نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعدته مراسلة شؤون الأمن القومي والاستخبارات آمي ماكينون، قالت فيه إن “طباخ بوتين” خرج من الظل، مشيرة إلى يفغيني بريغوجين، الذي يقف وراء شركة التعهدات الأمنية المعروفة باسم “فاغنر”.
فبعد نفيه المتكرر، اعترف بريغوجين الحليف المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي، أنه من أنشأ فاغنر، التي نشرت مرتزقتها حول العالم وفي أوكرانيا. وكان الاعتراف بمثابة التراجع من رجل رفع دعوى قضائية ضد صحافي ربطه بالمجموعة المتهمة بانتهاكات حقوق إنسان وجرائم في سوريا وإفريقيا وأوكرانيا.
وتأتي جهود رجل الأعمال لتلميع صورته كقائد وسط تعرض بوتين لضغوط واسعة من أنصاره بعد تراجع معنويات القوات الروسية وتراجعها عن مناطق سيطرت عليها في أوكرانيا. وجاءت الهزيمة الأخيرة للقوات الروسية في خيرسون جنوبي أوكرانيا، لتهدد بمحاصرة آلا الجنود الروس المسلحين بشكل فقير. وقال المحقق الاستقصائي خريستو غوزينوف، في موقع بيلينغكات: “أخبرني الفاغنريون أنهم سيصوتون له (بريغوجين) ويفضلونه على بوتين في أي وقت. ويبدو أنه اشتم رائحة الدم”.
وفي منشور على “في كي” وهي شبكة تواصل من بريغوجين، قال إنه أنشأ فاغنر عام 2014 في الأيام الأولى بعد الحرب في شرق أوكرانيا. وكتب: “أنا نفسي من نظف الأسلحة القديمة وبحث عن الستر الواقية”، ومن “تلك اللحظة ولدت مجموعة من الوطنيين”.
وكان بريغوجين المدان بجريمة، قد تحول إلى رجل أعمال ومزوّد للوجبات، وهو من نفس المدينة التي وُلد ونشأ فيها بوتين، سانت بطرسبرغ. وعمل كمرتّب لنشاطات بوتين وصار يعرف بـ”طاهي بوتين”، وأظهر استعدادا لكي يقوم بالأعمال القذرة للكرملين، وموّل خططا إبداعية وخبيثة لتوسيع أهداف الكرملين الجيوسياسية، وسمح للمسؤولين الروس بنفي أي علاقة بهذه النشاطات.
وتم توثيق دوره في إنشاء “مصنع الذباب الإلكتروني” الذي حاول من خلاله التأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، وتمويل شركة فاغنر. وتم فرض عقوبات غربية عليه، ولكن بريغوجين ابتعد عن الأضواء حتى الآن.
وأدى خروجه من الظل للكثير من التكهنات حول طموحه بموقع رسمي واستثمار الفوضى وحالة الغموض التي خلقتها الحرب. وفي نهاية الأسبوع، حيث سيطرت القوات الأوكرانية على مدينة ليمان المهمة في إقليم دونستيك، اتخذ بريغوجين خطوة غير عادية، ووقف مع الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، وانتقد أداء الجيش الروسي في الحرب، وضخّم التلفاز الروسي من تعليقاته.
وفي أيلول/ سبتمبر، ظهر فيديو على منصات التواصل تأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” من صحته، ظهر فيه بريغوجين وهو يمشي في ساحة سجن ويتحدث عن شروط التجنيد أمام نزلاء السجن الذي تحلقوا حوله ووعدهم بشطب مدد سجنهم لو قاموا بالخدمة مع القوات الروسية لمدة ستة أشهر. وأن مَن يقتل منهم في الحرب، فستنظم له جنازة بطل.
وفي الماضي، اعتمدت فاغنر على تطبيق “تيليغرام” لنشر الأخبار حول التجنيد. وفي الصيف، ظهرت يافطات ودعايات لـ”أوركسترا دبليو” في مدن وبلدات حول روسيا، كجزء من جهود التجنيد، في وقت تم الثناء على المرتزقة في لقطات بالتلفزيون الروسي الذي تسيطر عليه الدولة.
