أثار المرسوم الرئاسي في تونس “عدد 55” موجة من الرفض والاستنكار.. ليس بسبب جعل التصويت على الأفراد بدل القائمات، وإنما للشروط التعجيزية والمستحيلة وفق البعض.
فالمرسوم المشار إليه والصادر يوم الخميس 15 سبتمبر 2022م يشترط على المترشح موجز البرنامج الانتخابي مشفوعا بقائمة اسمية تضم أربعمائة تزكية من الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية معرف عليها بإمضاء المزكين لدى ضابط الحالة المدنية، أو لدى الهيئة الفرعية للانتخابات المختصة ترابيا، وذلك وفق المعايير والشروط التي تحددها الهيئة.
ويجب أن يكون نصف المزكين -وفق المرسوم آنف الذكر- من الإناث والنصف الثاني من الذكور، وعلى ألا يقل عدد المزكين من الشباب دون سن الخمس والثلاثين عن 25%، ولا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مترشح واحد..”.
شروط تعجيزية
علاوة على إضافة إلى شروط أخرى مثل البطاقة عدد 3 (عدم ارتكاب جرائم تستوجب عقوبات)، وتسوية الوضعية الجبائية.. وقد يبدو الأمر سهلا للقارئ ولكن هناك إشكاليات عديدة إذا دققنا في الشروط، وعلمنا أن الدوائر الانتخابية ستكون صغيرة (بلدات وقرى)؛ ما يعني أن كل مترشح مطالب بأن يتحصل على تزكية 400 ناخب وناخبة في دائرة ضيقة قد لا يوجد بها هذا العدد ممن يحق لهم المشاركة في الانتخابات.
ثانيا: اشتراط التناصف في التزكية، واشتراط أن يكون رُبع المزكين ممن لا يتجاوز سنهم 35 سنة، من الصعب إيجاده في بعض المحليات ومستحيل في بعضها الآخر لا سيما المحليات الصغيرة المكونة لدائرة انتخابية وفق التقسيم الجديد، خاصة مع اشتراط أنه لا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مترشح واحد.
ثالثا: تلقي التزكية يكون حصرا بين يدي ضابط الحالة المدنية أي في البلديات أو أمام الهيئات الفرعية ولم يذكر الهيئات المحلية للانتخابات.
وليتخيّل المرء عشرة مترشحين عن دائرة لا يوجد بها سوى ألف ساكن مثلا وهم يحتاجون إلى 4000 مزكي نصفهم من النساء وربعهم من الشباب دون 35 سنة.. وهؤلاء المزكون عليهم أن يصطفوا أمام البلدية الوحيدة ليعرفوا بإمضائهم أو يتنقلوا للهيئة الفرعية وفي آجال محدودة زمنيا!
وقد تم التقليص من عدد النواب من 217 في البرلمان المنحل إلى 161 في البرلمان المرتقب منهم 10 نواب عن التونسيين المقيمين بالخارج.
قتل السياسة والقضاء
وفي تعليقه على القانون الانتخابي الجديد قال النائب بالبرلمان والأستاذ الجامعي سالم لبيض إن القانون الانتخابي الجديد يكرس خلفية قتل السياسة والقضاء على الأحزاب السياسية.
وأشار سالم لبيض في تدوين له على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك” مساء الخميس 15 سبتمبر 2022م إلى أن القانون المنقّح قلّص في عدد النواب بإلغاء 56 مقعدا برلمانيا وغيّر التمثيل الشعبي.
ويرى أن القانون الانتخابي الجديد لا يعترف بالنمو الديمغرافي وتطور عدد السكان في تونس، فقد قلّص من عدد النواب بإلغاء 56 مقعدا برلمانيا، وغيّر التمثيل الشعبي من نائب عن كل 60 ألف مواطن (217) إلى نائب عن كل 75 ألف مواطن (161). هدفه الرئيسي -في مفارقة غريبة وفق سالم الأبيض- هو تشكيل برلمان خال من السياسة والسياسيين ومن الأحزاب والمتحزّبين، ومن التعددية والمنافسة بين الأحزاب السياسية والبرامج الانتخابية الوطنية والجهوية. ويناهض القانون الانتماء الوطني للنائب لصالح انتمائه لمجتمعه المحلي (القبائل والعروش) فهو مطالب بوضع برنامج محلي صرف مرفق بـ 400 تزكية معرّف بإمضاءات أصحابها وهو العبث المقنن.
