شهدت تونس واقعة هي الأولى من نوعها في البلاد وفي الوطن العربي، وهي إجراء أول عقد زواج يكون الشاهد عليه امرأتين؛ أم العريس وأم العروس.
وبحسب ما نشرته الكاتبة التونسية ألفة يوسف، عبر حسابها الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي، تم عقد قران ابنتها إيلاف على الشاب رامي، وكانت هي ووالدة العريس شاهدتين على عقد الزواج.
وتشهد الجمهورية التونسية حالة من الجدل، بعد تعديلات عديدة على قانون الأحوال الشخصية، خاصة فيما يتعلق بقواعد الزواج والطلاق والميراث.
وفي عام 2017، قررت تونس إلغاء جميع القوانين التي تحظر زواج المرأة التونسية من غير المسلم، رغم الجدل الذي استمر حوله لأشهر، والاعتراضات على ذلك من داخل البلاد وخارجها.
وقال الشيخ د. سامح الجبة، أحد علماء الأزهر، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، العضو المؤسس للمجلس الأوروبي للأئمة: إن الشهود في عقد النكاح لها حالات، مبيناً أن الحالة الأولى هي أن يكونوا ذكوراً، فشهادتهم صحيحة بالاتفاق إن توافرت فيهم بقية الشروط، أما الحالة الثانية فهي أن يكن نساءً فقط، فإن عقد النكاح بشهادة امرأتين فالعقد غير صحيح في مذهب الإمام أحمد، والشافعي، وظاهر مذهب أبي حنيفة، وقال بهذا الرأي الإمام مالك، فقد سئل عن شهادة المرأة في القصاص فقال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القصاص ولا في الطلاق ولا في النكاح، ولا تجوز شهادتهن فيه على شهادة غيرهن في شيء من هذه الوجوه.
وأكد الجبة أن الأدلة على الرأي الثاني تتمثل في قول الزهري: مضت السُّنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق، وأيضاً لأن النكاح عقد ليس بمال ولا يقصد منه المال، ويحضره الرجال في غالب الأحوال؛ فلم يثبت بشهادتهن كالحدود، مبيناً أن هذا القول مرويّ عن عدد من التابعين، مثل: إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وابن المسيب، وقتادة، وربيعة، وعمر بن عبدالعزيز.
وتابع الجبة: أما إن كان النكاح بشهادة رجل وامرأتين، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين؛ الأول: يصح عقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين، وهذا هو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، فقد رُوي أنه قال: إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز، فإن كان معهن رجل فهو أهون، فأثبت ذلك القاضي وجماعة من أصحابه رواية، ومنع ذلك أبو حفص العكبري وقال: قوله هو أهون يعني في اختلاف الناس، وقال ابن قدامة في المغني: ويحتمل أن أحمد إنما قال: هو أهون؛ لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية، وقد ذكرها رواية في الكافي، والمقنع، ونص المرداوي في المسألة على الروايتين، أما القول الثاني: لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين، وهو مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.
وأوضح أن أدلة القول الأول تتمثل فيما رواه سعيد بن منصور بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجاز شهادة النساء مع الرجل في النكاح، وروي أيضاً عن الشعبي أنه كان يجيز شهادة النساء مع الرجل في النكاح والطلاق، أما أدلة القول الثاني فتتمثل في قول الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) (الطلاق: 2)، قالوا: فلما أمر الله في الرجعة بشاهدين وهي أخف حالاً من عقد النكاح كان ذلك في النكاح أولى، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، وهذا إنما يطلق على الذكور دون الإناث، واستدلوا أيضاً بالآثار السابقة التي تدل على عدم صحة شهادة النساء في النكاح.
