يوماً بعد آخر تزداد الأوضاع المعيشية صعوبة وسوءاً في قطاع غزة نتيجة استمرار الحصار الصهيوني المفروض منذ أكثر من 15 عاماً، هذا الحصار الذي ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة خاصة على القطاع الاقتصادي، وتوقف عجلة الإنتاج نتيجة القيود “الإسرائيلية” المفروضة عليه، أبرزها منع دخول مواد الخام للصناعة، إضافة للحروب المتكررة على القطاع التي تم تدمير مئات الورش من قبل طائرات الاحتلال.
وأمام هذا الوضع المأساوي بغزة انعدمت فرص العمل، الأمر الذي زاد من نسب الفقر والبطالة خاصة بين صفوف الشباب الذين بدؤوا بالبحث عن إيجاد عمل لهم وخلق فرصة يعتاشون منها ويوفرون قوت يومهم وقوت عائلاتهم.
ومن بين المهن التي انتشرت في قطاع غزة، وبدأ العديد من الشباب بالاتجاه لها هي مهنة جمع الخردة من شوارع القطاع كالحديد والألومنيوم والنحاس، حيث ينتشر الشباب في الشوارع والطرقات بحثاً عن هذه الخردة، وبعد جمعها يقومون ببيعها للتجار الذين يعيدون تدويرها وضغطها في آلات متواضعة لتصديرها، لكن عملية التصدير تقف أمامها عوائق كبيرة، أبرزها عدم سماح الاحتلال بالتصدير الدائم ولكن على فترات، ويفرض قيوداً مشددة على تصديرها.
مراسل “المجتمع” في غزة التقى أحد الشباب الذين يعملون في هذه المهنة الشاقة، وهو الشاب محمد أبو طعيمة (23 عاماً)، الذي يقول: إنه بدأ العمل في هذه المهنة منذ 4 سنوات بعد أن أغلقت أمامه كافة الأبواب وهو يبحث عن عمل له، فلم يجد أمامه غيرها، فيخرج من بيته على عربة صغيرة في الساعة السادسة صباحاً ينتقل بها بين الأزقة والبيوت بحثاً عن الخردة، ويستمر العمل حتى منتصف النهار، ثم يعيد الكرة مرة أخرى حتى ساعات المساء.
وأضاف أبو طعيمة: خلال هذه الساعات أقوم بجمع شوال تقريباً، لا يتجاوز وزنه عدة كيلوجرامات أذهب وأبيعها إلى التجار بمبلغ مالي بسيط حيث لا يتجاوز العائد المالي 20 شيكلاً (5 دولارات).
وقال: إن هذا المبلغ لا يكفيني ولا يكفي حتى توفير قوت طفلي وزوجتي، فأنا ساكن في بيت بالإيجار أحتاج 8 دولارات باليوم كأجرة بيت فقط، وأحتاج مصاريف وطعاماً وشراباً، فالمبلغ الذي أعمل به طوال اليوم لا يكفيني، مستدركاً: “لكن ما بيلزك (يدفعك) على المُرّ غير الأمرّ منه.. ما فيش شغل في البلد ما فيش حياة لكن شو بدنا نساوي هي الموجود”.
وأضاف: جمع الخردة ليس بالبسيط، فهو مهنة شاقة أقوم طوال النهار أتنقل في كل محافظات القطاع عشان أجمع كم من كيلو أقوم ببيعهم وأستر بيتي، مؤكداً أنه يتعرض للخطورة أثناء العمل عندما يشاهد قطعة حديدة يقوم بقصها أو الذهاب إلى المناطق الحدودية أبحث بين القمامة على علب المشروبات الغازية أو ما شابه.
في ورشة الخردة
رافقنا محمد إلى مكان تجميع الخردة حيث بضائع مكدسة وأصوات ماكينات مرتفع يقوم بضغط الخردة وإعادة تدويرها، وعدد من العمال يعملون داخل هذا المكان كل منهم له عمل مخصص، منهم من يقوم بفرز الخردة وآخر يقوم بكبسها وآخرون يقومون بوضعها على “المشاطيح” استعداداً لتصديرها.
يقول سليمان، وهو عامل داخل ورشة جمع الخردة: أنا شاب خريج جامعي لكن ما لقيت عملاً، اتجهت لهذا المكان أعمل بالخردة ما بين قص ورفع وكل شيء بالورشة بشتغلوا مقابل 25 شيكلاً، وساعات عمل تتجاوز 10 ساعات.
وأضاف سليمان: “قبل عام تعرضت لإصابة أثناء قص الحديد بالماكينة على إثرها جلست في البيت 3 شهور وبأشتغل ولأنا خائف يصير لي حاجة، لأن لو تعرضت لإصابة حقعد في البيت وما راح ألاقي مصروف أطعم به عيلتي”.
من جانبه، قال هاني بركة، وهو تاجر خردة، “للمجتمع”: إن هذه المهنة لا تحقق عائداً مالياً كبيراً، خاصة أن المستفيد الأكبر منها “إسرائيل”، وهي تتحكم بتصديرها من عدمه، وإن سمحت بالتصدير فهي تقوم بإعادة تدويرها وبيعها كأسياخ حديد وتحقق عائداً اقتصادياً أكبر من الفلسطينيين.
وأضاف بركة لـ”المجتمع” أن هذه المهنة تحقق نتائج بيئة إيجابية أكبر من النتائج المالية، حيث ترحيل كافة الخردة من القطاع إذا استمر الاحتلال بعملية التصدير.
وأشار إلى أن قطاع غزة يجمع أطناناً من الخردة لكنها تتكدس بصورة كبيرة لدى التجار، حيث إن ازدهارها من عدمه مرهون بـ”إسرائيل” التي تتحكم بما يسمح بالتصدير والاستيراد وهي المستفيدة الأكبر من هذه المهنة.
ويفتقر قطاع غزة إلى مصانع مخصصة لصهر الخردة، وإعادة تصنيعها مرة أخرى، لما تحتاجه من طاقة كهربائية وآلات ومعدات غير متوفرة، فيصدرها الاحتلال الذي يقوم بإعادة تدويرها والاستفادة منها أكبر من استفادة الفلسطينيين.