وقال أندراس توث- زيفيرا، المحلل البارز في شركة “فلاشبوينت إنتجلنس” إن “أهم شيء بشأن مجموعة فاغنر في سياق الغزو الحالي، هو كيفية خروجهم من الظل”. وتقول ماكينون إن استخدام السجون لتجنيد المقاتلين، هزّ ما تبقى من نفي ظاهر حول العلاقة بين المرتزقة والحكومة الروسية. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي المظلمة والقومية، وظهرت ثقافة هامشية حول جماعة فاغنر بتشكيلة من الرموز “الميمز”.
وتستخدم المطرقة كرمز للتجنيد، في إشارة إلى رجل سوري ضربه مقاتلون تابعون لفاغنر حتى الموت بمطرقة ثقيلة. وهي ماركة كان بريغوجين مستعدا لاستخدامها وموّل ثلاثة أفلام حول أعمال المرتزقة البطولية في إفريقيا، وهناك فيلم رابع أنُتج بمشاركة بريغوجين عن أعمال فاغنر في أوكرانيا، وباسم “أحسن ما في جهنم” وسيتم بثه على الإنترنت هذا الشهر.
من جانبه حاول بريغوجين موضعة نفسه كقائد متبختر في سلسلة من الفيديوهات المسربة، وتظهره وهو يقفز من مروحية عسكرية، أثناء زيارة له إلى مركز تجنيد لفاغنر. وفي أيلول/ سبتمبر، شارك في جنازة قائد بفاغنر قُتل في أوكرانيا، وسُجي الكفن محاطا بالورود في قاعة النصر بمتحف معركة ستالينغراد بمدينة فولغوغراد الروسية، حيث ظهر بريغوجين وهو يستقبل المعزين في معطفه “البيج” غير العسكري.
وتبدو الجنازة محاولة منه للتأكيد على الطريقة الكريمة التي عامل فيها جنوده مقارنة مع طريقة الكرملين الذي ترك جثث الجنود مرمية، والمقاتلين الروس محاصرين. ويبدو أن حملة التجنيد التي تقوم بها فاغنر قد أتت أكلها في ظل الفوضى التي رافقت عمليات تجميع مئات الآلاف من المجندين للمشاركة في الحرب بأوكرانيا.
ويقول أندريه سولداتوف، الصحافي الروسي المتخصص بالخدمات الأمنية الروسية: “بعض الناس يعتقدون أنه من الأفضل الانضمام إلى فاغنر عوضا عن التجنيد في وحدات روسية متواضعة المستوى، فأنت ستحصل على الأقل على سلاح مناسب”. وأضاف أن “آلة العلافات العامة لفاغنر كانت ناجحة جدا في حماية صورة بريغوجين، وأنه يهتم بمن يعملون معه”.
ويبدو أن هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، فهناك الكثير من الغموض الذي يحيط بفاغنر وعملياتها. ولكن الأدلة التي جمعت من الهاربين ومن وزارة الدفاع البريطانية، تشير إلى أن المجندين مع الشركة يُلقى بهم في أتون المعركة بدون أي تدريب ومعدات مناسبة، مما يقلص من فاعليتهم القتالية. وقال أحد السجناء في سجن بريانسك الذي زاره بريغوجين، إن رجل الأعمال حذّر من أن 80% من المجندين لن يعودا أحياء من ساحة المعركة.
ورغم جعله نفسه أداة لا يمكن الاستغناء عنها للرئيس الروسي، إلا أنه غير محبوب داخل القيادة العسكرية والخدمات الاستخباراتية. وقالت إيرينا بروغان، الصحافية الروسية الاستقصائية: “لا أحد يحبه لأنه ليس جزءا أصيلا في الخدمات الأمنية والعسكرية، والجميع يعرفون أن لديه خلفية جنائية”.
وربما نُظر إليه نظرة شك داخل صفوف الجيش والأمن، إلا أن مصيره مرتبط بالرئيس الروسي الذي منحه أعلى وسام في البلد “بطل الفدرالية الروسية” بطريقة سرية هذا الصيف.