نشرت صحيفة “هاآرتس” العبرية، أمس الجمعة، تفاصيل جديدة حول الحرب البيولوجية ضد الفلسطينيين خلال حرب 1948، التي تم فيه تسميم آبار المياه ونشر بكتيريا التيفوئيد في أوساط الفلسطينيين بهدف محو الوجود الفلسطيني.
واستندت الدراسة التي نشرتها الصحيفة لـ”عوفر أديرت” على أرشيف الجيش الصهيوني، وأكدت أن هذه الحرب البيولوجية نُفذت بتعليمات مباشرة من رئيس وزراء الاحتلال الأول بن غوريون وعلم الجنرالين يادين وموشي ديان.
وتكشف الدراسة عن وجود خطة سرية لتسميم آبار مياه الشرب في عكا وغزة بواسطة إدخال بكتيريا تؤدي إلى الإصابة بالتيفوس والإسهال.
وتكشف كيف تحول هؤلاء القادة المجرمين إلى سفاحين يسعون لمحو الوجود الفلسطيني عبر إبادة جماعية ثم يبتزون العالم بدعوى أن هتلر سعى لإبادتهم في أوروبا، وذلك تحت إشراف من تولوا رئاسة هذه الدولة حيث أشرف على تنفيذ هذه الحرب المميتة الإرهابي إفرايم كتسير الذي كان قائد “فيلق العلوم” في الجيش وأصبح فيما بعد الرئيس الرابع للاحتلال.
دفع هذا الباحث الفلسطيني د. صالح النعامي للتعليق متسائلاً: ما الاختلاف بين النازية والصهيونية التي تشرع الإبادة الجماعية في إطار سياسة التطهير العرقي؟ ولماذا يسمح العالم المنافق لهذا الكيان بالإفلات بالعقاب؟
تسميمهم لعدم العودة
بحسب الوثائق، بدأت الخطة في منتصف أبريل 1948، في ظل ازدياد المخاوف من غزو الجيوش العربية للبلد، ويعتقد الباحثان أن الهدف كان تسميم الآبار في القرى العربية المهجورة، لمنع السكان من العودة إليها، وأيضاً في مستوطنات يهودية كان الكيان الصهيوني ينوي إخلاءها، خوفاً على أمن سكانها، وذلك بهدف منع العرب من السكن فيها في حال احتلالها.
البحث نشره موريس وكيدار في مجلة “Middle Eastern Studies” بعنوان “ألق الخبز: الحرب البيولوجية لـ”إسرائيل” خلال حرب 1948″.
وتُظهر الوثائق أن العملية كانت واسعة النطاق وشاركت فيها شخصيات رفيعة المستوى في جيش الاحتلال وفي الدولة، إلى جانب بن غوريون، أما الذين نفّذوا عمليات التسميم فكانوا جنوداً عاديين من الكتيبة الرابعة، ومن وحدة هرئيل.
لكن فيما بعد انتقلت المهمة إلى يد الشعبة العربية في “البلماح” من “المستعربين”، المختصة بعمليات التخريب والاغتيالات في أراضي العدو، بحسب “هاآرتس” العبرية.
كانوا يريدون تسميم القاهرة أيضاً؟
وتكشف قراءة الوثائق أن العملية كانت واسعة جداً، وشاركت فيها إضافة إلى بن غوريون شخصيات كبيرة أخرى في قيادة الجيش والدولة.
وبدأت العملية في المحور بين القدس و”تل أبيب” واتسعت بعد ذلك أيضاً إلى عكا في الشمال وإلى غزة في الجنوب.
وحسب الشهادات شملت بعد ذلك، في مرحلة التخطيط أو فعلياً، بلدات أخرى مثل أريحا وبئر السبع وعيلبون في الجليل والقرى العربية بدو وبيت سوريك وبيت محسير قرب القدس وأيضاً الموشاف اليهودي هار طوف، بعد أن تم إخلاء السكان منها.
كما شملت أهدافاً خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل القاهرة وبيروت، لكن هذه بقيت على الورق فقط منظمو العملية أرادوا بواسطتها أيضاً أن يشوشوا على تقدم الجيوش العربية.
في شهادته أشار غوتمان، وهو قائد المستعربين في البلماخ وضابط كبير في مخابرات جيش الاحتلال، إلى أن الضابط ريتنار أبلغه بإرسال شخصين إلى الحدود مع مصر لتنفيذ العملية في الآبار هما دافيد مزراحي، وعزرا حورين.
وانطلقا في 22 مايو 1948 لتنفيذ هذه المهمة في غزة أولاً، ولكن أُلقي القبض عليهما وحوكما في محكمة عسكرية في مصر بتهمة نية تسميم الآبار من أجل المس بالجيش المصري الذي كان في طريقه إلى الأراضي المحتلة وأُعدما.
شهادة أخرى لتنفيذ العملية في الخارج وجدها الباحثان في مقابلة أجريت مع السفير السابق آشر بن نتان من قبل المؤرخ نير مان في عام 2008.
قال: في صيف 1948 كان بن نتان يعيش في باريس بحكم وظيفته الاستخبارية هناك، وحسب قوله، التقى برجل المخابرات بنيامين غبلي، وأعطاه كبسولة لتسميم آبار المياه في القاهرة، لكن الخطة أُلغيت.
وأضاف أن الكبسولة بقيت معي، وأخيراً قمت برميها في مياه المجاري، والدليل على ذلك وجده موريس وكيدار في أرشيف الجيش “الإسرائيلي” في وثيقة بتاريخ سبتمبر1948، كتب فيها يدين: “رجاء، اتصل في أقرب وقت، بخصوص تنفيذ عملية “أرسل لأخيك” (اسم عملية التسميم) في الخارج”.
وتقول دراسة “هاآرتس”: إن العملية لم تغيّر وجه الحرب في نهاية المطاف، وحسب تقارير مختلفة من مصادر عربية أن بضعة عشرات من العرب أصيبوا بالأمراض، لا سيما في عكا.
وأثارت العملية انتقاداً لاذعاً داخل الجيش الصهيوني وقيادة الكيان الصهيوني، لكن ليس بسبب أنها مخالفة لميثاق جنيف من العام 1925 الذي يمنع استخدام الحرب الجرثومية، ولكن خشية أن يُقتل بالتسمم أيضاً جنود أو “إسرائيليون” لو شربوا من هذه الآبار.