قال خبراء: إن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اتخذ موقفاً قوياً الأسبوع الماضي ضد جهود الصين لإعادة تشكيل أجندة الحقوق العالمية، من خلال إصدار تقرير وجد أن بكين انتهكت حقوق الأقليات العرقية في منطقة تركستان الشرقية بشكل خطير، تتضمن قيامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقد خلص تقرير مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى وجود حرمان تعسفي واسع النطاق من الحرية لأعضاء الإيغور وغيرهم من المجتمعات ذات الغالبية المسلمة بجانب ادعاءات موثوقة بأنماط تعذيب للمحتجزين في سجون الحكومة.
وصدر تقييم المفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي طال انتظاره بشأن تركستان الشرقية، يوم الأربعاء الماضي، على الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها الصين، وهي عضو قوي في الأمم المتحدة، لقمعه.
فالصين طورت في السنوات الأخيرة بشكل متزايد نموذجها الخاص بالحقوق المتمحور حول الدولة الذي يعطي الأولوية للأمن والتنمية الاقتصادية وقوة الدولة ذات السيادة، وتقدم الصين هذا النموذج بدلاً من دعوة هيئة حقوق الإنسان الرائدة في العالم إلى الصين للامتثال لقانون الحقوق الدولي الذي يمثل دفاعًا قويًا عن المبادئ العالمية التي تركز على حماية الحقوق الفردية.
تريد بكين دفع الدول الأخرى لتبني إطار مختلف لحقوق الإنسان، إطار يتماشى مع قيمها، يقول دارين بايلر، الأستاذ المساعد للدراسات الدولية في جامعة سيمون فريزر، الذي أجرى بحثًا مكثفًا حول معاملة الصين للإيغور: وهذا التقرير يقاوم ذلك بطريقة قوية جدًا.
ويضيف أن بيان الأمم المتحدة يقدم للدول الأخرى بعض الوضوح، ويعتبر مصدرًا موثوقًا يُلجأ إليه في اتخاذ موقف بشأن تركستان الشرقية.
الخطوة الأولى نحو العدالة
ويركز الباحثون والعلماء والنشطاء على تركستان الشرقية، وكذلك المعتقلين السابقين والإيغور في الشتات الذين رحبوا بالتقرير لتأكيده لسنوات عملهم لفضح انتهاكات حقوق الإنسان، وبالنسبة للعديد من الضحايا، يمثل ذلك الخطوة الأولى نحو العدالة.
تقول روشان عباس، ناشطة أمريكية من الإيغور كانت صريحة بشأن اختفاء أقاربها في تركستان الشرقية: لقد انتظرنا طويلًا حتى يتم التعرف على الحقيقة.
وتضيف عباس، المؤسسة والمديرة التنفيذية لحملة الإيغور ومقرها واشنطن: إنها تأمل أن يؤدي التقرير إلى إجراءات ملموسة ليس فقط من قبل الأمم المتحدة، ولكن أيضًا من قبل الدول التي التزمت الصمت حتى الآن بشأن تركستان الشرقية، ومن بينها دول ذات أغلبية مسلمة.
الصين في مأزق
وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في العالم، يسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء على القيم الإنسانية المشتركة، كما يقول الخبراء.
يقول شون روبرتس، الأستاذ المساعد في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن: لقد أصبحت هذه القضية قضية جيوسياسية، وهو أمر مؤسف للغاية لأنها قضية إنسانية عالمية.
يقول: كان من المهم للغاية رؤية هيئة تابعة للأمم المتحدة تقدم هذا التقرير، لأن رد الحكومة الصينية الأساسي على الاتهامات المتعلقة بالسياسات تجاه الإيغور وغيرهم من المسلمين الأتراك كان يقول: إن هذا نتاج معلومات مضللة من الولايات المتحدة وأوروبا تستخدمها بعض الحكومات لتشويه الحكومة الصينية.
والواقع أن بكين شجبت على الفور التقرير باعتباره نتاجًا للتلاعب السياسي من قبل القوى المعادية للصين، قائلة: إنه لا يتمتع بمصداقية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانج وين بين، في مؤتمر صحفي، في بكين، يوم الخميس الماضي: هذا التقييم المزعوم تم تنسيقه وإنتاجه من قبل الولايات المتحدة وبعض القوات الغربية وهو غير قانوني وباطل تمامًا، وإنه خليط من المعلومات المضللة التي تعمل كأداة سياسية لبعض القوى الغربية لاستخدام تركستان الشرقية بشكل إستراتيجي لاحتواء الصين.
ومع ذلك، فإن تقرير الأمم المتحدة يثير تحديات دبلوماسية للصين، كما يقول الخبراء، فمع نمو ثروتها وقوتها، تعمل الصين جاهدة لرفع مكانتها ونفوذها ومشاركتها في الأمم المتحدة.
وفي مايو الماضي، أشادت بالزيارة الأولى لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى الصين منذ 17 عامًا، في رحلة استغرقت 6 أيام، التقت فيها المفوضة السامية ميشيل باتشيليت مع الزعيم الصيني شي جين بينج وسافرت إلى منطقة تركستان الغربية، حيث قال المسؤولون الصينيون: إنها كانت قادرة على مراقبة والتعرف على تركستان الغربية الحقيقية بشكل مباشر، وفقًا لتقرير، من قبل صحيفة “جلوبال تايمز” التي تديرها الدولة.
في ذلك الوقت، أشادت وسائل الإعلام الرسمية بباتشيليت بصدق وموضوعية فيما يتعلق بتجاربها في تركستان الغربية والصين، ومع ذلك، قالت بكين، هذا الأسبوع: إن تقرير تركستان الغربية الذي أشرفت عليه باشيليت نفسها يظهر أن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان هو وسيلة للتضليل، وقال وانج: لقد تم تقليص مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وتحويله إلى جهة تنفيذية وشريكة للولايات المتحدة وبعض القوى الغربية في إجبار الدول النامية على الالتزام بها.
