تسعى سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” منذ عقود؛ لاستهداف الوجود الفلسطيني في الداخل المحتل وسلخ الهوية العربية عنهم، عبر مخططات ممنهجة بهدم الأحياء الفلسطينية، وتوسيع المشاريع الاستيطانية على أنقاضها بحجج واهية.
وتشكل سياسة هدم المنازل الفلسطينية منهجية “إسرائيلية” قديمة منذ عام النكبة 1948، تصاعدت في الأشهر الأخيرة في عدد من بلدات الداخل، بإشراف من “المجلس القطري للتخطيط والبناء” للمجمعات ذات الأفضلية للسكن.
وهو ما يعتبره الفلسطينيون “نكبة ديمغرافية جديدة”، تعمل الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة على تنفيذها بكل ما تمتلكه من صلاحيات ووسائل ثم تُضفى عليه صفة قانونية لشرعنته.
وتمتد مساحة الداخل على قرابة 20800 كيلو متر مربع من أصل 27009 كيلومترات مربعة من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية، ويسكنها بلدات الداخل نحو 995 ألف فلسطيني، وفق إحصاءات العام 2021.
قانون “كامينتس”
رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في منطقة وادي عارة أحمد ملحم يُشير بأصبع الاتهام لقانون “كامينتس” الذي وصفه بـ”المجحف”، حيث تم إقراره عام 2017 وتعمل مضامينه على تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم.
ويقول ملحم: إنه بموجب هذا القانون، يتم تحويل قضايا هدم البيوت من قضائية في المحاكم، لأحكام إدارية ملزمة بالهدم خلال شهر واحد فقط.
وفي عام 2018 هدّد هذا القانون أكثر من 50 بيتاً بالهدم في مناطق الجليل والمثلث والنقب، وفي عدة بلدات، منها مدينتا شفاعمرو، وطمرة، وقرية منشية زبدة قرب حيفا، وقرية جلجولية، بحسب معطيات فلسطينية.
ويوضح ملحم أن 80% من أوامر الهدم تستهدف الوسط العربي، إذ خصصت السلطات “الإسرائيلية” طاقمًا وزاريًا عام 2015 لدراسة كافة المشاكل والضائقة التي يحتاجها العربي، وخلصت لقانون “كامينتس” الذي شرعت بموجبه ببناء 7000 وحدة سكنية في المستوطنات المصنفة ضمن مناطق “ج”.
وبموجب “كامينتس” هناك غرامات مالية تُفرض على ما يصفهم بـ”المخالفين” وتكون على النحو التالي: 300 ألف شيكل لبناء العرب المخالف، و600 ألف شيكل للمصالح التجارية، يُقابلها غرامة بـ750 شيكلاً عن كل ليلة لمن لا يهدم منزله، و1400 شيكل لمن لا يهدم منشأته، وفق ملحم.
ويتحدث عن أرقام مذهلة بشأن أوامر الهدم التي طالت الأحياء العربية، حيث سجلت 60 ألف أمر يهددها التنفيذ، فيما سُجل 600 ألف أمر هدم في أوساط اليهود لكن لا يُنفذ منها شيء، لافتًا إلى وجود أكثر من مليون مخالفة بناء لليهود يقابلها 200 ألف للعرب.
ويستطرد: وعادةً ما يتم شرعنة تصرفات وسلوكيات اليهود، أما العرب فيطالها الهدم والملاحقة وسياسة التضييق.
من ناحيته، يتساءل عضو اللجان القطرية التابعة للجنة المتابعة العربية مقداد حج يحيى، عن مصير عائلة أبو حجاج المكونة من 15 فردًا، حيث يلاحقهم أمر فوري لهدم منزلهم في مدينة الطيبة، واصفًا إياه بـ”التهجير القسري والظالم”.
ومنذ مساء يوم الجمعة الماضية، تنصب اللجنة الشعبية في مدينة الطيبة خيمة اعتصام في منزل عائلة “أبو حجاج”؛ وذلك كخطوة احتجاجية عملية أولى لحماية المنزل من الهدم.
ويوجد 244 أمر هدم بـ”الطيبة” ويُضيف حج يحيى أن الطيبة كانت تصل مساحتها 30 ألف دونم، أما اليوم فمساحة البناء والعمران فقط 6 آلاف، بالتالي فهي مخنوقة بمخطط الجدار العنصري والمستوطنات والطرق السريعة.
ويضرب يحيى أمثلة حية عن ضائقة السكن ومنع البناء وأوامر الهدم في الداخل كمدينة الناصرة وضواحيها، ومثلها مدن الطيرة، وأم الفحم، ووادي عارة، وكفر قرع، وكفر قاسم، وطمرة، والنقب، والقائمة تطول.
وتخطط “إسرائيل”، تبعًا لحج يحيى، للمستقبل في النقب بتشكيل سلطة لتوطين البدو بقرار من وزير الزراعة سابقًا أوري أريئيل ورئيسها يائير معيان؛ بحيث يتم توزيعهم في تجمعات بدل الأرض، باعتبارهم “حجر عثرة” أمام مشاريعهم الاستيطانية.
ويلفت إلى أن عدد التجمعات الفلسطينية غير المعترف بها في النقب كان 50 تجمعاً، لكنه تقلص مؤخرًا إلى 36 وهي مستهدفة بالترحيل والهدم وأم الحيران مثال صارخ.
وتبلغ مساحة النقب الصحراوي حوالي نصف مساحة فلسطين التاريخية (12 مليون دونم) يملك حاليًا العرب منها رقماً هامشياً بمساحة 600 ألف دونم.
وعن تصاعد أوامر الهدم الجديدة يُعلّق المحامي خالد زبارقة، عضو اللجنة الشعبية في مدينة اللد: إن استهداف العرب بات مادة انتخابية تتنافس عليها الأحزاب “الإسرائيلية” للمرحلة القريبة، فكلما مورست الأذية بحق العرب كلما حصدوا أصواتاً أكثر من شارع يوغل التطرف واليمين الحاد العنصري.
ويرى زبارقة أن المؤسسة “الإسرائيلية” الرسمية تدرك حاجات العرب، ولديها المعطيات الكاملة، وبالرغم من ذلك فإنها تقف خلف ممارسات الهدم وأوامرها، بهدف التضييق على الفلسطينيين وخنقهم، وتغيير معالم الأحياء العربية.