدحرجة”، “السور الواقي”، “رحلة بالألوان”، “المسار الحازم”، “فارس الليل”، “قوس قزح”، “السهم الجنوبي”، “الطريق الحازم”، “أول الغيث”، “أيام الندم”، “انفجارات بلا حدود”، “الواقي الأمامي”، “رياح خريفية”، “الحديد البرتقالي”، “سيف جلعاد”، “أمطار الصيف”، “الشتاء الساخن”، “الرصاص المصبوب”، “عامود السحاب”، “الجرف الصامد”.
وفي المقابل، أطلقت فصائل المقاومة بغزة عدة أسماء على عمليّاتها العسكرية، ومنها “السهم الثاقب”، “أيام الغضب”، “زلزلة الحصون”، “الوهم المتبدد”، “براكين الغضب”، “غضب الفرسان”، “وفاء الأحرار”، “بقعة الزيت”، “صيد الأفاعي”، “حرب الفرقان”، “حجارة السجيل”، “العصف المأكول”، “حدّ السيف”، “سيف القدس”.
وبحسب خبير الشؤون “الإسرائيلية” أنس أبو عرقوب، فإن ثمة أسماء عمليات جرى تحديدها استجابة لضغوط الجمهور “الإسرائيلي”، مثل “سلامة الجليل” في إشارة لحرب لبنان الأولى، وكذلك أسماء حروب وفقًا لتوقيت اندلاعها مثل “حرب يوم الغفران”، بسبب توقيت اندلاعها وأهميتها الدينية.
قرط: التسميات التي يطلقها الاحتلال على عملياته العسكرية ليست عشوائية
ويرى أبو عرقوب أن مدلول هذه الأسماء يعني شيئًا في الواقع، وربما هذا هو بالضبط الهدف المقصود من هذه الأسماء، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أسطورة راجت في أوساط كثير من “الإسرائيليين” مفادها أنّ حاسوبًا خاصًا يرتجل أسماء عمليات جيش الاحتلال “الإسرائيلي”.
ويرى مختصون أن كلاً من تسميات الاحتلال لعدوانه، وتسميات المقاومة الفلسطينية لمعارك الرد، تحمل معاني عميقة، موجهة لكلي الجمهورين، “الإسرائيلي” والفلسطيني.
وقال الباحث في مؤسسة “يبوس” للاستشارات والدراسات الإستراتيجية (مركز بحثي مستقل مقره رام الله)، كريم قرط لوكالة “قدس برس”، في 8 أغسطس الجاري: التسميات التي يطلقها الاحتلال على عملياته العسكرية تحمل بُعدًا دينيًا، ومغزًى معينًا، وليست تسمية عشوائية.
وأوضح أنه قبيل رمضان الماضي، أعلن الاحتلال عن حملة أسماها “عومير هتنوفاه” لمواجهة التصعيد الذي كان يتحسب له في الضفة الغربية والقدس، ثم غيره لاحقًا إلى “شوبير هغاليم” (كاسر الأمواج).
الترجمة الأمثل هي “هزّ/ ترديد الحزمة”، لافتًا إلى أن هذه التسمية مرتبطة بطقس يهودي مرافق للأعياد اليهودية، يأخذ خلاله أحد الكهنة حزمة من باكورة حصاد القمح، ويهزها عاليًا أمام القربان.
معارك المقاومة قرآنية
وأطلقت المقاومة على أول معركة تصدٍّ لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، أواخر العام 2008، معركة “حرب الفرقان”، في إشارة واضحة إلى التأسّي بالقرآن الكريم، الذي ذكر أن “الفرقان” معركة الصراع بين الحق والباطل.
وتم تسمية معركة عام 2012 “حجارة السجيل”، التي ورد ذكرها في سورة “الفيل” بالقرآن الكريم على أنها سقطت على أبرهة الحبشي وجيشه، الذي جاء ليهدم الكعبة.
وفي حرب عام 2014 على القطاع، أطلقت المقاومة على المعركة “العصف المأكول”، مقتبسة التسمية من القرآن الكريم، في تهديد واضح للاحتلال بأنها ستجعله “عصفًا مأكولاً” إذا تجرأ على اقتحام غزة.
وعام 2021، أطلقت المقاومة على معركة اسم “سيف القدس”، التي كانت شرارتها الأولى استمرار اعتداءات الاحتلال “الإسرائيلي” في القدس المحتلة، ومحاولة تهجير فلسطينيي حي “الشيخ جراح” بالمدينة.
ويرى محللون فلسطينيون أن المقاومة أطلقت تسمية “سيف القدس” على حرب 2021، في دلالة على أن كل من يعتدي على القدس، ويحاول تهويدها، وترحيل أهلها، سيواجه سيفًا ومقاومة فلسطينية مستميتة للحفاظ على أرض فلسطين وشعبها.