على أبواب الشتاء والبرد القارص، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تلاحق بيوتاً من صفيح وخيام يلتحف ساكنوها الأرض والبرد، بذرائع واهية تدعي أنها “بنيت من غير ترخيص” في قرية العراقيب الفلسطينية، لتسارع معاول الاحتلال بهدمها وإزالتها وكأنها لم تكن، ضمن سياسة عنصرية بطرد السكان الأصليين من البلاد.
تقع قرية العراقيب شمال مدينة بئر السبع، في صحراء النقب جنوب فلسطين، وتبلغ مساحتها أكثر من 200 ألف متر مربع، وهي واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بها، وترى وجودها “غير شرعي”.
ويشكل خطر الهدم في فصل الشتاء كابوسًا يؤرق أهالي العراقيب التي تضم 800 شخصاً موزعين على 22 عائلة، وهو ما تتعرض له القرية منذ هدمها أول مرة قبل 12 عاماً في 27يوليو/تموز 2010.
وما زالت سلسلة الهدم مستمرة، حتى كان آخرها للمرة 208 على التوالي، في 24 أكتوبر/تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
شتاء دون تدفئة..
الناشط وأحد سكان قرية العراقيب عزيز الطوري، يروي لنا معاناة 12 فصل شتاء مرّ على القرية، تضاعفت فيهم معاناة أهلها الممنوعين من المياه والكهرباء والمواصلات، وغيرها من الخدمات.
يقول “عزيز” إن “طقس العراقيب يزداد برودة وقسوة في فصل الشتاء، إلا أن سلطات الاحتلال لا تفرق بين فصل وآخر، فما تلبث إلا أن تنهال بآلياتها لتشرع بالهدم في أي وقت كان”.
يحدثنا “عزيز” أن الشبان في العراقيب يتطوعون لجمع النايلون أو البلاستيك أو الشوادر والأقمشة المضادة للمياه، حتى يتسنى للعائلات تجنب الأمطار في الشتاء، واصفاً الوضع في القرية بـ”المأساوي”، فعائلة هنا تلتحف الأرض، وأخرى تصنع شيئاً قريباً من مسمى “سرير” يرتفع 20 سم عن الأرض، يضعون عليه الفراش وينامون، ثم يتغطون بالقماش والبلاستك منعاً للبلل!
لا ووفي ظل منع الاحتلال لأهالي العراقيب من خدمة الكهرباء، فهم يفتقدون للوسائل الحديثة للتدفئة، وعن ذلك يوضح الناشط:” يضطر الأهالي لاستخدام أي وسيلة تقيهم برد الشتاء من غاز أو خشب”، مؤكداً أن الصمود والثبات على أرض العراقيب هو سيد الموقف مهما بدا الأمر سيئاً.
ماذا عن اسمها وقصتها..
ربما يتوارد إلى الأذهان سؤال، لماذا العراقيب بهذا الاسم؟، يجيبنا عليه رئيس اللجنة الشعبية للقرية أحمد أبو مديغيم، حيث أن تسمية العراقيب تعود تاريخاً إلى الصحابة الذين كانوا يمتطون الجِمال من السعودية إلى مصر للتجارة، ويمرون على هذه القرية.
ولكثرة الجِمال المارة سميت العراقيب نسبة إلى عرقوب الجمل، “وهو ما يكون في رجلها بمنزلة الركبة في يدها، وهي منطقة أسفل الساق”.
ويضيف أن سلطات الاحتلال تحاول طمس وتغيير هذا الاسم من خلال بث المخاوف حوله، وإعادة تسمية بعض القرى المجاورة بأسماء “عبرية”.
يقص “أبو مديغيم” على “وكالة سند للأنباء” قصة العراقيب، التي بدأت منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، فبعد أن احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية عام 1948، حاولت سلطاتها بشكل حثيث إخلاء أراضي النقب بالقوة من سكانها البدو.
وتعرضت أراضي المواطنين في العراقيب للاستيلاء بموجب “قانون حيازة الأراضي” لعام 1953، فيما قالت إسرائيل إنَّ الأراضي في النقب، التي كان يعيش فيها أصحابها الفلسطينيون بين 15 أيار/مايو 1948 و1 نيسان/أبريل 1952، مملوكة للحكومة الإسرائيلية التي صادرت 247 كيلومتراً مربعاً في تلك المنطقة.
يحدثنا ضيفنا أنه في عام 1951 تم ترحيل أهل العراقيب ليتسنى لسلطات الاحتلال إنشاء محل عسكري لتدريب الجيش، إلّا أن فلسطينيي القرية عادوا بعد شهر من الترحيل.
وبالعودة 20 عاماً إلى الوراء، يشير “أبو مديغيم” إلى أن سلطات الاحتلال حاولت “تحريش” أراضي العراقيب، خاصة أراضي الغائبين عن القرية والمهجرين، بذريعة المصلحة العامة، إلا أن الهدف الأساسي يكمن خلف انتهاجها سياسة التوسيع الاستيطاني وبسط النفوذ.
أما الاستنزاف المادي، فتفرض سلطات الاحتلال على سكان العراقيب غرامات بأكثر من 700 ألف شيكل، بذريعة بنائهم غير المرخص على أراضٍ تتبع لحكومة الاحتلال، وفقاً لما ذكره “أبو مديغيم”.
ورغم كل شيء، يلفت ضيفنا إلى أن نضال أهالي العراقيب لا يزال متواصلاً، فالعلاقة بين الأهالي تتسم بالقوة والقرب، مبيناً أن ظلم سلطات الاحتلال أدى إلى مزيد من اللحمة والتشابك.
ويُصر أهالي العراقيب على إعادة بناء بيوتهم البسيطة مرةً تلو الأخرى رغم ما يتكبد ذلك من عبئ وعناء، ما يجعله رعباً يؤرّق سلطات الاحتلال بعدم إخضاع أهالي العراقيب بحسب وكالة سند.