استولى البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، على دولة فرسان مالطا المستقلة عن الفاتيكان، لكنها تشغل عدة مبانٍ داخل مقر الفاتيكان، تابعة روحياً للبابا، بعد 5 سنوات من المحاولات لفرض دستور جديد على هذه الدولة التي كانت الذراع العسكرية للحروب الصليبية ولديها تمثيل مستقل وسفارات ومقعد بالأمم المتحدة.
ودولة “فرسان مالطا” نظام ديني كاثوليكي عالمي يعود تاريخياً للحرب الصليبية وفرسان الإسبتارية، وحالياً تعد منظمة إغاثة وطب تقدم خدمات طبية.
كما أن “فرسان مالطا” ليست دولة بالمعنى المعروف؛ فهي أشبه بمنظمة تقيم في عدة مبان داخل الفاتيكان في روما، ومقرها الرئيس في قصر “ماجسترال” بروما، وهي دولة بلا شعب وتضم في عضويتها 13.5 ألف شخص يطلقون على أنفسهم اسم “فرسان”.
ويديرها مجلس مكون من 26 فارساً يقومون بمساعدة الرئيس (الكاردينال العسكري) على تسيير شؤونها، وأول من شغل هذا المنصب هو البريطاني أندرو بيرتي.
وهي منظمة دينية ذات طبيعة عسكرية للفرسان، تقول: إنها تعمل على تكريس الإيمان المسيحي، وخدمة الفاتيكان، وتزعم أن المهمة الرئيسة لها منذ تأسيسها تتمثّل في خدمة المرضى وأعمال البر والإحسان.
وتطلق على نفسها اسم “النظام العسكري ذو السيادة المستقلة لمالطا”، أو “نظام السيادة العسكري لفرسان مستشفى القديس يوحنا الأورشليمي من رودوس ومالطا”، وهي تختلف عن دولة مالطا.
ويرجع تاريخ هذه الدولة إلى جماعة كاثوليكية من بقايا الحروب الصليبية هم “فرسان الإسبتارية” لكنها معترف بها دولياً ككيان ذي سيادة، وعضو في الأمم المتحدة.
ولها علاقات دبلوماسية رسمية مع 103 دول، وسفراء في هذه الدول بما فيها 8 دول عربية، هي: مصر والأردن والسودان والصومال وجزر القمر ولبنان والمغرب وموريتانيا، وما يزيد على 28 دولة إسلامية.
تفاصيل الانقلاب
بموجب مرسوم أصدره البابا، في 3 سبتمبر 2022، أقال المستشار الأكبر لمنظمة فرسان مالطا الألماني ألبريشت فرايهر فون بوزيلاجر من منصبه وحل حكومتها المؤقتة التي تشكل مجلس الرهبانية الكاثوليكية وعين موالين له في حكومة مؤقتة وأعلن عن انتخابات، في يناير 2023، لتشكيل حكومة جديدة.
لكن البابا ضمن السيطرة على فرسان مالطا بعدما قام بتعديل دستورها الحالي بدستور آخر سمح بوصول موالين للبابا لكرسي الحكم في هذه الدولة الصليبية.
وقالت وكالة “رويترز”، في 3 سبتمبر: إن هذا التغيير، الذي أصدر البابا قراراً به، جاء بعد مناقشات ساخنة غالباً دارت على مدى 5 سنوات داخل النظام وبين بعض الأعضاء الكبار في حرسه القديم والفاتيكان، حول الدستور الجديد الذي خشي البعض أن يكون من شأنه إضعاف سيادة فرسان مالطا لصالح الفاتيكان.
ومنذ إعلان دولة “فرسان مالطا”، في 7 يونيو 2022، وفاة رئيسها الأعلى ماركو لوتزاغو عن 72 عاماً، وتعيين “الكوماندور الأعظم” روي غونزالو دو فالي بيكسوتو دي فيلاس بوا قائماً جديداً بأعمال الرئيس حتى انتخاب جديد “رئيسًا دينيًا وملكًا” وهناك أنباء عن صراع داخل فرسان مالطا.
كيف نشأت؟
بدأ ظهور “فرسان مالطة” في القدس نحو عام 1048، خلال عصر الدولة الفاطمية كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين، في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس.
وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية، وأطلق عليهم اسم “فرسان المستشفى” (Hospitallers) تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت ظهرت لاحقاً في القدس مثل “فرسان المعبد” وغيرهم.
وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى جيرارد دي مارتيز تنظيماً منفصلاً أسماه “رهبان مستشفى قديس القدس يوحنا” وبحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين.
ثم تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا أنوست الثاني عام 1130.
ومع الاحتلال الصليبي للقدس توسعت مهام المنظمة لتشمل تقديم الحماية العسكرية للمسيحيين، ونالت اعترافاً رسمياً من بابا الفاتيكان باسكال الثاني عام 1113 باعتبارها نظاماً دينياً.
وعقب هزيمة الصليبيين في القدس وسقوط عكا عام 1291 وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان الصليبيين إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى.
فاتجه الفرسان التيوتون (طائفة مسيحية ألمانية تمريضية تحولت لعسكرية) نحو شمال أوروبا، ونزح الداوية أو فرسان المعبد (عسكريون متعصبون) إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307 – 1314م).
