منذ عام 2020 مرّت حكومة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة بأزمات وصدمات كثيرة، لكنها تواصل عملها وسط توقعات بتعديل قريب دون استبعاد فكرة الرحيل.
ويميل مراقبون إلى احتمال إجراء الخصاونة تعديلا خامسا على حكومته، ولكنهم رهنوا ذلك بحصوله على ضوء أخضر من عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني لتنفيذ تلك الخطوة وإدخال أسماءٍ تساعد على تنفيذ الرؤى الإصلاحيّة في البلاد.
وكلف العاهل الأردني، في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2020، الخصاونة بتشكيل الحكومة، وهو رئيس الوزراء الثالث عشر في عهد الملك عبد الله الثاني، منذ أن تولى سلطاته الدستورية في 7 فبراير/ شباط 1999.
وخلال فترة ولايته أجرى الخصاونة 4 تعديلات على حكومته، آخرها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وجاءت في غالبيتها على وقع أزمات استدعت ذلك.
فما إن أكملت الحكومة شهرا واحدا من عمرها، حتى استقال وزير الداخلية توفيق الحلالمة، على خلفية “مخالفات قانونية” عقب إجراء الانتخابات النيابية.
وفي 28 فبراير/ شباط 2021، وافق الملك على استقالة وزيري الداخلية والعدل سمير المبيضين وبسام التلهوني، بناء على طلب من الخصاونة، بدعوى “مخالفتهما تدابير مكافحة كورونا”.
وبعد خروج وزيرين، وجد الخصاونة نفسه مضطرا إلى إجراء تعديل حكومي موسع، وهو ما تم في 7 مارس/آذار 2021.
إلا أنه وبعد أقل من 24 ساعة، تقدم وزير العمل معن القطامين باستقالته، إذ تضمن التعديل حصر عمله بحقيبة واحدة وإلغاء وزارة الدولة لشؤون الاستثمار التي كان يتولاها قبل ذلك مع العمل.
وفي الشهر نفسه، أدت حادثة انقطاع الأكسجين في مستشفى السلط الحكومي إلى وفاة 7 مرضى، ليعلن وزير الصحة نذير عبيدات استقالته وتحمله المسؤولية، وليجري الخصاونة تعديلا محدودا أدخل وزير الصحة فراس الهواري ووزير العمل يوسف الشمالي بديلين عن القطامين وعبيدات.
إلا أن مصرع 13 شخصا وإصابة 260 آخرين في يوليو/ تموز الماضي، إثر انفجار صهريج معبأ بغاز الكلورين السام في العقبة، لم يعقبه أي تعديل بالرغم من صعوبة وقعِه، مما فتح باب التكهنات حول مستقبل حكومة الخصاونة وإمكانية استمرارها.
** المشكلة في إدارة الحكومات
وقال أستاذ العلوم السياسة بجامعة اليرموك (حكومية) وصفي الشرعة: “حسب اطلاعي من لقاء مسؤولين سياسيين حاليين، سواء بالحكومة أو البرلمان، هناك اتفاق على ضرورة إجراء تعديلات جذرية في بنية الحكومة الحالية، إذا ما استمرت بنفس الوتيرة والأداء القائم حاليا”.
وتابع: “هناك رأيان، الأول هو إعادة هيكلة المؤسسات والوزارات وتقليل عدد أعضاء الحكومة أسوة بالدول الكبرى، بحيث نضمن سرعة اتخاذ القرارات وتنفيذها لمعالجة الأخطاء الجوهرية في السياسات العامة”.
والرأي الثاني، بحسب الشرعة، هو “زيادة أعداد الوزارات لمعالجة الاختلالات المتعلقة بمبدأ المراقبة والمحاسبة، والآراء تميل في مجملها للرأي الأول، وهو تخفيض أعداد الحقائب”.
ورأى أنه “إذا رحلت حكومة الخصاونة، فمطلوب من رئيس الوزراء القادم التركيز على موضوع الإدارة الحكومية، لذلك أعتقد أنه إذا ما تم تعديل قريب، سيكون الداخلون من فئة التكنوقراط والبيروقراطية العليا”.
وأردف الشرعة: “المشكلة الأساسية لدينا تتعلق بإدارة الحكومات وليس تشكيلها، وأعتقد أن التعديل سيكون قريب جدا، وسيشمل حقائب التربية والتعليم والاقتصاد والزراعة والمالية”.
