ها نحن نصل إلى الختام وسنعيد النقاط التسع التي تلفظ فيها الرئيس الأمريكي السابق أوباما وهي في تصوري بداية مكاشفة شبه علنية لما كان يدور تحت الطاولات.
سنعيد تلك النقاط، ولكن بعد عرض بعض الأمور المهمة إن شاء الله تعالى.
كثيرون هم الذين يتحدثون في العلمانية وعنها سلباً، والأكثر منهم في هذه السنوات الأخيرة، من يتكلم إيجاباً في العلمانية، تمهيداً لتجاوز الحالة المفصلية في تصوري الشخصي التي يعيشها العالم العربي والإسلامي مع الأم للعلمانية، وهي الماسونية العلمانية المنافقة “التنظيم العالمي الصهيوني”.
لتعلم أيها القارئ الكريم أن المرحلة القادمة هي المرحلة التفتيتية للشظايا الجغرافية، من أجل الوصول إلى الأصغر جغرافيّاً، ومساحة وتعداداً سكانياً، مع تأجيج التعنصر العرقي والفئوي! وأتصور العلمانية اليوم بدأت تضرب أطنابها بقوة لتصنع من العالم العربي بالذات، وعلى مدى 5 سنوات بالكثير إلى دويلات لا يمكن أن تكون قائدة لغيرها أو حتى لذاتها بسبب صغر حجمها، ولا تستطيع بأي شكل من الأشكال أن يكون لها مشروع، وذلك لعدم مؤهلاتها التكوينية الجغرافية السكانية، وتصنيع المشكلات تصنيعاً ماسونياً بين كل شظية وجارتها حدودياً وأيديولوجياً! لتأصيل والولاء والبراء للحدود والوطن! وركل الأخوة الإسلامية والولاء والبراء الشرعي، ولا ريب، عدم قدرتها الدفاع عن نفسها إلا باللجوء إلى الأسياد، والقوى الدولية التي يديرها مجلس الأمن الغريب في مواقفه مؤخراً، لتأصيل المواطنة العالمية! التي يسعى لإدارتها، والدول العربية إذا لم تكن فيها حركة الآن لتوقف ما نراه، أتصور خلال السنوات الخمس القادمة سيكون عدد الدول العربية أكثر مما هي عليه الآن وضعيفة لا تملك إلا الجيوش الصورية التي تحمي الأنظمة خدم الأسياد فقط، لا العباد والبلاد “دول بعفطة عنز تطير”!
بعد هذه المرحلة المفصلية في العالم العربي ستأتي المرحلة التي بعدها، ولعلي لم أكن مبالغاً؛ المرحلة التي بعد العالم العربي هي باكستان وإيران وأفغانستان وإندونيسيا للضغط على تركيا التي تعتبر المفاجأة المزعجة لهم!
لعل البعض منا يقول: هذا الكلام فيه مبالغة، ولكن نقول: انظر إلى الاتحاد السوفييتي أين هو؟ انتهت المهمة الشيوعية، انظر إلى الهند سابقاً، ومن ثم كانت 3 دول؛ الهند وباكستان وبنجلاديش، وهذا لا بد أن يدعو إلى الحذر، كانت جميعها الهند! وانظر إلى تاريخ إيران، وانقلاب محمد مصدق الذي أراد أن تكون إيران حرة ومستقلة، وماذا فعلوا به، وجاؤوا بالشاه! وتذكر الرئيسة بيناظير بوتو وكيف تم توليتها رئاسة باكستان من قبل أمريكا، كما ذكرت هي في مذكراتها، والملك فيصل طيب الله ثراه، يوم أن قال لنا رأياً وكلمة وفعلاً، فماذا حصل؟ والجزائر وانتخاباتها وفوز الإسلاميين، ومن ثم مجزرة تحصد 380 ألفاً من المسلمين، ثم فلسطين المحتلة وفوز الإسلاميين، فقالوا لنا: كيان، فماذا حصل بعدها؟! وها هي مصر حدث فيها ما حدث لأنها خرج منها أخيراً رجل يقول: نحن أمة من البشرية، ولها رأيي، فكان ما كان على الرئيس مرسي يرحمه الله تعالى، ونرى اليوم صهيون وغربانها، كيف تحوم على تركيا وأردوغان حفظه الله تعالى.
