أصدر الصحفي إبراهيم عيسى، (من مواليد قويسنا منوفية 1965م – ..)، عددًا كبيرًا نسبيًا من الكتب التي تضم مقالاته في الصحف التي عمل بها، وبعض الروايات الضعيفة فنيًا التي ترتفع نبرتها الخطابية عند التشهير بالإسلام والمسلمين، وتحمل لغة خشبية خشنة تتنافى مع لغة القص أو السرد التي تفترض العفوية والنعومة والحيادية وعدم المباشرة، لقد لجأ إلى التاريخ والواقع ليثبت دموية الإسلام ودعوته إلى العنف والإرهاب، لم يسلم في كتبه صحابي أو تابعي أو عالم مسلم من الدم أو القتل أو الغباء أو التجريح إلا نادرًا، فكتب روايات: “رحلة الدم”، “دم على نهد”، “صار بعيدًا”، “مولانا”، “مقتل الرجل الكبير”، “أشباح وطنية”، “مريم التجلي الأخير”، “رصاصة في الرأس”، هناك كتب أخرى تتحدث عن “دم الحسين”، و”القتلة الأوائل” (يقصد الصحابة وأبناءهم وأقاربهم!)، “أفكار مهددة بالقتل”..
الدم.. الدم!
وكما نرى من العناوين، فإن لفظتي الدم والقتل تترددان بصورة لافتة، مما يثير في الذهن عشرات الأسئلة، في مقدمتها كيف يمكن أن يتوفر كاتب على تخصيص كتاباته بهذا التركيز للحديث عن عقيدة وأتباعها المعجونين بالدم والرغبة في القتل؟ لو أنه خصص الكتابة مثلاً للحديث عن ممارسات اليهود الغزاة في فلسطين الذين اغتصبوا أرضها وطردوا شعبها، وكرروا عدوانهم على شعوب الأمة، وفرضوا عليها الاستسلام، ودفع الجزية تطبيعاً وانبطاحاً واستجابة لمطالبهم غير المشروعة، ثم التحكم في القرار السياسي لبعض الحكومات، التي انضوت تحت رغباتهم، حتى بات استنكار جرائمهم في بيانات صريحة أمراً بعيد المنال، وأضحت اللغة الرقيقة واللهجة الخافتة والخطاب الودود السمة الأبرز عندما يقتلون، ويذبحون، ويعتدون ويقصفون ويدمرون.. لو أنه خصص كتاباته لهذا السياق المهزوم، فإن الناس تقبله، وتشيد به لأنه لا يتجاوز الحق ولا الحقيقة، ولكن عيسى يحرص على أن يكون معجمه التشهيري التضليلي خاصاً بالإسلام والمسلمين وحدهم.
تحولات ناصرية
يدعي عيسى أنه ناصري، نسبة إلى الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، ويتحرك من خلال هذا الانتماء مع زملائه وأقرانه في سياقات الكتابة والسياسة والاقتصاد والعلاقات مع الدول الكبرى والصغرى، ولكن المفاجأة هي ممارسات الصحفي إبراهيم عيسى على الأرض، فقد فاجأنا بتحولاته من الاشتراكية التقدمية إلى الرأسمالية التلفزيونية، وصفقاته المريبة في إنشاء القنوات وبيعها بالملايين، ثم شهادته الغريبة لصالح الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم وهو الأخطر انتقاله للعمل في قناة “الحرة” الأمريكية التي تنفق عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، (وهي الوكالة التي كان جمال عبدالناصر يهجوها كثيراً في خطبه ولقاءاته، مع هجاء أمريكا نفسها آناء الليل وأطراف النهار)، صار عيسى صديقاً للأمريكيين الذين كان يبغضهم زعيمه المحبوب، وتحددت نضالاته وكفاحه بهجاء الإسلام والمسلمين في برنامجه على القناة الأمريكية، واستضافة من يسمون أنفسهم بالمستنيرين، وكثير منهم شيوعي أو ملحد، أو طائفي، أو باحث عن الشهرة، أو أرزقي أو غيرهم ممن يبغضون الدين الحنيف وأتباعه!