وأعرب البعض عن اعتقاده بأن المواطن الراغب في الدخول إلى برلمان الجمهورية الجديدة متهم قبل الترشح وأثناء الانتخابات وبعد الفوز بمقعد برلماني وفق ترسانة الفصول الزجرية الواردة في نص المرسوم. من ميزات هذا القانون تغذية وإحياء القبيلة في الدوائر المتعددة والعروشية (العرش) في دوائر المعتمدية الواحدة (البلدة).
ورأى أن التزكية ستشكّل “ميركاتو” حقيقيا لمن يدفع أكثر، وأصحاب المال مهما كان مصدره سيكونون أكبر المستفيدين، فقد حقق لهم القانون الانتخابي أحلامهم في انتخابات على الأفراد بدلا عن تشكيل القائمات وأوجاع الانتماءات الحزبية وتزكية الحزب والمنافسة داخله للفوز بتلك التزكية ورئاسة القائمة، وإرضاء من لا حظوظ لهم في القوائم المستقلّة، هذا علاوة على أن الترشح الفردي سيفجر الأحزاب من داخلها، وسيقضي على تماسكها وسيطرتها على مناضليها.
كما أن سحب الوكالة من النائب مدخل للانتقام وتصفية الحسابات وفتح أبواب الانتخابات الجزئية بصفة مستمرّة. أما هيئة الانتخابات فهي صاحبة القول الفصل في دخول البرلمان والخروج منه وهي سيف الرئيس المسلّط وأداة أجهزته في فرز من يستحق صفة نائب ومن لا يستحق. وسيؤدي المرسوم الانتخابي إلى برلمان بدون كتل برلمانية مقسّم، لا جامع بين نوابه، ولا برامج وطنية لهم، ستسقط فيه القوانين تباعا، وأول ضحاياه سيكون نظام قيّس سعيد نفسه الذي وضع نصا على مقاسه، لم يشاركه تصميمه أي كان من أهل السياسة وعلمائها والنخب القانونية والفكرية، ودون نقاش من أهل الحلّ والعقد المعنيين بالترشح وناخبيهم، أو دراسة عميقة للمؤسسة البرلمانية وتجربتها الوطنية وتجاربها المقارنة، ومما كُتب حولها في الداخل والخارج.
ويرى البعض أن القانون الانتخابي هو انعكاس لمقاربة الرئيس التي تقوم على المركزية المفرطة والاستفراد بالحكم، وتهميش كل المؤسسات التي قد تنافسه في ممارسة السلطة وقيادة الرأي العام وتولي شؤونه؛ فيجب ألا يكون البرلمان القادم أكثر من وسيلة تزكية للقوانين التي يرسل بها الرئيس للتصويت عليها قبل نشرها بـالرائد الرسمي التونسي لإضفاء الشرعية على نظام حكمه وتلميع صورته في الخارج. كما يرون أنه قانون السير إلى الوراء والتراجع عن المكتسبات ونسف نضالات النخب الوطنية منذ أن تأسست حركة الشباب التونسي سنة 1907م وإلى اليوم، وهو مثال للهدر السياسي المنظم قبل عودة الوعي والعقل والحكمة لرأس الدولة ومن يتولى شأنها.
تدمير لكل مكاسب الثورة
إلى ذلك قال نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري إن مرسوم القانون الانتخابي الجديد فردي ومشروع تدميري لكل مكاسب الثورة والدولة المدنية.
وأشار البحيري في حوار مع إذاعة “ديوان إف إم” الجمعة 16 سبتمبر 2022 م إلى أن هذا القانون صادر عمن ليس له صفة، وهو أيضا استكمال لانقلاب 25 يوليو وتخريب الدولة الوطنية لتكريس الحكم الفردي.
وأوضح البحيري أن هذا القانون الانتخابي الجديد أكد عدم إرادة سعيد في إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة بتغيير هيئة الانتخابات وتعويضها بهيئة غير مستقلة، كما ضرب حق العديد من المواطنين في الترشح والتصويت وإلغاء مكسب ومبدأ حق التناصف.
من جهته أكد أمين عام “حزب العمال” في تونس حمة الهمامي مقاطعة حزبه الانتخابات البرلمانية القادمة، على غرار استفتاء 25 يوليو الماضي.
وانتقد الهمامي في تصريح تلفزيوني مساء يوم الخميس 15 سبتمبر، نظام الانتخابات الجديد معتبرا أنه مواصلة لمشروع قيس سعيد إبعاد الأحزاب.. وأن نظام الانتخاب على الأفراد سيفرز رؤوس الأموال والمهربين، وأكد على رفضه لهذا القانون والوقوف ضده.
ونسج الطيف المعارض في تونس على نفس المنوال في حين صمت الموالاة صمت القبور.