توصَف “معركة السمّوع” التي دارت في مثل هذا اليوم من عام 1966 بأنها كانت مفصلية في تاريخ المنطقة العربية، كونها مهدت لاحتلال إسرائيل ما تبقى من فلسطين وإنهاء الحكم الأردني للضفة الغربية.
وشهدت المعركة اشتباكات مباشرة بين الجيش الأردني المتمركز في بلدة السمّوع (جنوبي الخليل)، وجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان قد احتل الجزء الأكبر من فلسطين في نكبة 1948.
وتقع السمّوع جنوبي الضفة الغربية التي ظلت تحت الحكم الأردني حتى احتلتها إسرائيل في حرب 1967.
ووقعت المعركة فجر وصباح 13 نوفمبر 1966، عندما هاجمت قوات إسرائيلية مدعومة بعشرات الآليات العسكرية وبسلاح الجو، قرية السّموع، وتصدى لها جنود الجيش الأردني وسكان البلدة بما أوتوا من إمكانات.
ولا يزال الحاج عبد الفتاح عبد العزيز المحاريق (90 عاماً) يستذكر جيداً تفاصيل معركة السموع، والمواجهة مع جيش الاحتلال الذي استعان بالطائرات لمهاجمة المقاومين والجيش الأردني.
يرجع التسعيني “محاريق” بذاكرته لذلك الزمن، ويروي: “كنت أخدم في الجيش الأردني قبل معركة السموع، وبعد ذلك توليت قيادة مجموعة من المقاومين الفلسطينيين لحراسة البلدة التي كانت تلفها الخنادق؛ لمنع اقتحام جيش الاحتلال لها، ويتناوب الشبان على التواجد داخل هذه الخنادق باستمرار”.
قبل المعركة بـ 48 ساعة، وصل خبر يفيد بنية الاحتلال اقتحام قرية السموع، بحسب “محاريق”، ويسرد:”الجيش الأردني لم يرسل التعزيزات في الوقت المناسب، فتمكن الإسرائيليون من اقتحام السموع، وقد استخدموا الطائرات في استهداف طلائع الجنود الأردنيين القادمين للنجدة قبل وصولهم للسموع”.
بكلمات لا يقطعها سوى استذكار اللحظات العصيبة، يقول ضيفنا التسعيني:”صباح يوم الهجوم على القرية، كنت في بيتي، سمعنا صوت المدفعية، فحملت سلاحي وخرجت برفقة زوجتي صوب أحد الكهوف، ولولا تحذير أحد الجيران بوجود دبابة إسرائيلية لتم استهدافنا مباشرة”.
وبعد معركة حامية دارت رحاها بين الجيش الأردني والاسرائيلي انسحب الإسرائيليون بعد خسائر كبيرة في صفوفهم، بينهم ضابط كبير تم قتله بالقرب من منزل المحاريق، كما يروي لنا.
تعطيل القنابل..
وبحكم الخبرة العسكرية السابقة لـ “محاريق” في المتفجرات، فقد نجح بتعطيل قنابل فخخ الاحتلال بها عدد من منازل البلدة، ورغم ذلك تم تفجير عدد من المنازل، واستشهد من البلدة رجلان وإمراة، وعدد من الجنود الأردنيين.
مشاهد القتل والتفجير والتهجير من بلدة السموع، لم تغب أيضا من ذاكرة الحاج محمد سالم العنيد “أبو أسامة”، الذي لم يكن يومها يتجاوز الخامسة عشر من عمره، عندما اضطر مع عائلته لمغادرة منازلهم خوفاً من القصف الإسرائيلي.
ويحكي السبعيني “العنيد” تفاصيل ما شاهده في ذلك اليوم:”حشد الجيش الإسرائيلي جنوده وقواته في محيط القرية، واقتحمها فجرًا بعشرات الدبابات والآليات العسكرية، تحت حماية من الطائرات التي ضربت سرية للجيش الأردني داخل البلدة”.
ولجأ “العنيد” مع عائلته إلى أحد الكهوف للحماية من القصف الإسرائيلي، لكنه ما زال يتذكر كيف كان الرصاص يتطاير من فوق رؤوسهم، في حين لم تنقطع أصوات إطلاق النار المتبادل على مدار خمس ساعات، قبل انسحاب الاحتلال قرابة الساعة الحادية عشر ظهراً.
ومن المشاهد التي لا تزال محفورة في الذاكرة يسرد العنيد: “أحد الجنود الأردنيين استمر في المواجهة، وإطلاق النار على دبابة إسرائيلية حتى وصلت إليه واستشهد، ومئات الرصاصات التي كانت بجانب الجنود الذين تصدوا للاقتحام حتى الرمق الأخير جنبًا إلى جنب مع المقاومين من البلدة رغم قلة الإمكانيات لديهم”.
