صوت الصواريخ المُرعبة، ودماء الشهداء، والبيوت المُهدمة، وصرخات الثكالى والكثير من الفظائع الشاهدة على بشاعة حرب الاحتلال “الإسرائيلي” على قطاع غزة المحاصر، التي لا تفرق في استهدافها بين إنسان وآخر، فالكل لديها بنك أهداف.
إيمان الغولة (22 عاماً)، ونسمة نافذ (33 عاماً) فتاتان فاقدتان للبصر في غزة، تحدثتا لـ”المجتمع” عما عايشتاه في الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة على القطاع.
الشعور بالخوف
تقول إيمان: بمجرد الحديث عن الحرب، فإن ذلك يشعرني بالخوف الذي يزيد القلق لديَّ في التفكير المستمر بالطريقة التي ممكن لي بها أن أتنقل خارج البيت.
وتضيف، وهي تعود بالذاكرة إلى العام الماضي، أنها أثناء الحرب لم تشعر بالأمان، حيث القصف المتواصل، ما اضطروا لمغادرة منزلهم.
وتوضح أن مغادرة المنزل ليس بالأمر البسيط لديها؛ لشدة القصف المتواصل، والبيت فيه الكثير من الأطفال، وجدتها المقعدة، وشقيقتها التي تشاركها فقْد البصر؛ فكان كل ذلك يزيد من صعوبة الحركة.
صمتت قليلاً حتى تستطيع ترتيب كلماتها التي تتذكر بها أحداث نزوحها من البيت، حيث إنها كانت بكل خطوة تمسك بثياب شقيقتها بقوة، وهي تسير بنفس خطواتها، إلى أن وصلت إلى بيت صديق والدها.
وتضيف: وقبل أن ألتقط أنفاسي وأرتاح قليلاً، قُصفت شقة مجاورة لنفس البناية التي أردنا المبيت فيها؛ الأمر الذي جعل كل من في العمارة من صغير وكبير يركض إلى الشارع، فتزاحمت الأصوات لديَّ من الصراخ والبكاء، ولا أدري إلى أي مكان أذهب، فكنت أركض مع عائلتي بالشارع في حالة ذعر شديد.
وتتابع إيمان: التنقل من مكان لآخر بحد ذاته بالنسبة لي كان مزيداً من المعاناة، فهو جديد بكل ملامحه على أناملي؛ الأمر الذي يجعل عمل أي شيء صعباً، فالخروج من البيت بالنسبة لديَّ مثل الغربة عن الوطن.
ولم تكن الحرب الأخيرة الأولى التي شهدتها إيمان، حيث إنها في حرب عام 2014 كانت لا تزال في المرحلة المدرسية، عاشت الكثير من الخوف حينما قُصف منزل عائلتها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ودُمر كل شيء فيه حتى آلة الطباعة الخاصة بلغة “برايل” التي كانت بالنسبة لها عالمها الذي تكتب فيه موادها الدراسية.
البحث عن أمان
تجربة قاسية أخرى عايشتها فاقدة البصر نسمة نافذ (33 عاماً)، تقول لـ”المجتمع”: كنت طالبة في الدراسات العليا، وعملت على تجهيز خطة الرسالة لنيل درجة الماجستير، وتمت الموافقة عليها، وبدأت في إنجازها بهمة ونشاط رغم كل الصعوبات التي تواجه الإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وتضيف: لا أعلم كيف أصف حجم السعادة التي كنت أشعر بها مع كل مبحث أنجزه من الرسالة، إلا أن هذه الفرحة اغتالتها طائرات الاحتلال “الإسرائيلي”، حينما قصفت بيتي في حي الشجاعية، وخرجت مع عائلتي إلى الشارع لا ندري أين نذهب.
وتتابع نسمة بعد أن أخذت نفساً عميقاً يحمل الكثير من الألم: لم أستطع حمل أي شيء معي، فكنت أركض وأنا أبكي؛ طلباً للنجاة مع عائلتي، فكانت الخطوات مُخيفة حيث الركام على الأرض الذي يزيد من تعثري وصوت الصواريخ يزيدني رعباً.
وتقول نسمة: بعد انتهاء الحرب عثرتُ بين الركام على جهاز “اللاب توب” محطماً، ولم أستطع الحصول على ورقة واحدة من رسالة البحث؛ الأمر الذي زاد من مرارة معاناتي، مشيرة إلى أنها أعادت العمل من جديد بها بعد 4 شهور، حاولت من خلالها أن تلملم جراحها والاستيقاظ من صدمة الحرب والنزوح وتدمير بيتها للبدء في كتابتها من جديد.