دائماً يقولون: لا تعرف مقدار شخص إلا بعد فقْده؛ إما برحيله إن كان يعيش معك، وإما بوفاته ومغادرته الدنيا الفانية، والأمة الإسلامية فقدت عَلَماً من أعلامها الكبار، وعالماً من علمائها المصلحين الإمام المجدّد د. يوسف القرضاوي.
وكان لفقيد الأمة عدة زيارات لدولة الكويت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفي أثناء قدومه للكويت كان يحرص على إلقاء المحاضرات في جمعية الإصلاح الاجتماعي وغيرها، وكانت تجمعه، رحمه الله تعالى، صداقات وعلاقات أخوية بكبار الأعلام الكويتيين، من أمثال العم عبدالله العلي المطوع، يرحمه الله تعالى.
وللإمام القرضاوي العديد من المبادرات والأفكار الشرعية والخيرية الرائدة؛ فهو مَنْ أطلق نداء «ادفع دولاراً تُنقذ مسلماً»، وكان الهدف جمع الأموال لإنقاذ المسلمين المنكوبين حول العالم، وكان ذلك في مؤتمر بالكويت، وتقدم بهذا المشروع إلى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، الذي تلقاه باهتمام بالغ، وأصدر مرسوماً أميرياً، بتاريخ 3 فبراير 1987م، بإنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومقرها الدائم في الكويت، وكان مقترح الإمام القرضاوي هو النظام الأساسي للهيئة، وأصبح الشيخ أحد أعضاء المؤسسة الخيرية العظيمة التي أصبح لها شأن في أوساط العمل الخيري على المستوى الدولي.
وعندما تعرضت الكويت للغزو العراقي الغاشم، في عام 1990م، جاء الوفاء من أهله، وكان منهم الإمام القرضاوي؛ حيث خطب خطبة عصماء تحدث فيها عن حرمة ترويع المسلمين، وبيَّن أن الاعتداء على الكويت كان مبيتاً بليل، ومما قاله: «إن صدام حسين ضرب «إسرائيل» وأعداء الإسلام بالكلام، بينما وجَّه البندقية إلى أهل الكويت!»، ووصف الغزو بـ «الجاهلية الأولى»، وذكر في خطبته العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدين من يعتدي على أخيه المسلم، وشرح الحديث الشريف: «من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي..»، وقال: هذا بمجرد الإشارة بالسلاح، فكيف إذا دخلت عليه واحتللت أرضه وغزوته في عقر داره؟! فهذا أمر يرفضه الإسلام والشرائع الدولية والأخلاق وقيم العروبة وأعرافها حتى في الجاهلية.
وقد سمى الإمام القرضاوي الغزو العراقي بـ«المصيبة والكارثة»، وبيَّن أن المستفيد الوحيد من هذا الغزو هم اليهود وأعداء الإسلام.
وبعد رحلة طويلة من العطاء العلمي والدعوي والخيري لقي الإمام القرضاوي، رحمه الله، ربه، يوم الإثنين 30 صفر 1444هـ/ 26 سبتمبر 2022م في الدوحة، عن عمر ناهز 96 عاماً، وقد تفاعل الكويتيون مع وفاته بما يليق مع عالم مثله؛ حيث ذهب وفد من الكويت للمشاركة في تشييع جثمانه، كما نعاه كويتيون آخرون معدِّدين مآثره.
ونختم بما رثاه به الشيخ الكويتي حامد العلي:
قالوا قد مات الإمام وما دروا قد مات قطب في المجرة زاهر
قولوا ليوسف بعد موتك أظلمت دنيا العلوم وغاص بحر زاخر