ألزمت المحكمة الإدارية في مدينة “ليل” شمال فرنسا مديرية المنطقة بدفع مبلغ 500 ألف يورو لمدرسة ابن رشد الثانوية الإسلامية الحرة في غضون 8 أيام.
وهذا المبلغ هو بمثابة إعانة إلزامية من المنطقة تُستخدم بشكل خاص لتمويل التدفئة والصيانة ورواتب الموظفين.
تهمة التمويل الأجنبي
وكانت مديرية المنطقة قد رفضت تسليم المساعدة المالية لمسؤولي المدرسة على مدى السنتين الماضيتين بحجة أن هؤلاء تلقوا عام 2014 تمويلًا أجنبيا “غير قانوني” من منظمة خيرية في قطر بمبلغ 800 ألف يورو تقريبًا.
يقول محامي الدفاع جابلونسكي: “خضعت المدرسة للتدقيق عدة مرات في السنوات الأخيرة، وجميع عمليات التدقيق جيدة، وليس للمؤسسة ما تخجل منه ما تفعله مديرية المنطقة غير قانوني، وهي ملزمة بدفع هذا الدعم”.
وأضاف: “نعتقد أن مديرية المنطقة تتلاعب بالوقت، وأن هدفها هو خنق الجمعية مالياً، وحرمانها من التمويل اللازم لعملها، قد يؤدي هذا في النهاية إلى إغلاق محتمل للثانوية”.
وتعود أطوار القضية إلى سنة 2019 عندما رفعت مدرسة ابن رشد الثانوية دعوى قضائية ضد مديرية المنطقة لعدم دفع مخصصاتها الخارجية للعام الدراسي 2019-2020.
في يوليو 2021، أمرت المحكمة الإدارية في ليل مديرية المنطقة بدفع المبلغ المستحق (أكثر من 274 ألف يورو) في غضون 10 أيام بعد إصدار قرارها.
إصرار على عدم تنفيذ الحكم القضائي
لكن رئيس المنطقة كزافييه برتراند (من اليمين الديغولي) أصر على عدم دفع هذه الإعانة الإجبارية للمدرسة الثانوية الإسلامية في ليل، بل ذهب إلى حد طلب التعويض من مجلس الدولة (السلطة الدستورية العليا في فرنسا)، بيد أن هذه المؤسسة الدستورية رفضت دعوى رئيس مديرية المنطقة.
وها هي المحكمة الإدارية في مدينة ليل بشمال فرنسا تدين من جديد في أكتوبر 2022 مديرية المنطقة، ولكن هذه المرة تقضي بدفع مبلغ 500 ألف يورو لمدرسة ابن رشد الثانوية الإسلامية في غضون 8 أيام، ما يعادل سنتين من الإعانة الإجبارية التي تقدمها مديرية المنطقة للمدارس الحرة التي لها عقد مع الدولة.
في هذا السياق، تقول مديرية المنطقة: إن لديها شكوكاً من أن عملية التمويل الأجنبي مستمرة، وأنها وجهت عدة أسئلة إلى وزارة التربية والتعليم للتحقق من أن المدرسة “احترمت عقدها” مع الدولة، ولا سيما فيما يتعلق بالعلمانية، لكنها لم تحصل على إجابة في الوقت الحالي.
وأضافت أنها “عازمة على التواصل مع وزير التربية الوطنية الجديد، باب ندياي، من أجل الحصول على ضمانات بشأن احترام العقد الذي يربط هذه المدرسة بالدولة”.
كما أعلنت مديرية المنطقة أنها ستستأنف الحكم أمام مجلس الدولة بعد قرار المحكمة الإدارية الأخير.
ثانوية ابن رشد الأولى على المستوى الوطني
أما إدارة ثانوية ابن رشد، فقد أصدرت بياناً، بتاريخ 13 أكتوبر الجاري، جاء فيه “أن الثانوية خضعت منذ سنة 2000 لتفتيش شامل للغاية من قبل المفتشية العامة للتربية الوطنية بتكليف من الوزير”.
وأضاف البيان أن المدرسة “خضعت إلى عملتي تفتيش بيداغوجي نفذتهما إدارة جامعة ليل، وكذلك إلى عملتي مراجعة أو تدقيق مالي نفذتهما دائرة المالية العامة الإقليمية بشمال فرنسا ولجنة الأمن البلدي، وخلصت جميعها إلى أن الثانوية تتوافق مع شروط عقد الشراكة مع الدولة”، وهو ما أكده محاميها.
وأضاف البيان: “لقد حرصت ثانوية ابن رشد ولا تزال على الاحترام الكامل لشروط التزامها مع الدولة، الأمر الذي يفسر نجاح مؤسستنا”، علماً بأن هذه الثانوية نجحت في الحصول عام 2012 على المركز الأول في التصنيف الوطني للمدارس الثانوية التي تقدم التعليم العام والتكنولوجي من أصل 2309 مؤسسة.
وفي عام 2018 حصلت هذه الثانوية على الرتبة الأولى في أعلى نسبة نجاح في شهادة الباكالوريا في منطقة شمال فرنسا وعلى الرتبة الرابعة على المستوى الوطني الفرنسي.
واعتبر مدير جمعية ابن رشد آنئذ عمر الأصفر أن هذه النتائج هو “اعتراف ومكافأة للجهد والعمل المنجز التي تقوم بهما المؤسسة ورد على الاتهامات ضدها”.
وختم البيان بالقول: “إن قرارات المحاكم هذه تشجعنا على إنجاز مهمتنا التربوية والتعليمية بأكبر قدر من الشفافية، حتى تظل مؤسستنا مثالًا يقتدي به في الازدهار والنزاهة واحترام القيم الجمهورية والإشعاع العلمي في المنطقة”.
جدير بالذكر أن ثانوية ابن رشد يطلق عليها بالفرنسية ثانوية “أفيرواس”، وهو الاسم الذي اتخذه الغرب لتسمية هذا العالم والفيلسوف والطبيب المسلم الأندلسي في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر ميلادي (520 – 595هـ)، (1126 – 1198م)، عمل طبيباً للخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وتولّى منصب القضاء في قرطبة وأشبيلية، وفسر فلسفة أرسطو تلبية لرغبة الخليفة الموحدي.
والسؤال: لماذا حول الغرب اسم ابن رشد إلى “أفيرواس” مثلما حول اسم الطبيب والفيلسوف ابن سينا إلى “أفيسان”؟
لعل أسلوب تعامل مديرية منطقة شمال فرنسا مع ثانوية ابن رشد يعطي جانباً من الجواب عن جذور محاولات طمس معالم الحضارة الإسلامية الذي تجلّى مع بداية النهضة الأوروبية وتجسد اليوم في محاولة طمس معالم الصحوة الثقافية في صفوف المسلمين وإشعاعهم العلمي الحضاري المتنامي خاصة في ديار الغرب على خطى أسلافهم في الأندلس وصقلية والبلقان.