أنهينا الحلقة السابقة في بيان عدم انسجام العلمانية مع أكبر أصولها عقلاً ومنطقاً وعلمياً أيضاً، وهو الأصل العلمي المادي التجريبي المحسوس الملموس، الذي هو محور عقيدتهم وفكرهم وأحقادهم.
ونبدأ حلقتنا اليوم في بيان أفكارهم في الأصل الثالث، الذي يترسخ عقلاً ووجداناً بعد توافق العلم النقلي والعلم التجريبي المحسوس، وهو رسوخ العاطفة وجداناً وتفاعلها مع الاعتقاد، وبيان حربهم الشرسة باطراد على الإسلام والمسلمين.
فحربهم وفكرهم بداية وأصلاً تبدأ عاطفياً بمخاطبة العاطفة، وذلك من خلال علماء ودعاة، زاغوا وأرغوا، واقتحموا المقابل من خلال زواياه العمياء عن قصد، وهذه بذاتها بداية حرب عاطفية لا علمية، نعم هي حرب صادمة للعامة، مجرد أن يكون المتحدث زيغاً معتمداً على غبش المقابل، ويكون داعية من الدعاة، أو يُنظر إليه على أنه من أهل العلم، إلا أنه من المبرمجين للعملية الانسلاخية التي تصنعها العلمانية العالمية بدقة وحرفية عالية، فهي عاطفية لا علمية كما يكذبون كالإبراهيمية، وأتصور أننا نعايش هذه الحالة لعمل شيء في القضية الفلسطينية مستقبلاً وإلغاء ثوابت الأمة في هذه القضية، وأيضاً نسف العقيدة الحق بتسييح الأصول الإسلامية من خلال الإبراهيمية الصهيونية الماسونية كما أسلفنا.
الأصل الثالث الذي أنكروه وهو الأصل الوجداني في قضية العقيدة واللجوء إلى الخالق تعالى، وهذا أصل من أصول فكرهم ودعوتهم، التي تعتمد بداية كما كان العمل في أوروبا، لا بد من تسطيح هذا الأمر -الدين والعقيدة- ومن ثم استغباء أهله أو الكره له لسذاجته، أو إدراجه تحت عنوان الجريمة.
فبداية تشويه الدين بالتحريف والتخريف والتشدد، ومن ثم صناعة دجاجلة بمستوى نجوم حتى تشمئز منهم القواعد الشعبية، ومن ثم الانقلاب الكلي عاطفياً ووجدانياً، وتكون النتيجة سيان، على الدجاجلة ودينهم المزور الفوضوي، والأصيل الصحيح لا فرق.
وها نحن اليوم نسمع ونشاهد أعمالهم وزيغهم من أمثال دعاة الجامية، والمداخلة، والرسالنة، والباطنية بأطيافها المتنوعة، ورسلان، وياسر الحبيب، والهالك البطاط، وعدنان إبراهيم، والمدعو العتيق والمدعو القبنچي السفيه وأمثالهم.. إلخ، من هذه الأشكال التي تعبّد الطريق للعلمانية لقلع دين أمة الإسلام عموماً من جذوره، وتشكك في أصوله، وفي علومه الأصولية، من منطلقات كما تزعم علمية أصولية دينية، وكما تحاول أن توهم القواعد الشعبية وذلك عن طريق مَنْ هو محسوب على العلماء والدعاة أيضاً، من أمثال المدعو عدنان إبراهيم، وعمرو خالد، وأمثال الممثل الرائع خالد الجندي، والمالكي ملك الفتنة، والهلالي، وعلي جمعة، وراشد، والمدعو ميزو.. وأمثالهم، فهذه النوعية التي يطلق عليها علماء، وأهل دعوة مع الأسف، لجعلهم الأصل ديناً ودعوة، إيغالاً في الفتنة والزيغ، ومن ثم بكل سذاجة، نطلق عليهم مفكرين وعلماء، وهؤلاء يحملون لواء التنوير ومن ثم يشرعنون العلمانية شرعاً بعد القضاء على العلماء الأفاضل المخلصين قتلاً واعتقالاً وتشريداً وتشكيكاً.
