وعدناكم بالحديث حول الشيوعية الملحدة وعملها في المنطقة كحالة مرحلية مؤقتة لتحضير الأرض، وحرثها لبذر البذرة المطلوبة حسب الطلب بعد التفريغ، وضربنا أيضاً بمثل اعتبرناه عيّنة للتجربة وللحرث والزرع وهي دول شرق أوروبا كمثال وتجربة عايشناها وينطبق عليها ما ندعيه، بأن الشيوعية مرحلة فوضوية قاسية تمهد لقبول العلمانية بحب وشغف وأنها البديل المنقذ!
وهذا ما كنت أعني بيانه في الشيوعية الملحدة كمرحلة أدت ما عليها من دور، والذي بلا شك انتهى دورها كلية في المنطقة، وختمت مرحلة التهيؤ للعلمانية في تصوري بعد أن أغربت في الأمة بعيداً عن أصلها وأصولها إلى القومية العربية بأنواعها الهلامية الجاهلية الموالية للماسونية ومخططاتها بشكل أو بآخر، ومن ثم البدء بالعمل ميدانياً علمانياً، فلذلك لا بد أن نعود إلى أختها الكبرى المدللة عند الأم الماسونية، فالعلمانية سيدة المرحلة اليوم كما يتوقع الماسون أو كما خطط لها من قبلهم.
اليوم كلنا يرى ويعايش تمدد وطغيان العلمانية، ومحاولات تحركها قسراً وخبثاً على العالم عموماً، والعالم العربي والإسلامي خصوصاً، لتطبيق ما طبقته في أوروبا سابقاً، وهي تعمل على تحريف وتخريف الأديان من خلال تسييحها في دعوى الإبراهيمية وأمثالها، وأيضا بدأت بالظهور والتحضير لها بشكل مخيف في عالمنا العربي والإسلامي كما أسلفنا، وحسب ما نعايش من أحداث، هي تتمدد أفقيا، وتعيش حالة شبه مكاشفة، أو قريبة جداً من المكاشفة وعلنية الطرح للمقاصد والهدف، لأنها لعبت اللعبة الصحيحة لتخطيطها ما يقرب من 100 عام تقريباً أو أكثر حقيقة في العالم العربي المنكوب والإسلامي المشتت، بدأت العلمانية بداية في المرحلة الأولى، التي تبعتها مراحل أخرى، بدقة العمل والتخطيط المتقن جداً والمدروس.
1- مرحلة الفساد والإفساد في المحور الذي تلتف حوله الأمة (الخلافة) عن طريق المنافقين وخدم الماسون تحضيراً للتفكيك.
2- مرحلة التفكيك للخلافة وتجريم كل من يدعو لها ومن ثم تقسيم الميراث!
3- الفوضى والغموض، وإهدار الكرامات هي الآليات التي تعمل لتأصيل حاجة الشعوب لأي بديل ليكون هو المنقذ!
4- ترسيخ البناء العرقي والطبقية الجاهلية والعائلية والقبلية والطائفية، والتعصب للجغرافيات الحدودية لتلاشي الولاء الأممي الإسلامي، وما قدمته الماسونية من جريمة من خلال “مصر الفتاة، وتركيا الفتاة، والعرب الفتاة، والقومية الفارسية، والطورانية ويهود الدونمة”.. وغيرها، لتأصيل هذا التفتيت والتشتيت.
5- الدموية والفوضوية، والانقلابات حيث اختيار الأيديولوجيات القومية العربية الهلامية الجديدة البديلة للمرحلة التحضيرية البديلة للتشتيت الفكري والولائي “شيوعية، اشتراكية، أو بعثية، أو قومية عربية هلامية، أو لعلها قبلية وعائلية”، وجميعها دورها واحد؛ العمل بشكل حاد جداً، لقمع وتلاشي الولاء الأممي الإسلامي الإيماني، وأنصار هذا التفكير، وانحصار العمل بالنجاة بالنفس والحدود الضيقة، وأسباب ذلك، وصناعة جماعات إجرامية تطالب بالخلافة مثل “داعش” وأمثالها استباقاً لتشويه الحق إن جاء من أهل الحق.
6- الاستقرار الجغرافي من حيث الحدود والدول، ومن ثم الإيغال غرقاً من أجل التلاشي الأممي، ودعماً للولاء الحدودي، والوطنية الجغرافية الضيقة، التي بطبيعتها لها تداعيات، تنشأ منها، إضافة إلى الحدود الجغرافية، نزعات عرقية وطائفية أخرى تدعو إلى فسيفساء للتفتيت أكثر وأكثر جغرافياً مستقبلاً.
7- صناعة حروب التمثيليات إيغالاً بالتشظي والتفتيت، كالحرب العراقية الإيرانية (8 سنوات) لتأصيل التوحش الطائفي باتفاق كل قيادات الأطراف المتحاربة طاعة لأسيادهم، تجهيزاً للتفتيت الأبشع!
8- صناعة التوحش الجغرافي، كتمثيلية خادمهم واجتياحه للكويت، ومن ثم تمثيلية تحرير الكويت، ومن ثم تحرير العراق منه، وهكذا تكتمل صناعة التوحش طائفياً وجغرافياً وعرقياً، وتعتبر العرقية والطائفية الملحق للجغرافي كما نرى التمهيد له الآن في سورية والعراق ومصر واليمن وعموم الجزيرة.
