لعلك تتساءل: لماذا ركزتُ على الموضوع الذي فيه كثير من التشعبات؟!
نعم، هذا الموضوع من الأمور الصعبة بالنسبة للشباب والمراهقين سناً وثقافة، ولكن من خلاله يدعي بعض الأدعياء بما لا نتوقعه من أجل التشكيك في السُّنة النبوية، ومن ثم في أقل الأحوال نقول: من الممكن التشكيك في معارف وعلوم القرآن الكريم، إذا لم يكن هو أصل المنطلق من أجل الترويج إلى الزندقة الإبراهيمية والعلمانية الكافرة التي تفصل الدين عن الحياة، لا عن الدستور كما يتصور البعض، أو فصل السياسة عن الدين.
من أخطر هؤلاء مَنْ تطرق لهذا الأمر تشكيكاً في صحيح البخاري د. عدنان إبراهيم، وذلك من خلال رواية تحدث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشمس وحركتها التي لا تتوقف، حيث حاول إبراهيم أن يخرّف الرواية مقابل العلوم الحديثة، رغم توافق الرواية توافقاً عجيباً مع الاكتشافات العلمية الحديثة، وهو يعلم ذلك!
فمن يتابع إبراهيم والمجموعة التي تحمل نفس توجهه، وإن تباعدت بينهم المسافات والأماكن، لا يمكن أن نقول: إنها كمجاميع لا تعمل تحت ظل تنظيمات موحدة لهدف واحد، وأنا شخصياً لو قلت ذلك، فأنا ساذج وغبي!
هذه النوعية تأخذ المسألة من زاوية معينة من الموضوع وفي النهاية نجدهم جميعاً أجمعوا على الطعن في القاعدة الذهبية التي ألَّف البخاري عليها كتابه، والقاعدة التي على أساسها يتم الرد والقبول للرواية.
الرواية التي أراد إبراهيم من خلالها نفي صحة البخاري بادعائه: أن اكتشافات العلم الحديث تنافي نص الرواية ومعانيها وتتضارب معها!
نص الرواية: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (قوله في الشمس): “أتدري أين تذهب؟”، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: “فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال: ارجعي من حيث جئتِ فتطلع من مغربها”.
أولاً، معنى السجود لغة هو الخضوع (لسان ابن منظور)، كما جاء في نص الرواية.
فسجود الإنسان خضوعه، كما نعرفه شرعاً، أما غير الإنسان لا نعلم إلا أنه الخضوع لغة، ولا يوجد مخلوق يستطيع أن يكيف هذا الخضوع كما هو للإنسان الذي كيّفه لنا الشارع جل وعلا، وكل الخلائق لله تسجد، كما بين الله تعالى ذلك في كتابه العظيم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج: 18).
إذاً، لا بد من التسليم والإيمان بالصحيح المنقول من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان تسليماً للرواية أو السُّنة لا يأتي هكذا، فما جاء هذا الأمر إلا بعد أن وضع العلماء القواعد والكثير من الأسس والأصول العلمية للرد والقبول، ومن أرفعها قواعد جمع القرآن، فهي داخلة في معنى قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وأيضاً قواعد الإمام البخاري في القبول والرد، فالطاعنون في هذه القواعد القصد منه النَّيْل من القرآن الكريم، وذلك بعد قبول الطعن في صحيح البخاري، والقواعد التي على أساسها ألَّف المؤلف، فرد البخاري هو مقدمة لرد ما هو أعظم.
إن الحديث الذي أراد إبراهيم أن يطعن فيه رواه البخاري في صحيحه، فهو صحيح سنداً ومتناً وواقعاً علمياً حديثاً.
في الرواية فائدة، وهذه الفائدة هي نور سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمسك زمام جوامع الكلم والبلاغة، قال كما في الرواية عن الشمس: “فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش”، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: “تغرب تحت العرش”، وإن كان الغروب أحياناً يأتي بمعنى الذهاب في حدود معينة، أو التورية لغة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تذهب”، وهذا دليل السير والجريان وعدم التوقف بذاتها، فالذهاب يشمل حركتها بذاتها، وحركتها القسرية بذات غيرها من خلال المجرة والذراع الذي هي فيه، لا دلالة على الغروب الذي أراد إبراهيم أن يشكك من خلاله في صحة الرواية ويحصر الذهاب بالغروب فقط، ومن ثم التشكيك في صحة البخاري لعدم توافقه علمياً مع الاكتشافات الحديثة!
تذهب، كما يزعم إبراهيم، لفظة فيها من العلم الآني، والعلم والاكتشاف المستقبلي حسب الإدراك العلمي والعقلي للبشرية واكتشافاتها والزمن الذي يتحدث فيه، فقال: “تذهب”؛ أي الشمس تذهب، فكان فهمها لعصور كثيرة تغرب، ولكن اللغة تحتمل غير ذلك وهي الأصل، تحتمل أيضاً حركة الشمس بذاتها وهذا هو الأصل، وتحركها أيضاً من خلال ذراع “أيوريون” في المجرة مع ملايين أو مليارات الكواكب والنجوم إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى، لأن الغروب ليس سببه حركة الشمس حسب اكتشافات العلوم الحديثة بقدر ما سببه حركة الأرض حول نفسها مقابل الشمس، كما يعلم د. إبراهيم وأمثاله.
يتبع..
___________________
إعلامي كويتي.