لعل الكثير يستغرب عن السبب الذي يجعل مرابطات المسجد الأقصى يعملن على إعداد أكلة المقلوبة، وقلبها على أبوابه، وهذا الفعل يغيظ جنود الاحتلال “الإسرائيلي” كثيراً، وقد تعرضت المرابطات للكثير من الاعتداء والمحاولات المتكررة لمنعهن من ذلك.
هذا الاستغراب سيزول حينما يتم معرفة أن أكلة المقلوبة ليست مجردة طعام؛ بل هي إشارة للنصر وفتح بيت المقدس والاستبشار بذلك.
الطعام المقاوم
ومن المرابطات اللاتي اشتهرن بإعداد المقلوبة هنادي الحلواني، وخديجة خويص، وغيرهما من المرابطات اللاتي كن يفترشن الأرض المقدسة القريبة من بوابة المسجد الأقصى ويقمن على قلبها أمام أنظار الاحتلال “الإسرائيلي” حينما يمنعهن الاحتلال من دخول “الأقصى”، حيث كانت حكاية البداية بالمقاومة من خلال المقلوبة عند باب السلسلة، أحد أبواب المسجد “الأقصى”، حينما أصدر الاحتلال قراراً بإبعاد هنادي من دخوله فقررت الرباط على بابه مع المرابطات بطريقتها.
والجميل أن هنادي كانت تقهر الاحتلال بهذا الفعل، خاصة أنها حينما اعتقلت في سجونه الظالمة عملت على إعدادها؛ الأمر الذي جعل جندي الاحتلال يقول لها بغضب شديد: “أنت في الأقصى “بتطبخيها” وعلى باب الأقصى “بتطبيخها” وكمان بالسجن بتطبخيها؟!”.
فهي ترى بأن أكلة المقلوبة من الموطئ الذي يغيظ الكفار؛ لما لها من رمزية تحدٍّ وثبات وصمود فلسطيني.
الجاليات الفلسطينية
ولذلك تجد لأكلة المقلوبة طعماً مُختلفاً ليس لأنها لذيذة المذاق وجميلة الشكل وكثيرة الفائدة لمُكوناتها المُتنوعة فحسب؛ بل لأنها نوع من أنواع الرباط المقدسي.
ولا تجد بيتاً فلسطينياً إلا ويكون في داخله اجتماع عائلي على حبها، لا يقتصر طهيها في فلسطين؛ بل تناقلتها الجاليات الفلسطينية إلى العديد من الدول ليس العربية فحسب؛ بل الأجنبية كذلك، الأمر الذي زاد من شهرتها ونقلها للدول الأخرى.
ولقد اشتهر الفلسطينيون بإعدادها منذ زمن بعيد جداً، وتناقلت طريقة طهيها من أيدي الجدات إلى الحفيدات؛ الأمر الذي ساعد في المحافظة على تواجدها.
وكانت تشتهر باسم الباذنجانية؛ نظراً إلى احتوائها على نسبة كبيرة من الباذنجان الذي يزيدها طعماً من اللذة.
فتح بيت المقدس
ومن الروايات المشهورة أنه حينما حرر القائد صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس، شهدت المدينة احتفالاً بهذا النصر؛ فأعد أهل القدس أكلة المقلوبة للقائد الأيوبي وجنوده فأعجبته كثيراً الأمر الذي جعله يسأل عن اسمها وهو يصفها بالمقلوبة نظراً لأنه بعد إعدادها تقلب في صواني التقديم، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تسمى أكلة المقلوبة.
وهذا الذي يجعل المرابطات في المسجد الأقصى وعلى أبوابه يصنعن طعام المقلوبة، فهي إشارة واضحة للمحتل بتحرير المسجد الأقصى وكل يوم يحتفل بهذا النصر الذي بات قريباً بإذن الله تعالى.
جزء من التراث
وتعتبر أكلة المقلوبة من التراث الفلسطيني الأصيل الذي حاول الاحتلال سرقته ونسبه إليه، إلا أن محاولاته تنتهي بالفشل، فهذه الأكلة يتمسك الفلسطينيون بإعدادها وتعلمها من جيل لجيل.
وتتكون المقلوبة من الأرز والباذنجان والطماطم والبصل واللحم أو الدجاج، وهنالك من يضيف لها البطاطا والقرنبيط والجزر وغيرها من الخضار، فيتم وضع كمية قليلة من الأرز في قاع القدر، وبعد ذلك يتم ترتيب المكونات بعد قلي الخضار ثم تتبعها وضع كمية الأرز والبهارات وتسكب عليها مرقة اللحم وتوضع على النار وبعد أن تكون جاهزة يتم قلبها على صينية وتكون شكلها أشبه بالقلعة.
حب الوطن والرباط في المسجد الأقصى جعل الفلسطينيين يبتكرون كل يوم نوعاً جديداً من أنواع مقاومة المحتل فيجعلون من طعامهم حكاية للنصر، وتذكيراً بفتح بيت المقدس.