إثيوبيا، بلد يشهد حربًا أهلية، على الأقل في عيون غير الإثيوبيين الذين ينظرون إلى مجريات الأحداث في ظاهرها والوضع الحالي الذي وصل إليه هذا البلد الواقع شرقي أفريقيا.
لا يمكن القول: إن هذه الدولة التي يعود تشكيلها إلى ما لا يقل عن 3 آلاف عام، لها مسار خطي في التاريخ والديمغرافيا والاقتصاد السياسي.
يعدّ الوضع في إثيوبيا معقدًا نظرًا لكونه بلدًا متعدد الأعراق، ولفهم نشأة الصراع الحالي، ينبغي النظر في أبرز الأحداث التي وقعت فيها خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل.
وبينما تستقبل إثيوبيا عامًا جديدًا من الصراع، من الجيد أن ننظر إلى الوراء في بعض تلك الأحداث التي لها تأثير على التطورات العسكرية الحالية.
عام 1991
شكّل العام 1991 لحظة فارقة في التاريخ الإثيوبي، حيث شهد انتصار المتمردين في الشمال من إريتريا وتيغراي (كانت إريتريا أحد أقاليم إثيوبيا).
في ذلك الوقت كان قد مضى على حرب الاستقلال الإريترية 30 عامًا، في حين كان تمرّد إقليم تيغراي في عامه الـ17 ضد نظام ماركسي عسكري قمعي ووحشي يُعرف باسم “درغ”، بزعامة مانغيستو هايله مريم، الذي يعيش حالياً في المنفى بزيمبابوي.
في 28 مايو من ذات العام، انتهت الحرب ودخل المتمرّدون العاصمة أديس أبابا، قبل أن يتم تشكيل ائتلاف من 4 أحزاب من الجماعات اليسارية، بينها “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” (TPLF)، الذي كان الشريك القائد.
على الأثر، تم حلّ جمهورية إثيوبيا الاتحادية الديمقراطية، ما مهّد الطريق لتأسيس الحكومة الانتقالية لإثيوبيا بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
لم يمضِ وقتٌ طويل على تشكيل الحكومة الانتقالية، حتى أثبتت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” أنها تمارس القمع الوحشيّ بالقدر نفسه الذي كان يمارسه النظام السابق.
فقد أخضعت بالقوة جبهة تحرير أورومو، وأرغمت قادتها على التعاون معها ضمن الائتلاف الذي تقوده (الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية)، ومساعدتها في تشكيل الدستور الفيدرالي، الذي لا يزال ساريًا حتى اليوم.
والأحزاب الأربعة في الائتلاف، هي: المنظمة الديمقراطية لشعوب الأورومو (OPDO)، وحركة الأمهرة الديمقراطية الوطنية (ANDM)، والجبهة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا (SEPDF) والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF).
وفيما يعزو كثيرون الفضل للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في تمكين إثيوبيا من تحقيق نموّ اقتصادي سريع، يرى آخرون أن النموّ استفاد منه عددٌ قليل من النخب، وربما المواطنون العاديون بقدر لا يُذكر.
عمومًا، الشيء الذي تتفق عليه غالبية الشعب الإثيوبي هو إدانة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بسبب حكمها البلاد بـ”الدم والحديد”.
عام 1993
في هذا العام استقلّت إريتريا عن إثيوبيا، تاركة البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القرن الأفريقي، وثاني أكبر دولة أفريقيا من حيث عدد السكان، دولة غير ساحلية.
بين العامين 1998 – 2000
في هذه الفترة خاضت إثيوبيا وإريتريا حربًا دموية راح ضحيّتها نحو 70 ألف شخص.
لا تزال آثار هذه الحرب -التي يرى كثيرون أن سببها هو نزوات النخب الحاكمة في كلا البلدين- عالقة في أذهان الإثيوبيين.
في هذه الأثناء، كان ملس زيناوي بن إمليص رئيساً للحكومة الإثيوبية، وأسياس أفورقي رئيساً لإريتريا.
بعد الحرب، نظرت لجنة حدودية دولية في السبب المباشر للصراع بين البلدين، الذي كان على قطعة صغيرة من الأرض على الحدود بينهما، وقضت بإعطائها لإريتريا.
ولم يتمّ أبداً ترسيم الحدود بين البلدين، إلا أنهما قاما بتطبيع العلاقات بينهما بعد عقدين من حالة اللا حرب واللا سلم.
عام 2005
كان العام 2005 عامًا تاريخيًا، حينما قال الإثيوبيون “لا” لحكومة البلاد آنذاك، التي كانت تقودها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
في هذا العام أجريت ثالث انتخابات برلمانية مُني فيها الحزب الحاكم بخسارة كبيرة.
وبعد الانتخابات، شهدت البلاد أحداثًا عنيفة قُتل فيها مئات المتظاهرين برصاص قوات الأمن، وسُجن ونُفي الآلاف في عموم البلاد.
