تتجه الأنظار داخل “إسرائيل” نحو طاولة رئيس الوزراء الفائز بنيامين نتنياهو الملقب بـ”الملك”، كونه صاحب أطول مدة كرئيس حكومة إسرائيلية في التاريخ، في ظل تساؤلات مهمة حول مصير ملفات على طاولته مجددا.
وأظهرت نتائج الفرز “شبه النهائية” في الانتخابات “الإسرائيلية”، أول أمس الأربعاء، حصول معسكر رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو على أغلبية واضحة في الكنيست (65 مقعدًا).
وفي وقت سابق، قال نتنياهو إن حزبه “الليكود” حصل على تصويت هائل بالثقة، ولكنه فضل انتظار النتائج النهائية للانتخابات قبل إعلان النصر، مضيفًا لمؤيديه: “نحن أقرب إلى نصر كبير”.
ويقدرّ مراقبون أن السياسة الأمنية “الإسرائيلية” المقرّة من المؤسسة العسكرية والأمنية، ستظل الحاضرة في إدارة الملفات الأمنية تحديدا في الساحتين الأكثر سخونة بالضفة وغزة، مع عدم تأثرها بشكل كبير في متغيرات الحكم “الإسرائيلي”.
وتوقع مراقبون وخبراء بروز المتغير الأهم في السياسات الاستيطانية بالضفة والقدس تحديدًا، بما يركزّ على التمددّ الديمغرافي وصولًا لمليونية المستوطنين في تلك المناطق، تمهيدًا لضمها بشكل فعلي، وهو ما ستركز عليه حكومة اليمين الأكثر تطرفًا.
كلمة الجيش
في قطاع غزة، حيثّ تتجه الأنظار نحو سمائها الملبدة بطائرات الاستطلاع في الفترة الأخيرة، يصف الباحث بالشأن “الإسرائيلي” في مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير خالد شعبان، السياسة “الإسرائيلية” بـ”الأمنية”؛ بحيث تدار وفق سياسات الجيش والمؤسستين العسكرية والأمنية.
ويضيف شعبان: “سياسة الجيش وتوصياته قائمة على مزيد من الانفتاح، تحديدًا في ملف تصاريح العمل تجاه غزة، وهي توصيات لم تتغير لهذه اللحظة وهي القائمة في إدارة المشهد”.
ويوضح: “الملفات التي يمكن أن يحدث فيها متغيرات تتمثل في إمكانية عقد صفقة، خاصة وأن نتنياهو قد أقدم على توقيع صفقة وفاء الأحرار عام 2011م، إضافة لرغبته بأن يكون المحرر لهؤلاء الجنود”.
ويلفت إلى أن هذه الملفات بحكم طول مدتها، قد تشكلّ متغيرًا مهمًا لديه في إنهائها؛ “ليقدم نفسه أنه رئيس حكومة للجميع وليس فقط لليمين المتطرف”.
ورغم تصريحات نتنياهو الأولية برفض اتفاقية الغاز مع لبنان، إلّا أن شعبان يقدرّ بأن هذه التصريحات هي محاولة منه لابتزاز واشنطن “إبقاء الاتفاقية مقابل المساعدة والمساهمة في تشكيل حكومته واستقرارها”.
وينبه شعبان إلى العلاقة المتوترة أساسًا بين الديمقراطيين ونتنياهو، تحديدًا مع الرئيس بايدن الذي يعرف بمواقفه السلبية من نتنياهو.
لكنّ مقابل ذلك، فإن الجبهة الأهم بالنسبة للكيان هي الضفة والقدس، وإضافة لحاجة نتنياهو وحكومته اليمينة لتمرير كل التشريعات التي تضمن التمدد الاستيطاني من ناحية، والمسّ بالوجود الفلسطيني تحديدا في أراضي الداخل المحتل من ناحية ثانية، وفق “شعبان”.
ويوضح: “هذه الإجراءات وإن كانت تأخذ وقتًا، لكنها ستأتي في الطريق، وهذا قد يدفع لمواجهات بين الفينة والأخرى مع غزة تحديدا، التي قد تضطر للدخول على خط المواجهة في حال وجود إجراءات قوية وحاسمة تجاه بعض القضايا التي تتعلق بالضفة”.
مليونية المستوطنين
من ناحيته، يرى الخبير في الشؤون الاستيطانية محمد عودة، أن نتائج الانتخابات هي تعبير حقيقي ومباشر عن “دولة المستوطنين” التي نشأت في الضفة والقدس، وما أفرزته طيلة السنوات الماضية من تأثير حقيقي على مؤسسات الجيش والحكومة .
ويوضح عودة ، أنّ إفرازات العملية الانتخابية تصورّ مشهد الحسم المطلوب في الاستيطان بالضفة تحديدا لصالح فكرة “الزحف الاستيطاني الناعم بالسكان، والحسم الديمغرافي فيها”.
ويبيّن أن المتغير الأخطر في هذه القضية يتمثل في رغبة المستوطنين إقامة “مليونية سكانية” بمستوطنة أرائيل كبرى مستوطنات الضفة، “أي الوصول بشكل فعلي لوجود مليون مستوطن بها، وصولا لإقامة حاجز ديمغرافي يؤدي في المحصلة لضم الضفة بشكل نهائي للحكم الإسرائيلي”.
ويعتقد “عودة” أن “إسرائيل” لم يعد بموسوعها التمدد الجغرافي لعدم وجود مساحات، وتركز اليوم على التعبئة الديمغرافية في المناطق التي استولت عليها، وهذا يعني تحويل كبرى البؤر الاستيطانية بمدن واسعة تكافئ العدد السكاني للفلسطينيين بالضفة، وتفرض عبره واقع السيطرة.
بين فكيّن!
عضو المكتب السياسي لحركة أبناء البلد قدري أبو واصل، يشير من جهته إلى الموقف الأمني والعسكري لنتنياهو الذي ينسجم مع رؤية الجيش، وهو تحدث بشكل سابق عن رغبته بإنجاز عملية تبادل، عارضه فيها ليبرمان وغيرها من أقطاب اليمين السابق.
ويضيف “أبو واصل” ، أنّ الخطاب السياسي لنتنياهو في هذه المرحلة يقوم على استراتيجية حصد الثمن من واشنطن، تحديدا في الملف اللبناني والروسي، “تهديد لكسب أثمان فقط”!
وعلى صعيد الداخل المحتل، فإن الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها نتنياهو ويشاركه فيها المتطرف بن غفير صاحب تصريحات “ترحيل عرب المثلث”، “فهي ستذهب لقوانين أكثر عنصرية تحجم وتحدّ وتفرض خناقا أكبر على فلسطينيي الداخل، تبعًا لضيفنا.
ويرى “أبو واصل” أن هذه التهديدات تفرض على فلسطينيي الداخل ومن خلفهم شعبهم، البحث عن كل أدوات تعزيز الصمود.
وتتزامن الانتخابات “الإسرائيلية” مع تصاعد اعتداءات “إسرائيل” على الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس. واستشهد من منذ مطلع تشرين أول/ أكتوبر 30 فلسطينيًا على يد الجيش الإسرائيلي، فيما اعتُقِل الآلاف.
يُذكر أنه تم إغلاق صناديق الاقتراع في “إسرائيل” الساعة العاشرة من مساء أول أمس الثلاثاء، بعد أن بعد أن جرى فتحها الساعة السابعة صباحًا.
ومن المرجح إعلان النتائج النهائية للانتخابات اليوم الخميس، علمًا أن هذه خامس انتخابات في إسرائيل خلال أقل من 4 سنوات، في ظل استقطاب حاد وعدم استقرار سياسي.