فإن كان التحريف والتخريف خطيراً ممن يكتبون كإعلاميين وصحفيين، فمن هؤلاء الدعاة، والعلماء أهل العلم المزيف يكون الاجتثاث، والتخريف والتحريف، تكون العملية من خلالهم أخطر وأعمق من أجل الاجتثاث الكلي، وحينها يتقافزون لشرعنة وتأصيل العلمانية شرعاً وأنها أصل كما أسلفنا!
العلمانية هي الأخطر لقدرتها الاندماج مع الكل، مع الصوفي المبتدع، مع الباطني بأطيافه، وكل بدعه وشركه، مع الشيوعي، اشتراكي بعثي، قومي هلامي ليبرالي، وأقوى نتائج أعمالها من أجل سلخ الدين عن الدولة، بل والحياة، هو تلاعبها مع أدعياء السلفية والسلفية منهم براء.
فالعلمانية جعلت العالم العربي والإسلامي يفتقر فقط إلى القيادة، بل القيادة فيها بشكل وفهم “اللا قيادة”، وسنبين هذا بالسطور القادمة.
العلمانية العالمية قائمة عملياً الآن تمهيداً لـ”العولمة”، في تصوري، كما الشيوعية والقومية العربية تمهيداً للذي نحن فيه، واللاقيادة الذي تسعى إليه هو التفتيت الذي ينهي حتى التفكير مجرد التفكير بمشروع أمة.
هناك ثلاثي متعاون بشكل أو بآخر، يعمل بشكل أخطر مما نتصور، وما صنع في التاريخ مثله، وذلك للحفاظ عليها بشكل شرعي، ومن خلال الدعم العالمي من الأم الماسونية المتمثلة في بعض المؤسسات العالمية!
أما الثلاثي، الأول: الإسلام الانبطاحي الذي يعمل على كره واحتقار الشارع المسلم للدعوة لهوان أدعياء الدعوة الانبطاحيين الكذبة، الثاني: المجرّم لأهل الدين الحق، البدعي تابع الهوى الباطني، والظاهري عمالة كالخوارج وداعش والحشد، لصناعة التبرير العالمي، وأيضاً المحلي تحركاً لاجتثاث الإسلام الذي لا يأتي إلا بالشر والقتل والدماء أو السذاجة والتفاهة حينها، والثالث: التشظي الجغرافي اللا مخيف، الذي لا يحسب له أي حسبة!
أقولها وبكل ثقة: العلمانية بحرفية كبيرة صنعت داعش والحشد وأمثالهما بشكل أو بآخر، وصنعت النقيض الانبطاحي الساذج، بشكل أو بآخر أيضاً، وهما وجهان لعملة واحدة أو بدقة أكثر هما كلبان لسيد واحد! ولا يغرنّكم تباينهم، وذلك لتعزيز عدم وجود الأصل الإسلامي العدل المعتدل، ومن ثم سهولة التشكيك فيه كدين الرحمة، بل وتجريمه، فكانت الجامية والمداخلة والأكثر منهم عمالة وخيانة، والأخطر على الدين، وصنعت أيضاً أمراً مهماً محورياً في اللعبة، وهي الشظايا الجغرافية الوطنية، التي أصبحت مقدمة كأولوية على التوحيد، وعلى الدين والعقيدة الحق، والولاء والبراء، والعلمانية ما زالت مستمرة في محاولاتها بهذا التفتيت الجغرافي للوصول إلى المرحلة النهائية وهي الفسيفساء الجغرافية ومن ثم طرح “العولمة” الفردية الرأسمالية والإبراهيمية المميتة للعقيدة والدين.