واختتم الجبة قائلاً: والخلاصة التي تظهر من السؤال هو أنه من النوع الثاني الذي يكون فيه الشهود نساء فقط، وهذا لا يجوز على المذاهب الأربعة لما ذكرته من الأدلة؛ وبالتالي يكون عقد الزواج فاسداً، فإن شهدن أو احتيج لهن لعدم وجود رجل آخر فتجوز شهادة المرأتين مع الرجل ويصح العقد، والله أعلم.
ويقول د. شكري مجولي، المنسق العام لهيئة علماء ودعاة تونس في أوروبا: عقد الزواج من أجلّ العقود في الإسلام، جعله الله رباطاً بين الرجل والمرأة ليكون أساساً لبناء الأسرة المسلمة.
والزواج الشرعي له ضوابط وشروط لا بد أن تتوافر فيه، وإذا فقد شرطاً منها كان النكاح باطلاً، وسارت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة محرمة؛ مما يؤذن بفساد عريض وشر مستطير يهدد أركان المجتمع ويهدم بناء الأسرة.
وحدثت أمس نازلة في تونس من النوازل التي لم نرها من قبل، وخالفت أعراف التونسيين وخالفت دينهم وخالفت المتعارف عليه في الزواج في بلد إسلامي يدين بالإسلام.
ونظرا لهذه النازلة، أردت أن أبين الحكم الشرعي لهذا العقد وهذا الزواج.
بداية، ما شروط عقد الزواج في الإسلام؟ شروط صحة الزواج معلومة ومعروفه عند المسلمين، وهي 4 شروط:
1- الأول: القبول والإيجاب؛ لا بد من القبول من الزوجين بهذا الزواج وبدون إكراه.
2- الثاني: وجود الولي؛ وهو ركن من أركان الزواج، ويكون الزواج باطلاً إذا حصل بدون إذن الولي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، ولا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها.
3- الثالث: الشهود؛ فلا بد من الإشهاد على الزواج، والشهود يمكن أن يكونوا أكثر من اثنين، لكن لا يقل في العادة عن اثنين، قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)، فلا بد أن يكون الشاهد عدلاً؛ أي أن يكون إنساناً معروفاً بالصلاح والصلاة وبالقوة وبالعدل.
4- الرابع: المهر؛ وهو مبلغ يتفق عليه بينهما حسب الاستطاعة قلّ أو كثر.
ففي هذا الزواج الغريب الذي لم نر مثله في تونس ولن نرى مثله في المستقبل إن شاء الله، في هذه الزيجة اختلت هذه الأركان، ولم تستوف هذه الشروط، وبالتالي يعد هذا الزواج باطلاً من الناحية الشرعية، وفقاً لمجله الأحوال الشخصية التونسية.
حيث رأينا أن المرأة باشرت هذا الزواج بإجراء عقد الزواج في عدم وجود ولي العروس، ولم نره من خلال الصور التي شاهدناها، المسألة الأخرى هي أن الشاهدين من النساء، وهذا أمر غريب وعجيب لم نسمع به من قبل ولم يحصل من قبل في أي بلد من البلدان الإسلامية؛ وبالتالي فإنه لا تجوز شهادة امرأتين في الزواج.
فرغم وجود اختلاف فقهي حول شهادة المرأة في الزواج؛ حيث لا يرى المالكية والشافعية والحنابلة بجواز شهادة المرأة في عقود الزواج وفي الحدود.
فيما قال الأستاذ بكلية الشريعة في جامعة قطر د. محمد عبداللطيف: رموز الفكر الحداثي لن يتوقفوا عن محاولات تَقْنِين الخروج على الأحكام الشرعية، وعن السعي إلى تعميم هذا التَّقْنِين، في ظل الدعم الذي يَحْظَوْنَ به من دوائر في الداخل وفي الخارج.
ويقول الشيخ سلامة عبدالقوي، من علماء الأزهر، مستشار وزير الأوقاف الأسبق: مسألة إشهاد المرأة على عقد النكاح مسألة اختلف العلماء فيها إلى ثلاثة آراء:
الأول: رأي المانعين، الذين يقولون بمنع شهادة المرأة على عقد الزواج سواء مع وجود رجل أو مع غير وجود رجل، وهذا المذهب أو هذا الرأي للشافعية والمالكية والحنابلة، واستدلوا في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، ولا خلاف بين أصحاب هذه المذاهب في هذه المسألة.