بين السجناء شخصيات معارضة كبيرة، منهم برهانو نيغا (وزير التربية حاليًا)، وبيرتوكان ميديكسا (رئيسة هيئة الانتخابات الوطنية حاليًا) والأستاذ ميريرا غودينا.
وإثر هذه الأحداث، تحطّمت آمال البلاد بانتقال سلميّ وديمقراطي.
من عام 2018 إلى 2020
عام 2018، تمّت الإطاحة بائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، بعد سنواتٍ متتالية من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد.
وفي أبريل من العام نفسه، تم انتخاب آبي أحمد رئيسًا للوزراء.
عام 2019 كان العام الأكثر أهمية، ففي أغسطس، أنهت إثيوبيا وإريتريا رسميًا قطيعةً استمرّت عقدين من الزمن، وشرعتا في إذابة الجليد الدبلوماسي وتحقيق التعاون السياسيّ والاقتصادي والاجتماعي بينهما.
هذا النجاح الذي حققه آبي أحمد، إلى جانب أدواره الإقليمية في السلام والتعاون في القرن الأفريقي، أكسب القائد الشابّ جائزة “نوبل” للسلام.
وفي ديسمبر من العام نفسه، تم تشكيل حزب حاكم جديد ليحلّ محلّ سلفه ائتلاف “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية”، الذي كان يضمّ 4 أحزاب.
تم حل 3 أحزاب من الائتلاف المكوّن من 4 أحزاب، وانضموا إلى حزب الازدهار الجديد (PP)، بقيادة آبي أحمد.
فيما رفض الحزب الأساسي في الائتلاف، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، حلّ نفسه، واختار الاحتفاظ بوضعه كحزبٍ حاكم في إقليم تيغراي أقصى شمالي البلاد.
عام 2020
في أوائل سبتمبر 2020، أجرى إقليم تيغراي، الذي تحكمه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، انتخاباتٍ، في تحدٍّ للحكومة الفيدرالية.
آنذاك، أعلن المجلس الوطنيّ للانتخابات في إثيوبيا تعليق الانتخابات البرلمانية السادسة للبلاد.
وفي 23 نوفمبر، شنّت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هجمات على قواعد عسكرية للجيش الفيدرالي في إقليم تيغراي، بما في ذلك العاصمة الإقليمية ميكيلي.
بعد يوم واحد، أعلن آبي أحمد عن عملية “لإنفاذ القانون” ضدّ متمرّدي تيغراي الذين خسروا في بداية المعارك عدة شخصيات بارزة، فيما تمّ أسر آخرين ونقلهم إلى أديس أبابا.
عام 2021
في يونيو 2021، عادت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من جديد، وغادر الجيش الإثيوبي إقليم تيغراي، لتبدأ قوات الجبهة بشنّ هجمات على إقليمَي أمهرة وعفر المجاورَين.
وفي أوائل نوفمبر، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية، تقريرًا عن نتائج تحقيقهم المشترك بشأن الوضع في البلاد.
واتهم التقرير القوات الحكومية ومتمرّدي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بارتكاب انتهاكات.
عام 2022
أعلنت الحكومة الإثيوبية، في مارس 2022، هدنةً إنسانية من جانبٍ واحد، ما أتاح نقل كميات كبيرة من الغذاء والدواء والوقود إلى إقليم تيغراي.
وسمحت الهدنة لمبعوث الاتحاد الأفريقي الخاص إلى القرن الأفريقي، الرئيس النيجري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، بالتنقل بين أديس أبابا وميكيلي، الأمر الذي بدا خطوةً تمهيدية قبل بدء محادثات الوساطة الرسمية.
وقالت إثيوبيا: إنها مستعدة للحوار مع المتمردين لكن دون وضع شروط مسبقة، فيما رفض متمرّدو تيغراي وساطة الاتحاد الأفريقي، وقالوا: إنهم يفضلون أن يقود الرئيس الكينيّ المنتهية ولايته مجموعة وساطة دولية تشمل وسطاء من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وفي أغسطس الماضي، استؤنف القتال بين القوات الإثيوبية ومتمرّدي تيغراي على عدة جبهات، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن مسؤولية تجدّد الأعمال القتالية.
وإلى اليوم، الحرب مستمرة، لكن التقارير الواردة من جبهات القتال، تظهر أن المتمردين تكبدوا خسائر فادحة، مع تقدّم الجيش في تيغراي.
بالمقابل، زعم المتمرّدون أن الجيش الإثيوبي تواطأ مع إريتريا، لإطلاق “هجمات واسعة النطاق” ضدّهم.
وفي 25 أغسطس، وردت أنباء صادمة مفادها أن جبهة تيغراي نهبت 570 ألف لتر من الوقود المخصّص للعمليات الإنسانية، من مستودعات برنامج الغذاء العالمي في ميكيلي.