فلا تستبعد تقسيم تلك الدول بعد العالم العربي، واليوم نرى الأعراق تتحرك بشكل مستقيم ومتفق مع الحركة الصهيونية العالمية لتفتيت العالم العربي، كما نسمع بعرقيات تتحرك بشكل مريب مثل الأمازيغ والأكراد، وكشمير مستقبلاً، والشيعة والسُّنة، الأقباط والنوبة، والكلدانية والآشورية.. إلخ، فالعلمانية ومن يحملها، ويكرسها في العالم العربي، يهدف من خلالها للمرحلة القادمة “العولمة العالمية”، العولمة التي لا تعترف بحدود وجغرافيات وثقافات وأخلاقيات ودين ومعتقدات، فهي تقدم المصالح الخاصة على العامة والأولوية للمصالح الخاصة، وصاحب رأس المال، وهي الحداثة كما أشار لها الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما ممهداً خريطة الطريق لمن يأتي من بعده!
هل من باب الصدفة أن نجد العالم العربي والإسلامي دفعة واحدة، وبتزامن يتفاقم فيه الفساد الإداري والمالي جملة وتفصيلاً، وبهذا الكم الهائل الكبير والخطير؟ هل هو من باب الصدف، أم هو جزء محوري من المخطط العالمي على المنطقة وشعوبها المسلمة غالباً؟!
أنا شخصياً لا أتصور أن هذا صدفة، بل هو جزء من التمهيد كما مهد وفرش الإلحاد الشيوعي و”البروليتاريا” التي مهدت لتلاشي ولاء الأمة الإسلامية لدينها ولمحورها الذي يجذبها اجتماعياً (الخلافة) لتذوب، وتتلاشى في القومية، والحدود الوطنية الضيقة، ومن ثم الشتات الولائي والثقافي والاعتقادي، وإن كان لا بد للأممية، فلا تكون إلا من خلال “البرولوتاريا”! أو من خلال الأمة العالمية وخدم الماسون من المنظمات العالمية المشبوهة.
حينما ترى ما حدث لإيران أيام مصدق، وما حصل في الجزائر بعد نجاح الإسلاميين، ونجاح مرسي، و”حماس” وما يحاك لتركيا اليوم، يجب أن تعلم وتفهم أيها العلماني العربي قليل الذكاء، أن هذه الدول العالمية لا يمكن أن تعطيك حرية التقدير والتفكير وإبداء الرأي الحر، فهي تنطلق من نظرية سويجارت الذي يقول: “هناك شعوب لا بد من الوصاية عليها”، أما الوصايا واقعاً تقول: نحن كأمم وأسياد عالميين، يجب تخصيص عبيد لنا، يكونون أسياداً على شعوبهم، فتستعبد تلك العبيد الشعوب لمصالحنا ومخططاتنا!
أعيد نقاط أوباما ليقيني أن الخليج مستهدف، وبالأخص المملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى، حفظها الله تعالى، فهي في وضع دقيق جداً إن لم تكن كيّسة فطنة ومن ثم تبلع الطعم فحينها يتم التفتيت، فمن تتبع كلام أوباما ذلك الحين ويربطه بتحرك من بعده من رؤساء الآن يعلم عمق الخطورة ومداها، والمملكة الحمد لله مدركة لما يدور، والحمد لله رب العالمين..
يقول أوباما في نقاطه التسع:
1- المنافسة بين السعودية والإيرانيين غذّت حروباً بالوكالة وفوضى في سورية والعراق واليمن.
2- على السعوديين والإيرانيين إيجاد طريقة للمشاركة في المنطقة وفرض نوع من السلام البارد.
3- إذا قلنا لأصدقائنا: أنتم على حق وإيران هي مصدر المشكلات، فهذا يعني استمرار الصراعات الطائفية حتى نتدخل، وهذا ليس في مصلحتنا أو مصلحتهم.
4- “القبلية” تدمر الشرق الأوسط، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يلغيها، تتجلى بلجوء اليائسين في الدول الفاشلة إلى الطائفية أو العقيدة أو العشيرة أو القرية.
