ليسوا كباقي أطفال العالم، فطريقهم إلى المدرسة محفوف بالمخاطر، وليلهم قد يتحوّل للحظات رعب على وقع اقتحامات يومية، وانتهاكات لا تقف أمام أي احترام لقوانين دولية أو أخلاق إنسانية، حتى باتت أعداد الأطفال الشهداء تعدّ بالعشرات، دون أن يرف جفنًا لقاتلهم.
فبينما يحتفل العالم في اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف اليوم 20 نوفمبر من كل عام، يلملم الفلسطينيون جراحهم بفقدهم عشرات الأطفال ممن ارتقوا شهداء، ويستذكرون فلذات أكبادهم الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ بداية العام الجاري، حكمت آلة الموت الصهيونية على 57 طفلًا بالإعدام، في حين يقبع 160 آخرون في مقابر للأحياء (السجون)، خلف أسوار شاهقة وقضبان حديدية شوّهت معالم طفولتهم وبراءة أعمارهم.
الشهداء الأطفال..
ووفقاً لمعطيات من وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 57 طفلاً فلسطينيًا استشهدوا من الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 41 طفلاً بالضفة الغربية، و16 طفلاً من غزة منذ بداية العام الحالي حتى يوم تاريخ إعداد التقرير 17 تشرين ثاني/نوفمبر الجاري.
وتشير المعطيات الى أن 39 طفلاً وطفلتين من الضفة الغربية استشهدوا، بينهم عشرة أطفال دون الثانية عشرة من أعمارهم.
وخلال هذه الفترة منذ بداية العام استشهد 16 طفلاً من جنين، وثمانية من رام الله، وخمسة من نابلس، وخمسة آخرين من بيت لحم، وطفلين من القدس، وثلاثة من الخليل، وطفل في كل من قلقيلية وسلفيت.
تصاعد الانتهاكات..
مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش، يعتبر أن الانتهاكات التي وقعت ضد الأطفال هذا العام، تمثل استمرارًا للانتهاكات خلال الأعوام الماضية، وسط تصاعد في وتيرة انتهاك الحق في الحياة خاصة في الضفة الغربية.
ويشير “قطيش” إلى أن مستوى الانتهاكات ضد الأطفال فيما يتعلق بالاعتقال وإساءة المعاملة كانت ضمن المعدل والوتيرة خلال الأعوام السابقة، كونها مرتبطة بوجود الاحتلال، وفي سياساته القمعية ضد المواطنين والأطفال.
ويلفت ضيفنا لتصاعد وتيرة قتل الأطفال من قبل الاحتلال، مقارنة مع العام الماضي الذي شهد قتل 17 طفل فلسطيني بالضفة الغربية، في حين تم توثيق استشهاد 32 طفلًا هذا العام، كما تم توثيق استشهاد 60 طفلاً العام الماضي في غزة، وخلال هذا العام تم توثيق استشهاد 17 طفلاً خلال ثلاثة أيام في العملية العسكرية ضد القطاع في شهر أغسطس الماضي .
ويرى أن هذا العام شهد انتهاكات بحق التعليم للأطفال، وهدم منازل عائلاتهم، كما سجل تصاعداً في اعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية ضد الأطفال.
ويردف: “الاحتلال لا يلتفت لأدنى اعتبار للقوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بالأطفال، ففي عمليات القتل كان يوجد لدى الاحتلال بدائل أخرى غير إطلاق النار المباشر عليهم، وكذلك استخدام الأعيرة النارية الحيّة لفض المظاهرات والحشود التي كان من بينها الأطفال؛ وذلك لعدم وجود مساءلة لدولة الاحتلال ولجنوده على هذه الانتهاكات”.
ويُكمل أن “التعذيب وإساءة المعاملة بحق الأطفال الأسرى، يتم استخدامه بطريقة ممنهجة وواسعة”، مستطردًا: “أن جميع الأطفال تعرضوا للتعذيب وإساءة المعاملة بهدف انتزاع اعترافات تشكل دليل إدانة أمام المحاكم الإسرائيلية، التي تفتقر لكل معايير المحاكمة العادلة”.
طلبة المدارس في دائرة الاستهداف..
ولم يسلم طلبة المدارس أيضًا من جرائم وانتهاكات الاحتلال، والتي توزعت ما بين القتل والإصابة ومنعهم من الوصول للمدرسة.
ووفقاً لبيانات من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عن انتهاكات الاحتلال خلال الشهور الثمانية الأولى من هذا العام، فقد سجّل في تلك الفترة استشهاد 18 طالباً كانوا يدرسون أو غادروا الدراسة قبل فترة وجيزة، بينما سجلت الوزارة خلال العام الماضي 2021 استشهاد 15 طالباً .
وتشير بيانات الوزارة إلى أن الاحتلال اعتقل حتى أغسطس الماضي 115 طالباً، وأصيب 57 آخرين، بينما سجّل في العام الماضي اعتقال 90 طالباً، وجرح 3450 طالباً.