ولم يتوقف عيسى عند القناة الأمريكية، فقد منحه صاحب إحدى القنوات المصرية الخاصة (غير مسلم) برنامجاً آخر ليواصل مهمته في هجاء الإسلام والمسلمين على قناتين في وقت واحد (“الحرّة”، “القناة الخاصة”)، ومن خلالهما يحارب ما يسميه الظلامية والحجاب والذكورية والصيدلي الذي يقرأ القرآن في وقت فراغه (لا أعرف هل كان يستطيع أن يفعل ذلك مع صيدلي غير مسلم يقرأ الكتاب المقدس مثلاً؟!).
بلاغات للنيابة
وقد استفزّ عيسى جمهور المسلمين بكثير من الآراء الشاذة والأفكار الصادمة حول ثوابت الإسلام وقيمه، مما دعا بعض المحامين في حينه إلى تقديم بلاغات ضده إلى النيابة العامة، وإن لم تسائله حتى اليوم، وطالب نائب في البرلمان المصري بتقديمه للمحاكمة لإثارة الفتنة، وأعلن أحد الممثلين انسحابه من تمثيل فيلم من تأليفه احتجاجاً على آرائه الغريبة.
لقد فجر جدلًا واسعًا حول رحلة الإسراء والمعراج حين وصفها بالخرافة، وقال موقع “ميدل إيست أونلاين” (الأحد 20 فبراير 2022): إن الضجة التي أثارها عيسى شبيهة بأخرى أثارها صديقه إسلام البحيري في عام 2015م، وقد تولت مشيخة الأزهر ودار الإفتاء الرد على التشكيك في الإسراء والمعراج، وصدر بيان مقتضب للنائب العام أمر فيه “باتخاذ إجراءات التحقيق في البلاغات التي قُدّمت إلى النيابة العامة ضدَّ الإعلامي إبراهيم عيسى”.
المعراج.. قصة وهمية!
وكان عيسى قد قال، في برنامجه التلفزيوني: “ما رأيك أنه لا يوجد معراج”، مضيفاً أنها “قصة وهمية” بأكملها، وأنه أمر تؤكده كتب السيرة والحديث.
ورداً على ما قاله عيسى، قدم البرلماني المصري مصطفى بكري بياناً عاجلاً أمام مجلس النواب قال فيه: “كان يتوجب منع هذا الإعلامي، كما تم منع إعلامي آخر خلال الأيام الماضية، لمصلحة من التشكيك في الدين وإثارة الفتنة؟”، وأشار بكري إلى تطاول عيسى على علماء الدين، ونساء الصعيد، ونساء الأرياف في بحري وزعمه أنهن كن يرتدين المايوهات منذ الصغر، وأن هدفه ضرب القيم، وقال بكري: “هذا الشخص الذي زعم هذا الكلام على الدين والعقيدة والقيم هو ذاته الذي وقف ينحني أمام ممثلة مصرية شاركت في فيلم “أصحاب ولا أعز” الذي يروج للمثلية الجنسية وانهيار القيم الأخلاقية”.
ودعا بكري إلى محاسبة عيسى ورئيس القناة التي يشتغل فيها قائلاً: “كان يتوجب على الجهات المسؤولة أن تحاسب هذا الشخص، وأن تحاسب تلك القناة التي تروج لمثل هذه الأفكار التي تبث سمومه”، وتساءل: “لمصلحة من التشكيك في الدين وإثارة الفتنة؟”.
وعلقت دار الإفتاء المصرية على مزاعم عيسى مؤكدة أن “رحلة الإسراء والمعراج حَدَثت قطعاً ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال”، وأضافت في ردها المكون من سبع نقاط بأن “هذا الإعجاز الحاصل في الرحلة لا يتعارض مع قدرة الله”.
