مع دخول الاحتجاجات في إيران أسبوعها الثالث، تتفاوت الآراء حول حجم مشاركة “الشباب الأصغر سنا” والأسباب التي دفعتهم لهذه الاحتجاجات ومدى تأثيرهم فيها.
ويقول شهود عيان إن مشاركة الشباب دون عمر الـ25 عاما في الاحتجاجات الأخيرة تفوق مشاركة غيرهم من الفئات العمرية الأخرى، وربما هذا ما جعل التذكير بحضور جيل الشباب في المناسبات الرسمية يتصدر تصريحات السياسيين في هذا الشأن، فضلا عن إجماعهم على وصف المحتجين بـ”المتمردين” والاحتجاجات بـ”أعمال شغب”.
وفي هذا الإطار، قال وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي إن الشباب كان حاضرا خلال العقود الأربعة الأخيرة في ردع “الجماعات الإرهابية والانفصالية”.
من جانب آخر، يرى سياسيون إيرانيون أن الحجاب وقضية وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق والآداب في طهران ليسا السبب وراء اندلاع الاحتجاجات، مؤكدين على “تخطيط ودعم أجنبي لما يحدث”.
وفي المقابل، يشير علماء اجتماع إيرانيون إلى أن قضية وفاة مهسا أميني فجّرت تذمرا متراكما لدى الشباب الإيراني.
وفي هذا الشأن، أوضح عالم الاجتماع والأستاذ الجامعي عبد الرضا نَوّاح أنه لا يمكن تقييد الجيل الجديد بأيديولوجية محددة، وأرجع ذلك -في حديثه للجزيرة نت- لتغلغل العولمة لدى الجيل الجديد، مضيفا أن التغيير لدى جيل الشباب ليس محصورا في قضية الحجاب، بل إنه يشكل زوايا أخرى من حياة الشباب.
وعلل نوّاح الحضور اللافت للشباب في هذه الاحتجاجات مقارنة بالمرات السابقة بانتشار جائحة كورونا آنذاك، والتي تسببت في تعطيل الحضور بالجامعات والمدارس، حيث لبث الشباب في منازلهم أكثر من ذي قبل، وهو ما ساهم في تواجدهم على منصات التواصل الاجتماعي وتواصلهم مع العالم بشكل أوسع، لذا فقد باتوا يطالبون بفردية وحرية أوسع، وفق قوله.
احتجاج بالحجاب
يتساءل كثيرون عمّا إذا كانت الفتيات المعترضات في إيران يرفضن فكرة الحجاب أم يرفض فرضه عليهن؟
وفي هذا الصدد، أشار عالم الاجتماع الإيراني إلى مشاركة نساء يرتدين الحجاب -بالطريقة التي تطلبها شرطة الأخلاق- في الاحتجاجات، مؤكدا أن الإيرانيات يطالبن بالحرية في ارتداء الحجاب أو التخلي عنه.
من جانبه، قال المحلل السياسي أحمد زيدآبادي إن “الشباب غير مطلعين على الإسلام وقوانينه التي يقول النظام السياسي الحاكم في إيران إنه يستند إليها”، ويضيف أن “هذا الجيل انتفض ضد القوانين والواقع الذي يتعارض مع حقه في اختيار أسلوبه الخاص للحياة ولباسه وعلاقاته”.
مسؤولية التعليم
وبناءً على أن جيل الشباب تلقى التعليم بمناهج الجمهورية الإسلامية، على عكس الجيل السابق الذي تعلم في “نظام الشاهنشاه”؛ يرى الباحث السياسي عباس عبدي أن النظام التعليمي في الجمهورية الإسلامية “فاشل”.
وقال عبدي إن “النظام التعليمي في إيران يحاول أن يصنع مجتمعا متدينا، بينما ابتعد الجيل الجديد عن الدين بسبب هذا النظام التعليمي”.
وأشار إلى حديث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مؤتمر تطور التعليم لدى الأمم المتحدة، حول رفض بلاده وثيقة اليونسكو لـ”خطة التنمية المستدامة لعام 2030″، وقال عبدي إن إيران لم تقدم بديلا لهذه الوثيقة، مطالبا الجهات المعنية بتقديم شرح لسياستهم التعليمية والتربوية بواقعية وجزئية بدلا من الكلام الكلي.
من جانبه، اعتبر عبد الرضا نوّاح -في حديثه للجزيرة نت- أن ما وصفه بـ”النظام التعليمي الأيديولوجي” في إيران منغلق، في حين يمتلك طلاب اليوم رؤية أبعد من المنهاج التعليمي.
وفي السياق، قال نوّاح إن “السلطات تقدم تعريفا خاطئا لفكرة الاكتفاء الذاتي، وتريد جعل البلد مثل جزيرة منقطعة عن العالم، وهذا غير ممكن”، مؤكدا على ضرورة تقليص هيمنة الأيديولوجية الحاكمة على التعليم.
مواجهة الاحتجاجات
ومن الناحية السياسية، يرى المحلل السياسي أحمد زيدآبادي أن الاحتجاجات في إيران عبارة عن “تمرد جيل الشباب المنقطع عن السلطات الرسمية”، وأن هؤلاء الشباب يرون أنفسهم غرباء عن النظام السياسي، والعكس أيضا صحيح.
وتابع -في حديثه للجزيرة نت- أنه “إضافة إلى غياب سبل الارتباط بين فئتين غريبتين، فإن هذه الحركة الشبابية لا تمتلك قيادة، لذا فإن من الصعب التفاوض معها”.
وحول كيفية تعامل السلطات مع المحتجين، حذّر زيدآبادي من تجاهل مطالبهم، مؤكدا أنه إذا لم يتم احتواؤها فستتحول إلى تهديد. وفي هذا الإطار، اعتبر التجاوب من قبل السلطات مع المحتجين أفضل طريقة لحفظ الأمن والاستقرار في المجتمع.
وفيما يخص معالجة الأسباب من قبل السلطات وعدم تكرار هذه الاعتراضات، قال زيدآبادي إنه “على السلطات في إيران أن تعيد النظر في أداء الحكومة وواجباتها”، كما أكد في هذا الإطار على “ضرورة استعادة ثقة الشعب للمشاركة في القضايا السياسية والاجتماعية، مع مراعاة المساواة ودون التدخل في خصوصيتهم”.
وبدوره، شدد عالم الاجتماع علي رضا شريفي على ضرورة الاعتراف بأساليب الحياة المختلفة، منتقدا “فرض أسلوب حياة معين على مجتمع يضم فئة كبيرة رافضة للقراءة الحاكمة من الحياة”.
من جهة أخرى، أكد شريفي على “ضرورة احتواء الشباب من قبل السلطات في مثل هذه الحالات، بدلا من قطع الإنترنت، أو وصف بعض المسؤولين للمحتجين بأنهم عملاء أجانب، ومطالبة بعض التيارات المقربة من السلطات بمواجهة المحتجين بحسم”، معتبرا هذا الأسلوب مثيرا لغضب الشباب.
وفي المقابل، يثني التيار الفكري المحافظ المقرب من الحكومة الإيرانية على طريقة مواجهة السلطات مع المعارضة، حيث اعتبر المحلل السياسي عبد الله متوليان -في مقال بصحيفة “جوان”- أن ما يحدث في إيران ناتج عن استغلال الشباب من قبل جهات في الداخل والخارج معادية للثورة، وفق تعبيره، واصفا الاحتجاجات بـ”الفتنة”.