كما تعرض خلال هذه الفترة 40 طالباً للاحتجاز من جيش الاحتلال، وسجل تأخير ومنع وصول للمدرسة بسبب الاحتلال وإجراءاته أكثر من 4834 حالة، مما حرم الطلبة من 887 حصة بشكل كلي أو جزئي، بينما سجل 119 اعتداء من جيش الاحتلال ومستوطنيه على الطلبة ومدارسهم.
وتعد مدارس مسافر يطا جنوب الخليل من أكثر المناطق التي يتعرض لها الطلبة لانتهاكات متعددة طوال العام، خلال تنقلهم من البيت للمدرسة، حيث يدرس قرابة 300 طالب في أربعة مدارس في تجمعات مسافر يطا جنوب الخليل.
ويوضح مدير مدرسة المسافر الثانوية المختلطة هيثم أبو صبحة، أن 100 طالب يدرسون في المدرسة المخطرة من الاحتلال بالهدم، وهي المدرسة الثانوية الوحيدة بالمسافر، ويقصدها الطلبة من مساحة قطرها 10 كم، ومن سكان 12 تجمعاً سكانياً بالمسافر.
ويذكر أبو صبحة أن المدرسة الواقعة في قرية الفخيت التي لا تتوفر في الطريق الواصل إليها بنية تحتية وطرقًا معبدة، مما يصعب وصول الطلبة إليها وسط انتهاكات بحقهم.
ويضيف: “خلال الربع الأول من العام الدراسي الحالي منع الاحتلال وصول عشرات الطلبة للمدرسة، ومنع السيارات من المرور وسط انتظار الطلبة لساعات طويلة على الحواجز تحت أشعة الشمس”.
كما يتعرض الطلبة لاعتداءات من قبل المستوطنين في منطقتي الشفا والعرقوب قرب المدرسة، أثناء ذهابهم وإيابهم من وإلى المدرسة، مما أثّر على العملية التعليمية والحالة النفسية بسبب الخوف الذي يرافقهم، كذلك من الآليات الكبيرة لجيش الاحتلال في تدريباته بالمنطقة.
عدا عن المخاوف من الطرق الوعرة التي يسلكونها للالتفاف على الحواجز، وخطر تعرضهم لمخلفات الجيش وذخائره .
ويضطر الطلبة من مدارس جنبا الاساسية والمجاز الاساسية وشعب البطم بعد الصف التاسع في مسافر يطا، للانتقال إلى مدرسة المسافر الثانوية التي يدرسون فيها للصف الثاني عشر، ويقطع بعض الطلبة يومياً 10 كم يومياً ذهاباً وإياباً من وإلى المدرسة.
الأسرى الأطفال..
ولم يسلم الأطفال الفلسطينيين خلال هذا العام من الاعتقالات في الضفة الغربية ومدينة القدس، خلال الانتهاكات اليومية باقتحام منازل عائلاتهم والاعتداء عليهم.
ويقبع في سجون الاحتلال 160 طفلاً، ووفق ما أفاده نادي الأسير الفلسطيني.
من جانبه، يرى المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، أن استهداف الأطفال مستمر ومتصاعد من حيث الاعتقالات وسوء ظروف الاحتجاز والتعذيب والغرامات والحبس المنزلي.
ويبين “فروانة” أنه تم رصد اعتقال أكثر من 760 طفل منذ بداية العام لفترات متعددة، بينهم 120 طفلاً خلال الشهر الماضي، وهناك 160 طفلاً أسيراً لا زالوا في سجون الاحتلال بعضهم محكوم لسنوات طويلة.
ويرى أن الخطورة فيما يتعرض له الأطفال تكمن في طبيعة المعاملة والإجراءات، التي تصاعدت بحقهم وبشكل الاعتقال والضرب والتعذيب والحرمان، إضافة للحبس المنزلي بحق أطفال القدس، وازدياد الغرامات المالية الباهضة، عبر استهداف ممنهج للطفولة الفلسطينية يؤثر على واقعهم ومستقبلهم خاصة إذا ما طالت فترة الاعتقال بحسب وكالة سند.
ويتابع ضيفنا: “الاحتلال لا يحترم أي معايير للقانون الدولي أو اتفاقيات حقوق الطفل خلال اعتقال الأطفال وفي ظروف احتجازهم والتحقيق معهم، بل يمعن بانتهاك حق الطفولة الفلسطينية عبر سياسة ممنهجة، تتمثل باستمرار التعذيب والإهمال الطبي ومنع الزيارات ولقاء المحامين، وإصدار أحكام قاسية وعالية بحقهم.
كما يعيش الأطفال الأسرى بذات الظروف التي يعيشها الأسرى البالغين خلال اعتقالهم والتحقيق معهم، وتمارس ضدهم أوجه التنكيل ذاتها، كعصب العينين، والإهانة أمام أفراد عائلاتهم خلال الاعتقال، ولا استثناء فيما يتعلق بالتحقيق وغرف التعذيب ذاتها ويحتجزون في نفس الأقسام فترة التحقيق، وفق فروانة.