أما اللا قيادة التي ذكرناها، لا نعني بها فقدان القيادة بعينها فقط، أو العقول القادرة على ذلك، من الممكن أن تكون هناك أفكار وعقول وقيادات، ولكن في بقعة جغرافية من الممكن أن تمحيها من الوجود فرقة عسكرية واحدة فقط! فتكون أولويتها تلك البقعة الجغرافية المسمى بوطن، الحفاظ على الحدود والخنوع للمحافظة على الحال والذات والموجود، فلذلك اللا قيادة نعني بها عدم وجودها، لعدم وجود الأجواء والعناصر الأصيلة والمناسبة جغرافياً كمساحة، إضافة إلى صناعة التنافر الفكري الأيديولوجي بين الشظايا والفتات الجغرافي، لعدم التوافق من أجل صناعة التنافر وضمان عدم توافق أي محاور للقيادة والقوة، وأيضاً عدم توفر الكثافة السكانية التي تدعم عبقرية هذه القيادة أو تلك، بالإضافة إلى انتشار الجهل بقوة، ولخبطة الأولويات بالنسبة للثقافة العفوية الشعبية للمجتمع إذا جاز لنا التعبير، وهي أرضية جداً مهمة بالنسبة للعلمانية لعدم تدارك الحقائق والأولويات شعبياً، ومن ثم لا ناصر ولا طوق نجاة إلا المنظمات العلمانية خادمة صهيون وعلى رأسها بعض المجالس والمنظمات العالمية، ولا لجوء لأحد أو قوة سواها حينها، فهي الحكومة العالمية المنشودة ماسونياً وصهيونياً حينها علناً!
ها هو الشارع العربي المسلم يعلم ويرى كل الحركات للخصوم المضادة لأمته، ويفهمها جيداً، ويدركها، ولكنه لا يستطيع فعل شيء، فهو يرى ويشاهد ويعاني، ولكنه لا يستطيع الحراك والتحرك بسبب قاعدة اللا قائد، وبسبب فقدانه القائد بعينه، أو بسبب المساحات الجغرافية، والتشظي، والفتات الجغرافي، الذي لا يحتمل نفخة ريح، إلا الماسونية الأم، ومجلسها التمثيلية حينها، الذي لا بد من اللجوء إليه إذا أحببت التحرك من أجل قضيتك أو مبادئك، فإن انسجمت معهم نصروك، وإن اختلفت خذلوك، وأنت من الإرهابيين، والفوضويين، أو خارجي مهدور الدم والأراضي، فلذلك يحق للعالم أن يجتمع عليك، وينهي وجودك!
سنبدأ حلقتنا القادمة بالنقاط التسع التي لا يمكن أن نفصلها عن مخططات الماسون من خلال ابنتها المدللة، الفكرة والعقيدة العلمانية المعادية للدين، التي أيضاً تدلل وتؤكد عقيدة كثير من الرؤساء العالمين في السابق والحال والأمريكيين ورأيهم السياسي نحو المملكة والعالم الإسلامي، وقد اتهم عالمياً أن داعش وهابية! وأن الوهابية في النهاية وأصلاً هي عين النظام في المملكة السعودية الشقيقة الكبرى حفظها الله تعالى، ولدى إيران هي أهل السُّنة والجماعة، وهذا لا نفهمه إلا أداة ضغط عالية الطاقة، مضمونها يقول: لا بد من التغيير الكلي، والانقلاب الاجتماعي والعقائدي والديني والأخلاقي مستقبلاً، وإلا أنتم وهابيون، والعصا التي تم عقاب القذافي بها ما زالت موجودة أيها الوهابيون! أي أهل السُّنة والجماعة والوهابية ما هي إلا شماعة للتذري بها من أجل ضرب أهل السُّنة والجماعة أهل الدين الحق، والحمد لله كل البوادر تشير إلى وعي دقيق لهذه اللعبة من قبل المملكة حفظها الله تعالى بحفظه!
يتبع..
______________
إعلامي كويتي.