نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) تحليلا أكد فيه أن الاندلاع السريع للاحتجاجات في إيران إلى يشير غضب شعبي متزايد من القيود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد، ما يهدد استقرار الحكومة ويؤثر على سياسة طهران الخارجية.
وتتواصل المظاهرات في إيران احتجاجا على وفاة مهسا أميني، الشابة الإيرانية التي تبلغ من العمر 22 عامًا، والتي تم اعتقالها وضربها من قبل شرطة الآداب لارتدائها الحجاب بشكل غير صحيح.
ومنذ اندلاع المظاهرات في أعقاب جنازة أميني في 17 سبتمبر/أيلول، كانت هي الأكبر في إيران وقد عمت شمال غربي إقليم كردستان (حيث كانت تسكن “أميني”) وفي العاصمة طهران (حيث تم اعتقالها وقتلها)، كما يقول التحليل ـ فيما تنفي السلطات الإيرانية ذلك. لكن المسيرات بدأت أيضًا في الظهور في مدن رئيسية أخرى، بما في ذلك شيراز.
وأمام هذه الاضطرابات التي تعد أسوأ ما تشهده إيران منذ سنوات، قلصت الحكومة الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، كما فرضت السلطات قيودًا شديدة على الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة.
وبحسب التحليل ففي حين أن هذه الاحتجاجات من المرجح أن تظل متفرقة ومحلية، فإن الظروف الاقتصادية المتدهورة في إيران توفر أرضًا خصبة لمزيد من المظاهرات المناهضة للحكومة.
ويشير التحليل أن الحكومة الإيرانية تحتفظ برقابة مشددة على تدفق المعلومات عبر الإنترنت وشبكات الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي، ما يساعد السلطات على منع تصاعد بعض الاحتجاجات من خلال عزل الإيرانيين الذين قد يرغبون في المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك قوات الأمن الإيرانية ما يكفي من القوة البشرية والمعدات لتفريق معظم الاحتجاجات.
وبحسبه فمن الملاحظ في إيران أنه غالبًا ما تثير الاحتجاجات على قضية واحدة (في هذه الحالة وحشية الشرطة والقيود الاجتماعية على المرأة) الغضب بشأن قضايا أخرى مثل المظالم الاقتصادية.
ويذكر أنه في الوقت الذي تتعامل فيه إيران مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، من المرجح أن تطفو على السطح المزيد من الاحتجاجات المتفرقة على المدى القريب وتؤدي إلى اضطرابات في النقل والتجارة. ولا يزال من غير المحتمل أن تنفذ الحكومة الإيرانية المحافظة الحالية إصلاحات اجتماعية، ما يضمن أن تظل هذه القضية شرارة لاضطرابات متفرقة حتى بعد انحسار الموجة الحالية.
ويشير إلى أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي من محافظين، كثير منهم لديهم وجهات نظر متشددة بشأن قضايا الأمن الاجتماعي والاقتصادي والوطني. ولم يعرب رئيسي ولا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن أي مرونة بشأن القيود التي تفرضها البلاد على المرأة والمتجذرة في الأيديولوجية التي يستمد القادة الإيرانيون سلطتهم منها.
وبحسبه فلتهدئة المحتجين الغاضبين، من المرجح أن تسعى الحكومة الحالية في طهران إلى إصلاحات سطحية تتعلق بوحشية الشرطة، بدلاً من الانخراط في إصلاحات اجتماعية أعمق (مثل تخفيف قيود قواعد اللباس على النساء).
لكنه يشدد على أنه في حين أن مثل هذه الإجراءات التي تتعلق بشرطة الآداب قد تساعد في تخفيف الموجة الحالية من الاضطرابات، فإن الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في الأيام الأخيرة أظهرت أن العديد من الإيرانيين لا يتفقون مع الأيديولوجية التي تفرضها السلطات الإيرانية.
ويبدو أن تكتيكات المتظاهرين للتهرب من الاعتقال والهروب من تقنيات الشرطة للسيطرة على الحشود تتطور أيضًا، ما يطرح سؤالًا عما إذا كانت إيران دخلت عصرًا جديدًا وأكثر جرأة ضد قوات الأمن، مدفوعة بآفاق جيل الشباب المتغيرة.
وبحسبه فمع عدم حل المحرك الأساسي للمظاهرات الحالية بشأن وفاة أميني، يمكن أن تتفاقم الاضطرابات المتفرقة من حيث النطاق والحجم على مدى السنوات المقبلة، حيث إن الشباب الإيرانيين الذين يعيشون في بلد يحكمه نظام ديني صارم والذين لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات الخارجية أكثر من الأجيال السابقة من الإيرانيين، يواصلون تحدي القيم المحافظة لحكومتهم.
ويرى المركز أنه مع تصاعد الاضطرابات في الداخل، ستكون إيران أكثر حذرًا من الظهور بمظهر ضعيف في الخارج، ما قد يعيق تقدمًا في المحادثات النووية المتوقفة.
وبحسبه ففي الواقع، فإن خطر تصاعد الاضطرابات الداخلية يضع الحكومة الإيرانية في موقف ضعيف محليًا وخارجيًا، ما سيؤدي على الأرجح إلى مبادرات خارجية لإظهار القوة أو الدفاع عن صورة إيران.
في هذا السياق، ستكون إيران أكثر ترددًا في أن يُنظر إليها على أنها تستسلم لأي مطالب خارجية، لا سيما تلك التي تنطوي على قضايا حساسة بشكل خاص (مثل برنامج إيران النووي).
ويخلص إلى أن الموجة الحالية من الاحتجاجات في إيران قد تنحسر أو وربما تطول لفترة أطول، فمن المرجح أن تظهر إيران موقفا أكثر تشددا في الخارج ما يهدد بتزايد التوتر الإقليمي.