احتدم الجدل في المغرب من جديد حول “استهداف قيم المغاربة وثوابتهم الدينية والوطنية” من خلال الظهور المتكرر في الفضاء العام لنماذج تروج “للقيم الهابطة” والنزول بالحس الفني والهوية الثقافية إلى القاع.
وأصبحت التفاهة والابتذال والتسطيح والانحلال، كما يرى ذلك خبراء ومثقفون، واقعا فوق الواقع يضرب بقوة في المجتمع ويحاول اجتثاث جذوره بإصرار لا مثيل له، دون أن يلقى غير مقاومة هنا وهناك ترفع الصوت خافتا للتحذير من الموجة التي يمكن أن تأتي على الأخضر واليابس.
ويؤكد هؤلاء أن هذا الانحلال المغطى باسم “الفن” تحول إلى قيمة تجد في المسؤولين الحكوميين في المغرب من يمجدها بل ويرعاها كما حدث أخيرا مع أحد “المغنين” الذي يتباهى بتناول المخدرات في مهرجان من تمويل وزارة الثقافة وبدفاع من الوزير نفسه، الهدف من ذلك هو التأثير على المواطن وجعله فارغا تلعب به الرياح من كل جانب.
ولم يقتصر الأمر على مهرجانات تقام في الفضاء العام وتتصدرها الشخصيات التافهة تحت مسمى الترفيه، بل تسربت هذه النماذج إلى وسائل الإعلام العمومية، التي تقدم بين الفينة والأخرى إيحاءات جنسية دون حياء، ودون تدخل من الجهات الرسمية التي تردع مثل هذه السلوكيات، في مقابل التضييق على المحتوى الهادف والمتزن التي يسمو بالذوق العام.
حملة ممنهجة
تبرز الناشطة الحقوقية الخبيرة في شؤون المرأة والأسرة ماجدة بنعربية في تصريح ل”المجتمع” أن حملة استهداف القيم والفطرة السوية ليست محلية فقط بل هي حملة عالمية تستهدف تحويل الإنسان وإخراجه من الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلى سلوك البهيمية والاستهلاكية العمياء، استهلاك كل ما يتم الترويج له من طرف أصحاب النفوذ الإعلامي والسطوة المالية وسلطة احتكار المعلومة.
وتشير إلى أن ظاهرة التدني المتسارع لمنظومة القيم لم يعد من الصعب رصدها في مجتمعنا للأسف الشديد، إذ يكفي أن تلقي نظرة على الشارع العام ومن خلال ما يبث سواء في الإعلام الرسمي أو غير الرسمي وبالخصوص من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم نشر التفاهة وإفساد الذوق العام للمغاربة والتطبيع مع الانحلال الأخلاقي، إذ هذه الموجة من الترويج للتفسخ القيمي والأخلاقي تستهدف الإنسان بصفة عامة والأسرة بصفة خاصة.
من جانبها ترجع الباحثة في قضايا الأسرة والتربية، صالحة بولقجام ل”المجتمع” هذا الاستهداف إلى الحملات الاستعمارية التي حاولت تقويض القيم الدينية والثقافية للمجتمعات الإسلامية، مبرزة أن بالرغم من رحيل الاستعمار العسكري إلا أنه تأثيره الثقافي بقي مستمرا وزاد الأمر قوة مع مشروع العولمة الهادفة إلى تنميط المجتمعات
وتبرز المتحدثة ذاتها أن ما يحدث الآن من استهداف قيم المغاربة من خلال إبراز نماذج فنية منحرفة ليس محض صدفة وإنما هي استراتيجية محكمة وراءها خبراء في حقول العلوم الإنسانية مدعمة بمؤسسات إعلامية كبيرة، وشركات سينمائية يعملون وفق مقاربات بيداغوجية ومنهجية تستهدف الإنسان في مختلف فئات عمره.
وتشير بولقجام إلى استعمال “التافهين” أداة فعالة لتمرير هذه الاستراتيجية، مذكرة أن وزارة الثقافة أبت إلا أن تسيء إلى اكبر تظاهرة ثقافية في المغرب، ألا وهو المعرض الدولي للكتاب حين تضمن برنامجه عرض كتاب عن الشذوذ الجنسي لكاتبة نكرة، في الوقت الذي تزخر البلاد بالكتاب والمؤلفين والأدباء والعلماء، وفي بلد يجرم قانونه الترويج لمثل هذه الأفعال الشاذة، قبل أن تستضيف الوزارة ذاتها منحرفين في خرق واضح للدستور والقانون وتقاليد المغاربة وعاداتهم وقيمهم الجامعة، وبتمويل من ضرائب الشعب المغربي وبتغطية إعلامية رسمية.
تبرير الحكومة
خرج كل من وزير الثقافة ووزير العدل يدافعان عن ” الحرية الفردية” وعن “إبداع الشباب في مجال الفن” ولو كان الأمر خرق القانون من خلال الترويج للمخدرات والسكر العلني.
واعتبر عبد اللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة أن ما صدر عن “المغني” من دعاية للحشيش والخمر وتفوه بكلام خادش للحياء وممارسات مستفزة لمشاعر المغاربة، في حفل من تمويل وتنظيم زميله في الحزب والحكومة وزير الثقافة المهدي بنسعيد، أمر عاد يدخل في إطار حرية التعبير، وأن الوزير لا يمكنه أن يفرض على المغني ما سيغنيه في الحفل الذي تعاقد فيه معه من أجل تنشيطه.