ورجح أن “التعديل سيركز على الحقائب الاقتصادية في المقام الأول لتسريع مسألة الإصلاحات وتحقيق النمو في ظل تداعيات الانكماش الاقتصادي في العام الماضي”.
وبخصوص قطاع التربية والتعليم، اعتبر الشرعة أنه “يشهد تخبطا واضحا على مستوى القرارات المتعلقة بالسياسات التعليمية، وهي مشكلة متراكمة منذ سنوات، إذ إن مؤسسات التعليم العام والخاص ترفد السوق المحلي بأعداد هائلة من الخريجين، وما يترتب على ذلك من ضغط على سوق العمل وتأمين فرص لهم”.
** فشل بتحقيق الطموحات الشعبية
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة “مؤتة” (حكومية) وليد العويمر فقال إن “المتابع لعمل حكومة الخصاونة منذ تكليفها قبل سنتين تقريبا يُلاحظ أنها جاءت بعد مطالبات شعبية وحزبية بضرورة عمل إصلاحات اقتصادية وسياسية، وهي ملفات تهم الشارع الأردني بشكل كبير”.
واستدرك العويمر: “لكن رغم أهمية تلك الملفات، إلا أن الحكومة فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الطموحات الشعبية، خصوصا الجانب الاقتصادي، حيث لاتزال نسب البطالة والفقر مرتفعة”.
وأردف: “أما الطموحات المتعلقة بالإصلاحات السياسية، فإنه رغم أن الملك عبد الله الثاني كلّف لجنة ملكية بإعادة صياغة عملية الإصلاح السياسي (..) لكن الحكومة أخفقت وتباطأت في التنفيذ إلى حد ما”.
واستطرد: “ورغم ذلك، فقد حاول رئيس الحكومة أن يحد من النقد الموجه لحكومته، خاصة المتعلق بالشق الاقتصادي من خلال الإعلان عن خارطة طريق اقتصادية للمرحلة المقبلة”.
وتوقّع العويمر أن “الملف الاقتصادي سيدفع الملك إلى إعطاء الحكومة فرصة لوضع مخططاتها وبرامجها التي طرحتها موضع التنفيذ”.
لكنه رغم ذلك اعتبر أن “خيار رحيل الحكومة غير مستبعد؛ بسبب فشلها في الملف الاقتصادي والسياسي، ولكن يبقى القرار للملك في ذلك”.
** القرار للملك
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي فايز الفايز أنه “إذا أردنا تقييم الفترة الأخيرة في ظل حكومة الخصاونة، فإنها جاءت في مرحلة قد تكون من أسوأ المراحل التي تمر على العالم العربي سياسا واقتصاديا (..) ما جعل مهمتها أثقل من سابقاتها”.
وزاد: “السؤال الذي بات الجميع يجيب عنه دون أدنى علّم، هل حكومة الخصاونة راحلة أم باقية أم ستجري تعديلا”.
ومٌجيبا عن السؤال، قال الفايز : “الحقيقة هي في حقيبة الملك، فالأداء مهم لتقييم مسيرة الحكومة وسلوكها، وآخر ما أطلقته حكومة الخصاونة هو الكشف عن اعتماد خريطة تحديث القطاع العام، وهذا يتطلب إبقاء المعنيين الرئيسيين كي تستوفي الخريطة كافة جوانبها وتطبيقها على أرض الواقع”.
وحول جدلية البقاء والرّحيل، رأى أن “المشكلة دوما لا تكمن في الأشخاص، بل بالأداء والاختيارات العشوائية أو غير الناضجة للطاقم الوزاري، تقابلها مرحلة كان وزراء مخضرمون يتداولون وزارتهم لسنين عديدة”.
وتابع: “الرأي العام دوما يحب الإثارة، فيما الخصوم ينهجون مبدأ الهجوم المرن على الحكومة ورئيسها، ليس سعيا إلى الأكفأ بقدر ما هم يتطلعون للقفز فوق أسوار مبنى الرئاسة”.
واختتم الفايز: “سننتظر لشهرين على الأقل؛ لنرى أين تسير الأمور وما الذي يفكر به الملك ضمن رؤيته لمستقبل الحكومة من بقاء للرئيس ومنحه تعديلا موسعا، وهذا هو المقترح الأكثر قبولا، وغير هذا ستكون أي حكومة قادمة شبيهة بما سبقها”.