أما فرسان الهوسبتالية (نسبة لكلمة مستشفى)، فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم قبرص عام 1291م.
وانتقلوا لاحقاً إلى جزيرة رودوس، لكن طردهم العثمانيون منها عام 1523، فذهبوا إلى مالطا وأنشؤوا نظامهم السيادي، الذي ارتبط باسمهم “فرسان مالطا”، حتى طردهم نابوليون بونابارت منها عام 1798 ليحولها لنقطة انطلاق لاحتلال مصر.
وأخيراً استقروا في روما داخل مقر الفاتيكان، حيث يقع المقر الرئيس للمنظمة حالياً في العاصمة الإيطالية روما.
منذ تأسيسها قبل 970 عامًا، تم استخدام العديد من الأسماء لتعريف المنظمة وأعضائها، بحسب الموقع الرسمي لها.
فالاسم الرسمي لمنظمة فرسان مالطا هو “نظام القديس يوحنا العسكري المستقل لفرسان القديس يوحنا في مدينة رودس ومالطا”.
لكن غالبًا ما تستخدم اختصارات مثل: فرسان مالطا العسكرية المستقلة، أو فرسان مالطة السيادية، أو فرسان مالطة.
وأطلق على الفرسان في البداية اسم فرسان الإسبتارية (أو فرسان الإسبتارية) لوصف مهمتهم لكن أطلق عليهم أيضًا اسم فرسان القديس يوحنا بسبب وجودهم في القدس.
وبعد غزوهم جزيرة رودس عام 1310 بعد طردهم من القدس، أصبحوا “فرسان رودس”، وفي عام 1530 خلال وجودهم في جزيرة مالطا أصبح يطلق عليهم اسم “فرسان مالطا” حتى بعدما تركوها وذهبوا إلى روما.
ووفقاً لدستورهم، ينقسم أعضاء منظمة فرسان مالطة إلى 3 فئات، وعلى الأعضاء أن يديروا حياتهم بطريقة مثالية وفقاً لتعاليم ومبادئ الكنيسة الكاثوليكية، وأن يكرّسوا أنفسهم لأنشطة المساعدة التي تقدمها الرهبانية.
وأعضاء الدرجة الأولى هم من الفرسان ورجال الدين المعترف بهم، والدرجة الثانية، هم رهبان عسكريون، والطبقة الثالثة أعضاء علمانيون لا يعترفون بالنذور الدينية أو لكنهم يعيشون وفقاً لمبادئ الكنيسة والنظام.
أدوار مشبوهة
“فرسان مالطا” هي أحد أكثر الكيانات غموضاً في التاريخ، مما جعلها موضوعاً لعديد من وسائل الإعلام والكتب والأفلام.
فإلى جانب ادعائهم أنهم لا يقومون إلا بأعمال خيرية تمريضية، تشير وقائع وتقارير لأهداف غير معلنة لهم، تكشف صراحة معادتها للمسلمين كامتداد لتاريخهم الصليبي.
وكان أبرز من كشف أدوارهم المعادية للإسلام في الوقت الحاضر، هو الصحفي الأمريكي سيمور هيرش خلال محاضرة مهمة ألقاها في قطر، في 18 يناير 2011.
قال هيرش، في محاضرته بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون بقطر، عن السياسات الأمريكية: إن القوات المسلحة الأمريكية يُوجهها ويسيطر عليها “صليبيون” أصوليون مسيحيون يهدفون إلى تحويل “المساجد إلى كنائس”.
وأكد أن الجنرال ستانلي ماكريستال، القائد المتقاعد لقيادة العمليات المشتركة الخاصة قائد القوات الأمريكية في أفغانستان لفترة، هو واحد من بين العديد من كبار ضباط الجيش الأمريكي الذين هم أعضاء في منظمات كاثوليكية متطرفة.
وذكر من هذه المنظمات: “فرسان مالطا”، و”أوبوس دي” والمعروفة رسمياً باسم “حبرية الصليب المقدس وعمل الله” وهي منظمة كاثوليكية في إسبانيا.
هيرش قال: إن مستشاريّ الرئيس السابق جورج دبليو بوش المحافظين الجدد كانوا يعملون وفقًا لسياسة تقول: “سنحول المساجد إلى كاتدرائيات”، ويعتبرون أنفسهم حماة للمسيحية ويقودون حملة صليبية بالمعنى الحرفي.
وذكر أن قيادة العمليات الخاصة العسكرية الأمريكية المشتركة مخترقة من قبل مسيحيين متعصبين يعتقدون أنه يتوجب عليهم أن يتولوا مهمة إكمال الحروب الصليبية وأن عليهم أن “يحولوا المساجد إلى كاتدرائيات”.
وفي تقرير عما قصده هيرش حول فرسان مالطا، نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريراً، يوم 19 يناير 2011، يقول: إن أعضاء منظمة “فرسان مالطا” يتمتعون بحضور غامض في مراكز صنع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية.
وأكد التقرير أن أخوية “الفرسان” أو فرسان مالطا، كان لها دور لا بأس به في المؤامرات السياسية داخل أمريكا وخارجها.