ماذا يقول التقرير؟
كثف الحزب الشيوعي الحاكم في الصين منذ عام 2016 عملية الضربة الصارمة ضد ما يعتبره الإرهاب والتطرف الديني والميول الانفصالية بين الإيغور وغيرهم من الجماعات العرقية التي يغلب عليها المسلمون والمتحدثون باللغة التركية في تركستان الغربية، وهي حدود إستراتيجية مع آسيا الوسطى، اندلعت أعمال عنف متفرقة بين الإيغور وعرقية الهان الصينية في الإقليم الشمالي الغربي، ويريد بعض الإيغور قدرًا أكبر من الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال عن بكين، لكن الخبراء ينظرون إلى السبب الجذري للاضطرابات على أنه عقود من القمع والمعاملة التمييزية للصين ضد الإيغور، وهو منظور يدعمه تقرير الأمم المتحدة.
واستنادًا إلى أبحاث مكثفة، من بينها مقابلات مع عشرات الأشخاص الذين احتُجزوا أو عملوا في المعسكرات منذ عام 2016، وجدت الأمم المتحدة أن إستراتيجيات الحكومة لمكافحة الإرهاب والتطرف في تركستان الغربية أدت إلى أنماط متشابكة من القيود الشديدة وغير المبررة على نطاق واسع، مجموعة من حقوق الإنسان المفروضة بطريقة تمييزية على الإيغور وغيرهم من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.
قدر الباحثون أن ما يصل إلى مليون من إجمالي سكان الإيغور البالغ 11 مليونًا محصورون فيما وصفته الحكومة بـ”مراكز التعليم والتدريب المهني” بغرض التعليم وإعادة التأهيل.
أثناء عدم استخدام عبارة الإبادة الجماعية أو خطر الإبادة الجماعية -المطبقة على أفعال الصين في تركستان الغربية من قبل دول من بينها الولايات المتحدة وكندا وهولندا، وكذلك من قبل البرلمان الأوروبي- وجد التقرير مزاعم ذات مصداقية عن حالات طبية قسرية العلاج والحوادث الفردية للعنف الجنسي والعرقي، ويذكر أن مراكز الاحتجاز توفر أرضية خصبة لمثل هذه الانتهاكات على نطاق واسع.
يقدم هذا التقرير الصادر عن الأمم المتحدة الكثير من المصادقة على المعتقلين السابقين وأفراد عائلاتهم، يقول د. بايلر، الأستاذ في جامعة سيمون فريزر: لقد تطلب الأمر الكثير من الشجاعة (من قبل الضحايا) للتحدث إلينا، مدركين أنه يمكن كشفهم.
وبالفعل، يقول بايلر وخبراء آخرون: إن التدقيق الدولي في حملة الصين على المسلمين في تركستان الغربية يبدو أنه دفع بكين إلى تعديل سياساتها، فعلى سبيل المثال، هناك أعداد كبيرة من المعتقلين، وخاصة من كبار السن، عادوا إلى مجتمعاتهم أو انتقلوا إلى المصانع في السنوات الأخيرة، حيث الظروف أفضل.
ومع ذلك، كانت هناك أيضًا زيادة كبيرة في المحاكمات الجنائية في تركستان الشرقية، حيث انتقل المحتجزون السابقون إلى نظام السجون الرسمي، كما يقول.
طلب العدالة
يدعو تقرير الأمم المتحدة الصين إلى الإفراج عن جميع الأفراد المحرومين تعسفيًا من حريتهم في تركستان الشرقية، سواء في معسكرات التأهيل أو في السجون أو غيرها من مرافق الاحتجاز، وضمان اتصال عائلات المحتجزين بأحبائهم، يجب على الحكومة التحرك بشكل عاجل لضمان توافق قوانين مكافحة الإرهاب في تركستان الغربية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإلغاء جميع القوانين التمييزية ضد الإيغور وغيرهم من المسلمين.
تعتقد روشان عباس، الناشطة الأمريكية الإيغورية، أن التقرير سيحدث تغييرًا إيجابيًا للإيغور في الصين، فالضغط يعمل بالتأكيد، كما تقول.
وعلى الرغم من الموقف العام لبكين، فهم تدريجيًا يطلقون سراح بعض الأشخاص، كما تقول عباس، التي تقضي شقيقتها، جولشان عباس، حُكمًا بالسجن بتهم تتعلق بالإرهاب.
تقول عباس: إنني افتقدها، وحبها يزودني بالوقود لأقاتل بقوة أكبر، وسأستمر حتى أراها.
وتقول عديلة سدير، وهي مهاجرة من الإيغور تدير مطعمًا في بوسطن: إن تقرير الأمم المتحدة الذي يثبت انتهاكات الحقوق يمثل تحسنًا كبيرًا في حالة الإيغور.
وتضيف سدير: إن الاعتقالات الجماعية كان لها آثار بعيدة المدى، وعلى الرغم من تمتعها بحرية أكبر في الولايات المتحدة، فإن معرفة أن والدها مسجون في تركستان الشرقية وأنها لا تستطيع فعل أي شيء لمساعدته وهذا مصدر قلق دائم، الحكومة الصينية تحتجز الناس ليس فقط في مسقط رأسي، ولكن هنا في هذا البلد الأجنبي، يعذبوننا نفسياً، إنه أمر مؤلم للغاية.
وتضيف: أعتقد أن التقرير سيكون بحق مساعدة كبيرة للإيغور، لكنني لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.
____________________________
المصدر: “كريستيان ساينس مونيتور”.