حرب ممنهجة
واعتذر الممثل المصري مصطفى درويش عن استكماله تصوير فيلم “الملحد”، بسبب اختلافه مع عيسى مؤلف الفيلم، موضحاً أن هذه الحرب ممنهجة و”أنا لا أقبل أبداً أن أكون أداة للحرب ضد ديني”.
وفي مايو (رمضان) 2022م، أذاعت القنوات المصرية مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان “فاتن أمل حربي”، احتفى به الإعلام الرسمي، لدرجة استضافة أسرته، للإشادة بالمسلسل وموضوعه، مع أنه يعد ضمن المسلسلات الهابطة، التي تعمل على تحريض المرأة المصرية المسلمة على التمرد ضد حياة الأسرة، ومواجهة ما يفترضه المسلسل من وحشية الرجال ضد النساء، كما يحرض المسلسل على تخلي الزوجات عن واجباتهن الإنسانية تجاه أبنائهم، والإلحاح على تجريم الإسلام وتشريعاته، والزراية بعلماء الدين، والترويج لفكرة أن التشريع لا بد أن يكون نصاً مكتوباً في القرآن “قال الله”، أي إلغاء السُّنة المطهرة قولاً وفعلاً وسلوكاً، وهو ما يعزّز دعوة بعض المنحرفين ممن يسمون أنفسهم بالقرآنيين.
وبدا الهدف من المسلسل في نهاية الأمر تخريب مؤسسة الزواج، وتدمير الأسرة المصرية وتبديل الأدوار بين الرجل والمرأة شذوذاً عن السلوك الطبيعي، وانتصاراً لما يسمى النسوية ضد الذكورية، وضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية استجابة لرغبات غير إسلامية، يهمها نشر الانحطاط الحضاري، والانحلال والعنف والبذاءة، والعداء للإسلام وقيمه وتشريعاته.
تهديد مفبرك
ومثل عادة أدعياء التنوير والحداثة والتقدم، فإنهم يزعمون أنهم مستهدفون بالقتل والاغتيال من قوى الظلام والرجعية، وهو ما فعله عيسى، حيث فبرك خبراً عن تهديد تنظيم “القاعدة” باغتياله، في 20 يوليو 2022م، برصاصة في القلب، وعلق قائلاً: “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.
وقد سخر المعلقون على وسائط التواصل الاجتماعي من الخبر المفبرك، وتساءل بعضهم: أين هي “القاعدة” الآن وزعيمها الذي قتلته أمريكا؟ وهل تسمع “القاعدة” بشخص عيسى، وقام الصحفي سليم عزوز بتفنيد الخبر المفبرك في شريط مدته خمس وثلاثون دقيقة استبعد فيها التهديد المزعوم، وأوضح أنه بحث عما يؤكد الخبر فلم يجد له أصلاً ولا رابطاً، وأن مواقع معينة هي التي احتفت بالخبر دون ذكر للرابط أو المصدر الأصلي، واستشهد بحادثة مماثلة لعبدالرحيم علي الذي ادعى قبل ثورة يناير أن “القاعدة” تهدده، واتضح كذب الادعاء وفبركته، وأنه من يومها يذهب ويجيء ويسافر ويعود دون أن يحدث له شيء.
وذكّر عزوز بواقعة قديمة ارتكبها عيسى وهو محرر مبتدئ في “روزاليوسف”، حيث ادعى أن الأزهر صادر روايته “الملائكة يشربون البيرة”، وقد نفى سمير سرحان، رئيس هيئة النشر الرسمية آنئذ، مصادرة الرواية في معرض الكتاب، وكان عيسى موجوداً في أثناء كلام سرحان، ولم ينطق بكلمة، وبعدها اعترف المحامي الناصري أحمد عبدالحفيظ أن عيسى طلب منه أن يتقدم ببلاغ يتهم الأزهر بمصادرة روايته كي تروج وتنتشر وتوزع، وهو ما لم يحدث.
