اختار إيرين وماكس ترك بيتهما في ساكرامنتو بولاية كاليفورنيا الأميركية والانتقال إلى بيت جديد على سفوح مرتفعات فورست هيل، لكن هذا صار أحد أكثر القرارات الخاطئة في حياتهما بسبب الحرائق التي اجتاحت بلدتهما الصغيرة.
وتحدث الزوجان أثناء تريضهما مع كلبهما، فقالا “انتقلنا إلى هنا قبل 4 أعوام سعيا للراحة ولوجود مساحات واسعة ومناظر طبيعية خلابة نفتقدها في المدينة المزدحمة، كما أن كلبنا -الذي هو جزء من عائلتنا- يحب المكان كثيرا ويستمتع باللعب خارج المنزل في الأماكن المفتوحة”.وتقع أغلب مدن الغرب الأميركي في مناطق الوديان، وتحيط بها جبال ومرتفعات تمتد على مرمى البصر، وشهدت هذه المنحدرات امتدادات عمرانية واسعة، خاصة في محيط مدن الغرب الكبيرة مثل فينيكس بأريزونا، أو لاس فيغاس بنيفادا، أو ساكرامنتو بكاليفورنيا.
وبسبب ما تشهده المدن من اكتظاظ سكاني يصاحبه ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المشردين يختار بعض الأميركيين -خاصة الأغنياء- الانتقال والعيش في بيوت على سفوح المرتفعات والجبال التي تحيط بالمدن.
“وكأن العالم في نهايته”
وشهدت منطقة مجاورة لفورست هيل خلال بداية صيف هذا العام اندلاع حرائق الغابات، وهو ما أثر كثيرا على البلدة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها ألفي شخص.
ودمرت الحرائق عددا من المنازل في سفوح التلال القريبة من بلدة فورست هيل، وهو ما دفع مئات السكان إلى إخلائها لعدة أسابيع حتى نجحت طواقم الإطفاء في احتواء النار والقضاء عليها تماما.
وقالت العاملة في مكتب البريد الوحيد بالبلدة إيمي بيترسون “إن مشاهدة النيران المشتعلة واللهب والدخان الصادر منها يشعرك وكأن العالم يقترب من نهايته”.
وعلى الرغم من إخلاء البلدة المؤقت -والذي ساهم في عدم وقوع ضحايا من أبنائها- فإن عدد زيارات غرف الطوارئ بمستشفيات شمال كاليفورنيا في موسم حرائق الغابات ارتفع بنسبة 37%، وهناك زيادة قدرها 66% في الزيارات المتعلقة بمشاكل التنفس بسبب دخان حريق الغابات الذي اجتاح مناطق محيطة بمدينة ساكرامنتو لأيام.
مثلث الحريق
ولا تزال كاليفورنيا كلها في حالة جفاف كبير منذ عدة سنوات أدت إلى استنزاف خزانات المياه، ووفقا لمرصد الجفاف الأميركي فإن الظروف المناخية هي جزء كبير من السبب في الارتفاع النشط للحرائق خلال السنوات الأخيرة.
وتشير دراسة لخدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه منذ عام 2010 اندلع سنويا ما يزيد قليلا على 58 ألف حريق غابات نتج عنها فقدان 7 ملايين فدان سنويا، وتسببت في أضرار مباشرة بقيمة 16.5 مليار دولار، ولا تأخذ هذه الأرقام في الحسبان الأضرار غير المباشرة.
ولا يستطيع خبراء الأرصاد الجوية حتى الآن التنبؤ بتوقيت أو مسار تفشي حرائق الغابات، ولكن هناك 3 شروط يجب أن تكون موجودة حتى يشتعل حريق الغابات، ويشير رجال الإطفاء إليها باسم “مثلث الحريق”: الوقود والأكسجين ومصدر الحرارة.
ولا يمكن أن تندلع وتنتشر الحرائق دون تلك الوصفة الكارثية الثلاثية، والتي قد تتحول معها شرارة إلى حريق يستمر لأسابيع أو أشهر ويستهلك عشرات أو مئات الآلاف من الأفدنة.
وهناك سبب آخر يتسبب في حرائق الغابات هو البرق، ووجد العلماء أن كل ارتفاع في درجة من درجات الأرض يزيد أنشطة البرق بنسبة 12%، ومنذ عام 1975 زاد عدد الحرائق التي أشعلها البرق لتصل إلى 5% من إجمالي حرائق الغابات.
وتعتبر الشهور الحارة بداية من أبريل/نيسان وحتى سبتمبر/أيلول موسما لاندلاع حرائق الغابات في الغرب الأميركي، وتصل الحرائق إلى ذروتها في أغسطس/آب من كل عام.
وحرائق الغابات بصفة عامة غير مخطط لها، وتحدث في مناطق واسعة مثل الغابات الشجرية التي تغطي المرتفعات، وتحصل في الأغلب بسبب النشاط البشري وأخطائه، أو كظاهرة طبيعية نتيجة للبرق، خاصة في المناطق التي تشهد جفافا كبيرا، ويمكن أن تشتعل في أي وقت، و50% من حرائق الغابات المسجلة من غير المعروف كيف بدأت.
مفارقة النار
يخمد رجال الإطفاء أغلب حرائق الغابات في أيامها الأولى، وتشير بيانات وزارة الداخلية الأميركية (الوزارة المعنية بالغابات والمتنزهات الوطنية) إلى أن 3% من الحرائق تزداد في اشتعالها وتفلت من جهود الإطفاء وتصبح حرائق ضخمة تصعب السيطرة عليها.
وفي كل مرة يتم القضاء على حريق يُترك المزيد من الوقود على الأرض، مما يساهم في الحريق التالي، وتوصف هذه الظاهرة باسم “مفارقة النار”.
وشهد شمال ولاية كاليفورنيا العديد من الحرائق الشديدة هذا العام، بما في ذلك بعض الحرائق المستمرة حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مناطق شرق مدينة ساكرامنتو، وتغلق السلطات الطرق وتمنع الأشخاص والسيارات من الاقتراب من هذه المناطق.
آثار أخرى
تميل الحياة البرية إلى التأقلم أحيانا مع الحرائق، ويطور بعض مظاهرها من نباتات وحيوانات نفسها للعيش معها، والبعض الآخر يزدهر بعد الحرائق، وهذا لا يعني أن جميع الحيوانات البرية تطلق على النار صديقا، فهناك البعض الذي لا يستطيع التغلب على النيران سريعة الحركة، والحيوانات الصغيرة معرضة للخطر بشكل خاص.
وبالنسبة للعديد من البيئات لا تعني النار بالضرورة أخبارا سيئة، إذ تمنح الحرائق بعض النباتات والحيوانات فرصا جديدة، ووفقا لعالمة الأحياء البرية باتريشيا كينيدي فإن “الكثير من الأنواع تتطلب إعادة الضبط”، وهذا يأتي من حرائق الغابات.