توثيق تاريخي..
الباحث والمشرف التربوي من بلدة السموع محمد إبراهيم البدارين أعد بحثاً بعنوان “معركة السموع أسباب ونتائج ودلالات”، وتمكن من توثيق شهادات حية وجمع وثائق تاريخية توضح تفاصيل المعركة وما جرى خلال خمس ساعات فجر يوم الأحد الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1966.
ووفقاً لما يرويه “البدارين” فإن السبب الرئيسي لمعركة السموع يعود إلى ادعاء الاحتلال وقوع عمليتين إحداهما في السابع والعشرين من تشرين أول/أكتوبر، بانفجار لغم في سيارة عسكرية قرب مستعمرة محاذية للسموع، وتفجير آخر يوم في الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر استهدف سيارة عسكرية؛ وأدى لمقتل ثلاثة إسرائيليين، واتهم الاحتلال فدائيين من منظمة التحرير بالوقوف خلفها، وأن آثار المنفذين أوصلتهم إلى خط الهدنة قرب البلدة.
ويُردف “البدارين” أن لواء دبابات مكون من 80 دبابة أمريكية، و80 مصفحة حاملة للجنود، و12 طائرة ميراج شاركت بالعملية، كما وصل إلى أطراف السموع قرابة 4000 جندي إسرائيلي دخل القرية منهم 400 عنصر، والبقية كانت مهمتهم حصارها من الخارج.
وعن مجريات وتفاصيل المعركة يحدثنا: “تقدمت قوات الاحتلال من جهتي رافات قرب السموع، ومن منطقة منيزل “رجم المدفع” على أطراف البلدة، وفي الموقعين كان هناك أفراد من القوات الأردنية، وتم مهاجمتهم ونسف الموقع الخامسة فجرًا، وكان هناك قصف ونسف للبيوت، ومن ثم دخول المشاة ومقاومة شرسة من السكان وبعض القوات الأردنية”.
ويتابع “البدارين”: “وصلت التعزيزات إلى السموع من القوات الأردنية، وتم استهدافها بقصف إسرائيلي على حدود البلدة”.
الخسائر..
ووفقاً لما أحصاه “البدارين” فإن الخسائر التي تكبدها الاحتلال تمثلت بما أعلن عنه حينها وقوع 50 جندي بين جريح وقتيل وتدمير 3 دبابات، وإعطاب سبعة أخرى، وتدمير 12 مركبة عسكرية، وقتل قائد العملية يواف كهان قائد لواء المظليين.
أما عن الخسائر بالجانب الفلسطيني، فتمثلت بثلاثة شهداء من السموع بينهم إمراة، وشهيد آخر من يطا، بينما تم الحديث عن نسف 125 منزل، إلا أن “البدارين” أحصى بالأسماء نسف 35 منزلاً.
وأعلن الجانب الأردني، وفقاً لـ “البدارين”، عن استشهاد 25 عسكريًا من جنوده وهم من تم إحصاء أسمائهم من الضفة الغربية من دورا وقرى رام الله، ومن الكرك والطفيلة بالأردن، وبينهما الطيارين محمد ضيف الله الهباهبة الذي تم إسقاط طائرته وأسره من ثم استشهد بعد اعتقاله، والطيار موفق بدر السلطي الذي تم تكريمه بإطلاق اسم مدرسة ابتدائية في السموع على اسمه.
لكن مصادر أخرى تحدثت أن عدد الشهداء أكبر من ذلك، وقد تجاوز مئتي شهيد بعد قصف التعزيزات القادمة للسموع.
ويصف الباحث ما جرى في معركة السموع بالمقاومة الفردية الكبيرة التي لم تكن منظمة، لكن الجنود الأردنيين تم مساعدتهم في أزقة المنازل داخل القرية، وتم استهداف الجنود الإسرائيليين بين منازل القرية.
ويعتبر “البدارين” أن الهدف الأساسي من المعركة تمثل بجس نبض العرب والأردن لمرحلة الحرب عام 1967، خاصة وأنه قبل شهور من المعركة تم مهاجمة قرية رافات قرب السموع ونسف بعض المنازل.
ويتوقع ضيفنا أن الاحتلال لم يكن يريد الانتقام عبر هذه العملية، وإنما مناورة حول قدرة الجيش على احتلال الضفة وطبيعة المقاومة من قبل السكان، حيث كان هناك خطة لبداية حرب عام 1967 في مقدمتها معركة السموع، حسب قوله.