بيان اغتيال
وذكر عزوز بما فعله عيسى من قبل في الدستور التي كان يحررها إبراهيم عيسى، حيث ادعى أن الجماعة الإسلامية أصدرت بياناً لاغتيال رجال الأعمال المصريين، وعندما علم الرئيس الأسبق حسني مبارك بالموضوع، كلف الأمن بتحري الموضوع، فاكتشف أن الأمر لا أساس له من الصحة، وعوقب عيسى على ادعائه الكاذب بإغلاق الدستور.
وفسر بعضهم سلوك عيسى الغريب بأن الفشل الذي وقع فيه على شاشتي الحرة و”القاهرة والناس”، جعله يفكّر في إطلاق فرقعة صوتية ليعيد اسمه إلى الساحة.
إن عيسى لا يكف عن التحرش بالإسلام وعلمائه ومؤسسات التعليم الإسلامي، فقد نشرت بوابة جريدة “الشروق”، في 1/ 10/ 2022م مجموعة من تصريحاته، منها قوله: “لا توجد أية مؤسسة دينية تتزعم الاجتهاد وتبادر بطرح التقدم العلمي كفرض ديني مطلقاً أو تعلي حياة وقيمة الإنسان.. هؤلاء عبدة النصوص ويا ريت فهمهم لها صحيح”! وقوله: “المنظومة الفقهية في الإسلام منذ القدم حتى الآن لم تبادر للموافقة على شيء.. مجرد نقل الدم كان مرفوضاً ومحرماً ويتم تكفير من يفعل ذلك.. الشعب والمجتمع عملوه وبعدها المشايخ وافقوا وراهم”.
وهذه التصريحات غير صحيحة في مجملها، وتدل على قصور علمي وفكري، ولا دليل على زعمه بأن هناك من العلماء من رفض عملية نقل الدم، وأظن أن أي مبتدئ يعلم أن نصوص القرآن والسُّنة واضحة في مجالات العلم والمعرفة، ثم إن عبادة النصوص مصطلح سخيف لا يليق بعلماء المسلمين، وإن كانت نصوص القرآن تأتي في العبادة والتشريع دون ريب.
الشيخ الشعراوي
ويضاف إلى ما سبق قوله: “الشيخ الشعراوي كان ضد العلم بشكل عام، ورغم حالة التبجيل والتكريم للرجل لكن له أفكار شديدة التطرف والتسلف”!
والرد على أقوال عيسى يقتضي وقتاً وجهداً لا يحتمله البحث، وأكتفي بفقرة قصيرة من تعليق طويل للأستاذة منى ثابت نشرته في بوابة “الشروق” تقول فيها: “يحاول –تقصد عيسى- أن يستعيد بهارات إبهاره، بما بدأ به أولى كتاباته في “روزاليوسف” بانتقاد الشيخ الشعراوي رحمه الله، تلك الكتابة التي كانت فاتحة الخير عليه يومها، لعلها اليوم تنجي شمسه الصيفية من الغرق في الغروب”.
https://www.facebook.com/yasser.abdelmonaim.seliem
صار مشهورًا
وفي كل الأحوال، فقد صار عيسى مشهورًا بطريقة وأخرى، وأضحى ضيفاً دائماً على وسائل التواصل الاجتماعي بما يصدره من آراء مستفزة، حيث يحظى بردود معلقيها على فكره ونهجه وأسلوبه، ويراه كثير منهم قد تم توظيفه للنيل من الإسلام والمسلمين! ولكنه مع ذلك يجد من يدافع عنه، ويفرد له مساحات إخبارية واسعة ليتحدث فيها عن نفسه وعائلته، وفكره المعادي الذي يصر عليه، ويروج له!