لذلك، أرى أن المرحلة الاشتراكية، والشيوعية مع القومية العربية، أدت دوراً قوياً من أجل ذبذبة وتشتيت الفكر، والفكرة، والعقيدة، ونثر الغبش الكثيف على فهم مفهوم الولاء والبراء الشرعي، بعد أن تخلص العدو من محور التفاف الأمة (الخلافة)، وهذه الذبذبة هي لا شك مرحلة تحضيرية للقادم إلى المنطقة العربية في الفترة التي بثت فيها سمومها ما يقرب من 70 أو 100 عام أو أكثر، والمطلب كان واضح المعالم حسب الأحداث، وهو زراعة الهلامية واللاأطرية الفكرية، واللااستقرار فكرياً، وعقدياً، وحضارياً في المنطقة، ومن ثم انعدام البنية التحتية للأمة، التي تجتمع عليها والإصرار على تشويه المحور بـ”داعش” وأمثاله.
فهذه هي الأرضية التي تجيد اللعب فيها العلمانية لتكون البديل والاستقرار مستقبلاً كبديل عن الفوضى والهلامية الإجرامية، ولكن في الوقت المناسب، وبعد اكتمال الأجواء لها، وحرث أرض المنطقة المعنية بالشكل الجيد وتفريغ الأمة من كل محاورها الثقافية والاعتقادية.
وحينها ستظهر العلمانية المنافقة عنيفة بداية بالحروب الأهلية والطائفية والعرقية بعد الشيوعية، ثم الليبرالية الهلامية لمرحلة أقرب لها، ومن ثم خروج الابن الأقرب للأم حسب طلب الجماهير التي تعاني حينها من العنف والحروب الأهلية، لتتم السيطرة على الأمم كبديل منقذ للإنسان، ومن ثم المرحلة الأخيرة بعد فترة من الزمن وتأهيل الأرضية وجاهزيتها لهذا أيضاً، وهي مرحلة “العولمة العالمية الفردية” الرأسمالية الأخيرة بعد أن تفقد الأمة الخريطة من خلال الإبراهيمية وتسييح الأديان.
أما الليبراليون، فيدعون أنهم يختلفون عن أختهم العلمانية ذات الطيوف الإلحادية، ويختلفون عن الدهرية والملاحدة، وما أرى الليبرالية الحالية، الهلامية اليوم، إلا الجزء الأول تحضيراً للعلمانية، وذلك بعد سقوط الصنم الأحمر الشيوعي، فتدثر الملاحدة، والزنادقة، بل وحتى الطائفيون من الباطنية، تدثروا في العباءة الليبرالية، فكانت هلامية الملامح، منذ سقوط الصنم الأحمر في الاتحاد السوفييتي، وأصبحت بل هي بالفعل جزء من العملية المتدرجة الخبيثة، للعمل على إذعان المنطقة العربية والإسلامية للفكرة والعقيدة العلمانية ذات الطيوف الإلحادية، والابن المدلل للماسونية الصهيونية التوراتية العالمية.
الليبرالية تقول في أصولها: “الحرية المطلقة للأفراد، التي لا يمكن أن تتعدى هذه الحرية على حرية الغير”، مقولة ملغمة وخبيثة ومتناقضة بكل معنى الكلمة، وكل من له ولو شيء يسير من الفطنة يعلم وبلا أي تردد أن هذه المقولة وضعت لتكون الأمة خارج نطاق الخيرية المشروطة، كما بينها الله تعالى في كتابه العظيم، وضعت لنسف معاني، وآليات عمل الآية الكريمة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (آل عمران: 110)، وأيضاً هي لا شك تمس قضايا كثيرة في الأحوال الشخصية والزواج وما شابه.
من الطبيعي أن الدين والإيمان بالله تعالى تمسهم المقولة الليبرالية أعلاه، والليبرالية تعتبر هذه الأمور من الخصوصية للفرد، وهي من الحرية المطلقة وفي الوقت نفسه لا ينبغي أن يتدخل فيها أحد على الفرد، سواء الدولة والأنظمة، أو حتى العائلة، وخصوصاً الدعاة إلى الله تعالى!
وهذا يعني أن تكفر وتنشر، تتزندق وتنشر، تعبد الشيطان وتنشر! فهذا أمر خاص، وهي حرية مطلقة، وإن وضعوا لهم خط الرجعة الذي جعلهم هلاميي الفكرة، والتحديد والتأطير يكون حسب المزاج والفرصة المناسبة والسانحة، وكما يدعون الديمقراطية ولكن بالمزاج، فهم بلشفيون حينما يكون الفوز للإسلامي، وديمقراطيون حينما يفوز كل كافر مشرك مبتدع زنديق، ووضعوا لهم خط الرجعة التمثيلية الصوري هذا الذي يحمل معاني ووجوهاً عدة لخدمة الليبرالية: “لا تتعدى على حرية الغير”، وهذه عبارة ليس المعني فيها عدم نشر الكفر والفساد وممارسته، فهي ذات وجوه، والأصل فيها عندهم والمعني بها الدعاة والدعوة إلى الله تعالى، لا تأمر بالمعروف ولا تنهَ عن المنكر فتتعدَّ على حرية الغير!
يتبع..
____________________
إعلامي كويتي.