وفي الوقت الذي قال الناطق الرسمي للحكومة مصطفى بايتاس إن الحكومة ترفض ما وصفته بـ”النزوح نحو خدش الحياء و تعتبره سلوكا غير مقبول”، طالب الوزير وهبي المغاربة بالاعتذار لزميله بنسعيد لأنهم انتقدوه وعاتبوه عما صدر عن ” المغني الهابط”، معتبرا ذلك تدخلا للحد من حرية الفنان في التعبير.
ورد سعد الدين العثماني الرئيس السابق للحكومة على وهبي، مبرزا أنه “من غير المقبول أن يدافع مسؤول حكومي عن التشجيع على تدخين الحشيش وشرب الخمر في مهرجانات في ساحات عمومية، وتبرير ذلك بأن له متابعين”.
ردود غاضبة
وانتقد العالم المقاصدي احمد الريسوني دفاع وزير العدل المغربي علانية عن التصرفات والتصريحات التي صدرت مؤخرا عن “الفنان المحشّش والمفشَّش”، الذي أعلن بالقول والفعل أنه يتعاطى المخدرات، مبرزا أن ذلك دعوة صريحة وتشجيع جديد للشباب والمراهقين المعجبين به ليقتدوا به ويفعلوا مثله، خاصة وأنه شخص متبَنَّى وممول من الدولة وميزانيتها.
ويشير إلى أن ما قام به “طوطو وزارة الثقافة” هو بكل بساطة اعتراف علني بأفعال تقع تحت طائلة القانون الجنائي، وكان الواجب على وزير العدل، والنيابة العامة، والجهات الأمنية المختصة، أن يبادروا جميعا إلى السهر على تطبيق القانون، بدل التبجح علينا بأن “الفنان لا يمكن تقييد حريته.
وتتساءل بولقجام في حديثها ل”المجتمع” هل يمكن قبول أعمال خارج القانون باسم الحرية، وتبرير الجريمة بحجة أن الآلاف من الشباب يتابعون هذا الفنان أو ذلك، فبهذا المنطق هل يمكن أن يستضيف الوزير مروجي المواقع الإباحية، والمنظمات الإرهابية وتجار السلاح، والمتاجرين في البشر.
في حين تقول بنعربية إن نشر الرذيلة والترويج للانحلال الأخلاقي وللمخدرات والتطبيع مع المثلية سواء عبر ما يسمى الدفاع عن الحرية الفردية أو من خلال ما يبث عبر الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها خطره جسيم، عبر تحويل المجتمع المغربي الذي يعتبر الدين الإسلامي من الثوابت الدستورية للمملكة المغربية إلى مجتمع يسهل التلاعب بأفراده ومصيره لأنه سيصير مجتمع تسيطر عليه الشهوة وتنتفي عنه صفة المجتمع ليصبح تجمع هجين من أتباع ما استجد من التفاهة والانحرافات.
دور المصلحين
تبحث ماجدة بنعربية رئيسة الائتلاف المواطن لحماية الحقوق الدستورية للمرأة والأسرة عن دور المؤسسات الرسمية، في حماية الجيل الحاضر والناشئ. وتلاحظ للأسف الشديد خفوتا واضحا في دور هذه المؤسسات، مؤكدة أن الرهان باق على أدوار المجتمع المدني والمثقفين والدعاة في الدفاع عن قيم المغاربة كل من موقع وما تناسب مع إمكاناته عبر الترافع في مختلف المستويات والمحافل وبدل المزيد من الجهود لتوطيد علاقة الناشئة بدينهم الذي يعتبر حاملا للقيم والأخلاق حيث أثبتت التجارب الدولية أن المقاربة القانونية في مكافحة بعض الظواهر لا أخلاقية كالاغتصاب والعنف و.. لم تفلح معها القوانين نظرا لغياب الوازع الديني الحامل لمنظومة القيم والأخلاق.
فيما تتساءل بولقجام، عن أي دور لوزارة الصحة والتعليم للوقاية من الإدمان بلد عاش بمنظومة قيم إسلامية وعاش لها وأسس بها حضارة جذورها ضاربة في عمق التاريخ، وعن ما يدرسه أساتذة التربية الإسلامية وخطباء الجمعة والمجالس العلمية والوعاظ والعلماء من تحريم للإدمان بكل أشكاله، والذي يعلم القاصي والداني مخاطره الاقتصادية والتربوية والأخلاقية والنفسية بل والأمنية أيضا.
عريضة
في الوجه الآخر لنشر التفاهة، باتت مواقع التواصل الاجتماعي منصة “للتنافس على نشر محتويات تكرس الجهل والميوعة والتمييز والإساءة لصورة المرأة والانحلال والترويج لخطاب الكراهية بلغة وصور تحط بالكرامة الإنسانية مع الاستهانة بجدوى التربية والتعليم والكفاءة والقدوة، من أجل تحقيق أعلى قدر من نسب المتابعة والمشاهدة لغاية جني الربح المادي السريع والشهرة المصطنعة” كما جاءت في عريضة وقعتها شخصيات مغربية من مختلف الفئات.
وتناشد العريضة كافة المؤسسات والهيئات من مختلف المواقع الرسمية والمدنية خاصة الحقوقية والتربوية والإعلامية والثقافية، بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه التفاهات المنتشرة على وسائط التواصل الاجتماعي والتي لا علاقة لها بحرية التعبير والاتصال، مع العمل على فتح وسائل الإعلام العمومي للتحسيس بخطورة الترويج لمثل هذه الظواهر وتشجيعها بفتح مساحات واسعة لها في وسائل التواصل والإعلام.