أكدت الناقدة الأدبية د. ناهد عبدالحميد، مديرة ومؤسسة ملتقى الهناجر الثقافي، أن موضوع التغيرات المناخية شديد الأهمية ليس على مستوى مصر فقط، بل على مستوى العالم أجمع، فهي قضية عابرة للحدود، قضية كونية حيث يبدو لنا وكأن الجغرافيا تعيد لنا كتابة التاريخ، وتصنع لنا بوصلة جديدة للحياة إذا لم ننتبه إلى ما تقوله لنا الطبيعة، وهي قضية تعد بمثابة تحدٍّ كبير أما العالم كله.
جاء ذلك في كلمتها أمام الندوة التي عقدها ملتقى “الهناجر” الثقافي في القاهرة لمناقشة “التغيرات المناخية وتداعياتها”، وشارك فيه عدد من أساتذة الجامعات في تخصصات مختلفة بحضور عدد من الإعلامين والصحفيين.
وتابعت د. ناهد: قضية التغيرات المناخية لم تبدأ فقط منذ السنوات القليلة الماضية، بل بدأت في الحقيقة منذ تسعينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1992، وقد شاهدنا العديد من الظواهر الغريبة في مناطق متفرقة، مثل الأعاصير والفيضانات وحرائق وسقوط أمطار في غير موعدها، وأنواع من الحيوانات غريبة تظهر في البحار والمحيطات، ودخلت مفردات جديدة أخرى لم نعتد عليها مثل الانبعاث الحراري والوقود الأحفوري والاقتصاد الأزرق، واليوم نحاول إلقاء الضوء على العديد من التساؤلات.
وتحدثت د. نهى سمير، عميدة كلية الدراسات البيئية بجامعة عين شمس، عن الدور المهم الذي تقوم به جامعة عين شمس في التوعية بمفهوم التغير المناخي وتأثيره، مؤكدة أن الجامعة اهتمت بهذه الظاهرة منذ 40 عاماً، مشيرة إلى أن مصر تهتم كثيراً بالقضية وستستضيف مؤتمر المناخ “cop27″، الذي من المقرر انعقاده في نوفمبر المقبل بشرم الشيخ بمشاركة 196 دولة.
وأضافت د. نهى أن الله خلق الكون في توازن، وما يحدث هو ثورة من الطبيعة نتيجة النشاط الإنساني وما نتج عنه في الصناعة والثورة الصناعية، واستهلاك كمية كبيرة جداً من الوقود الأحفوري، نتج عنه انبعاثات غازية من أهمها ثاني أكسيد الكربون، وما يقرب من 90% من الغازات الدفيئة التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، ومصر من الدول الأقل تأثيراً في الظاهرة، وتقيم كل مشاريعها على أساس التكيف مع الظاهرة وتخفيف التأثيرات.
3 أبعاد
وأوضح د. أحمد العوضي، مدير مركز التنمية المستدامة بجامعة عين شمس، أن مفهوم البيئة يشمل 3 أبعاد، هي: البيئة الطبيعية التي خلقها الله دون أي تدخل من الإنسان، والبيئة الاقتصادية، والبيئة الاجتماعية، ونحن البشر بثقافاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية عند استخدام حل من الحلول اليومية يجب أن نراعي تلك الأبعاد الثلاثة، والمشكلة حدثت عندما غلب البعد الاقتصادي عن البعدين الآخرين.
د. العوضي: الطاقة البديلة هي المخرج من مخاطر التغيرات المناخية
وأشار إلى الفرق بين التكيف والتخفيف؛ فالتخفيف هو القدرة على التحكم وتقليل الآثار السلبية، عن طريق تنفيذ إجراءات معينة مثل تركيب طاقات بديلة (شمسية، رياح، والتقليل من وقود الغاز والبنزين والفحم)، أما التكيف فهو التعايش مع المشكلة.
وعن تأثير التغيرات المناخية على صحة الإنسان، تحدثت د. أميرة جمال، أستاذة الصحة العامة بجامعة قناة السويس، وأكدت أن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة تزيد من الأزمات الصحية، وتعرض مرضى القلب إلى وضع أكثر خطورة، وزيادة حالات التسمم الغذائي والوفيات في الأطفال، وحالات ضربات الشمس وأمراض العيون نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
وأوضحت أن الكثافة السكانية والتكدس يزيدان من أمراض التغذية في الأطفال، كما أشارت إلى ضرورة وضع مقررات عن صحة البيئة، وتغير المناخ لطلاب التعليم قبل الجامعي بشكل مبسط، أما في التعليم الجامعي فنحتاج إلى وضع مقرر عام عن تغير المناخ.
وعن الوقود الأحفوري، تحدث د. أحمد الشامي، الخبير الاقتصادي، وقال: إنه يشمل الفحم والغاز والبترول، وكلها مواد ناضبة تختفي بعد فترة زمنية، لذا فالاتجاه اليوم إلى الطاقة المتجددة التي يعد الاقتصاد الأزرق جزءاً منها، وهو يعتمد أساساً على حسن استخدام الموارد المائية الموجودة من بحار وأنهار بغرض التنمية المستدامة، مثل الاستفادة بما يحتويه البحر من كائنات بحرية مختلفة، وتوليد طاقة من التيارات المائية والحواجز، وعمل مزارع سمكية.
وأشار د. أحمد الشامي إلى أن التنمية المستدامة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة ركزت في بند مستقل على الحفاظ وصيانة البحار والمحيطات، ومصر لديها ثروة من الموارد المائية جعلتها تحتل الموقع رقم (6) في الأماكن الفريدة في العالم، وأن مشروعات الدولة تنتمي إلى الاقتصاد الأزرق، بما تقيمه من مزارع سمكية وتنمية الصحراء من خلال إنشاء مجتمعات جديدة وتخفيف الانبعاثات من استخدام الطاقة
“علم النفس المناخي” يقوم على دراسة الآثار النفسية للتغيرات المناخية والفصول الأربعة تؤثر على الحالة المزاجية والنفسية للإنسان
علم النفس المناخي
من جانبه، أشار د. أشرف عبدالرحمن، أستاذ النقد الفني بأكاديمية الفنون، إلى أن هناك ما يعرف باسم “علم النفس المناخي”، وهو يقوم على دراسة الآثار النفسية للتغيرات المناخية، والفصول الأربعة تؤثر على الحالة المزاجية والنفسية للإنسان، وبالتالي فالتغيرات المناخية تؤثر على الفنان نفسه وعلى الإبداع، ففي عام 1923 استطاع الموسيقي الإيطالي أنطونيو فيفالدي، من خلال مقطوعته الموسيقية “الفصول الأربعة”، أن يصور كل فصل من خلال الموسيقى.
وأشار إلى أن هناك لوحات تشكيلية لفنانين عالميين تجسد الفصول الأربعة وأخرى عن غروب الشمس، وأيضاً هناك باليه يعرف باسم “ذوبان الجليد” استطاع الراقصون فيه أن يعبروا عن شكل ذوبان الجليد بشكل جميل، وتأثير المناخ على الحالة المزاجية يتم من خلال التأثير المباشر أو غير المباشر أو عن طريق إدراك الخطر، ويجب علينا الاهتمام بالتوعية الثقافة المناخية والسلوكيات العامة في التعامل مع البيئة.