5- لن يكون هناك حل شامل للإرهاب الإسلامي إلا أن يتصالح الإسلام نفسه مع الحداثة كما حصل مع المسيحية!
6- السعودية ودول الخليج هي المسؤولة عن ارتفاع الغضب الإسلامي؛ أي “التطرف في السنوات الأخيرة”!
7- الإسلام في إندونيسيا انتقل من الاعتدال إلى التطرف بعد أن صب السعوديون والخليجيون أموالهم!
8- في التسعينيات موّل السعوديون بكثافة مدارس وهابية فأصبح الإسلام في إندونيسيا “أكثر عروبة”!
9- لا يمكن لدولة أن تعمل في العالم الحديث عندما تستمر في اضطهاد نصف شعبها؛ أي المرأة!
هذه النقاط التي تتفجر منها روح الجريمة والمكيدة المستقبلية، حسداً وحقداً، ومضامينها تحمل نفس أجواء الحقد الذي أظهرها الشيطان الرجيم بهذا الحوار القرآني الآتي، وتشعر بوضوح، بروح المكيدة المستقبلية كما قال سيده الشيطان الرجيم، وبين ذلك كتاب الله تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الحجر: 36)، وأيضاً تحمل هذه النقاط التسع ما يضمره كما بين إبليس ما يضمره، وكما بينه الله تعالى في كتابه: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين) (الأعراف).
للعلم، من يعتقد أن القوى الدولية والمتمثلة بمجلس الأمن تسعى على احترام إنسانيته وحضارته فهو واهم، فها هي بورما، وها هي فلسطين، وها هو العراق اليوم وسورية واليمن، وها هي ليبيا الآن، دخلوها لنصرة حفتر وأمثاله فقط نادل المخابرات الأمريكية، وخادمها لتتم له السيطرة ليتكامل التعاضد في المنطقة، وذلك بينه وبين أمثاله من قادة في المنطقة، والكيان الصهيوني!
أخي المسلم عموماً والعربي، لا تعتقد أن العدو الذي ذكره الله تعالى بجلاله وكبريائه في كتابه، وبيان كيده المستمر والمطرد عليك، أمر قليل الأهمية، فلا تعتقد بثقافتك الهزيلة أن العدو يخطط عليك بخطة خمسية أو سنوية، فلو كان كذلك لما حذرنا الله تعالى منه، فعدوك تخطيطه عليك عشري في أقل الأحوال، وخمسيني أو ثلاثيني يا هذا، ولكن هزالة ثقافتنا وابتعادنا عن ديننا جعلنا نستهجن هذا الفهم والكلام وندعي فيه المبالغة.
ثق بالله أن النصر للأمة الإسلامية في النهاية لا محالة آت، وسيصنع الله تعالى أسباب النصر، وسيصونها الله تعالى، ولكن لا بد من بذل الأسباب المتاحة ما استطعنا.
قبل الختام، من يعتقد أنه سيكون لنا كيان كأمة إسلامية من غير وجود محور الالتفاف فهو واهم، وضحك على نفسه وأجيالنا المتتالية وأولادنا، هذه الأمة استقتل عدوها لينزع منها محوريها، الأول الخلافة، والثاني مرتبط بالأول الجهاد، لأن العدو عمل بكل ما يستطيع ليزرع فينا الترف والجهل والخيانات وحب الدنيا والشهوات واتباع أذناب البقر، والنفوذ على بعضنا حتى لا نعود إلى المحور “خلافة، كونفدرالية، تجمع”، فلذلك كان همه الأول والأخير تحطيم مصر التي اختارت بحرية د. محمد مرسي، وتركيا التي أصبحت شوكة في حلقوم العدو، وتفكيك مجلس التعاون رغم عدم قوته المخيفة إلا أن العدو يخشى من ظهور قادة في المستقبل كالملك فيصل رحمه الله تعالى، يقبل بها مجلس التعاون، كما صرحت إحدى صحف الكيان الصهيوني بعد نجاح مرسي قائلة: ماذا لو اتفق الخليج ومصر وتركيا؟!
_________________
إعلامي كويتي.