الثاني: رأي الأحناف الذين يقولون: إنه يجوز للمرأة أن تشهد على عقد الزواج مع وجود رجل؛ يعني رجل وامرأتين، واستدلوا بقول الله تبارك وتعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة: 282).
فشهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل، ويقول الأحناف، وهم أصحاب هذا الرأي: إن الآية هنا لم يستثن فيها الله تعالى شهادة امرأتين في شيء محدد، إنما شهادة امرأتين كشهادة رجل مع وجود رجل آخر، وبذلك تكتمل الشهادة على عقد الزواج.
الثالث: رأي الإمام ابن حزم الظاهري، وذكره في كتابه “المحلى” لابن حزم في المجلد السادس (ص266 أو 288) يقول فيه: إن الأصل في الشهادة على الزواج رجلان، ولكن إذا لم يوجد الرجلان فيمكن أن يحل محلهما أربع نساء، واستشهد أيضاً بنفس الآية: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)، ورد على أصحاب الرأي الأول بأن الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، إن شاهدي العدل يمكن أن تطلق على الرجال وعلى النساء أيضاً.
ويتضح لنا من هذه الآراء ومن مناقشتها أن جميع المذاهب لا خلاف بينها في أن تكون هناك شهادة في الزواج، ولكن الخلاف في وجود المرأة أو في عدد النساء اللائي يشهدن؛ هل هما اثنتان عن كل رجل، أم أربع نساء إذا لم يوجد رجال.
نحن نوضح هذه المسالة؛ لأنه في بعض الأماكن لا يوجد شهود مسلمون، وهنا يجب أن نؤكد أن الشهادة في عقد الزواج لا تكون إلا من مسلمين، فمن شروط صحة الشهادة أن الشاهد يكون مسلماً.
ففي هذه الحالة ماذا يفعل؟! نأخذ برأي الأحناف بأنه لو وجد رجل مسلم مع اثنتين مسلمتين فلا مانع، وأيضاً نقبل بوجود أربع نساء مسلمات إذا لم يكن هناك شهود رجال مسلمون عملاً برأي الإمام الظاهري بن حزم ومن قال بقوله.
أما بالنسبة للواقعة التي وقعت في تونس أن الشهود اثنتان فقط من النساء على عقد الزواج، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم أبداً!
وبالتالي هذا أمر عجيب وغريب ولا يوجد حتى عند أحد من أهل الآراء سواء قديماً أو حديثاً.
إذاً، ما حكم هذا العقد شرعاً؟
شرعاً عقد الزواج الذي شهدت فيه امرأة أو امرأتان فقط على العقد فحكم الشرع أنه عقد فاسد، وهناك فارق بين الفاسد والباطل، فالباطل هو منسوف الأصل وفاسد من حيث الوصف ومن حيث الأصل؛ بينما العقد الفاسد يكون فاسداً من حيث الوصف لا من حيث الأصل.
يعني العقد الفاسد لا يمكن أن نقول: إن الذي يترتب عليه هو زنى؛ إنما يترتب عليه شبهه الزواج.
وفي هذه الحالة ماذا يجب علينا فعله؟
يجب علينا تعديل المسار، ويتم استكمال العقد مرة أخرى بوجود رجل مع هاتين السيدتين، أو رجلين، ويتم إعلان العقد بعد ذلك، هذا من الناحية الشرعية.
لكنَّ هناك أمراً لا يغيب عن أذهان المسلمين، أن العلمانيين وأصحاب الحداثة يمشون دائماً في طريق “خالف تُعرف”، وكأنهم جاؤوا بما لم يأت به الأوائل، وهو أمر غاية في الخطورة.