يتنازع المرأة المسلمة في العصر الحديث اتجاهان متضادان، أحدهما يرى أنه لا يجوز لها أن تخرج من بيت أبيها إلا إلى بيت زوجها، حتى قال بعضهم: “إن المرأة لا تخرج من بيتها في حياتها إلا مرتين: مرة إلى بيت زوجها، والأخرى إلى قبرها”، وانطلاقاً من هذا الاتجاه حُرمت المرأة المسلمة في بعض بلاد المسلمين من التعليم وانتُزعت حقوقها وأصبحت تمثل صورة مشوهة لنظرة الإسلام للمرأة.
واتجاه مضاد يرى أن للمرأة الانطلاق بلا قيد، والتحرر من كل ضابط، والتخلص من كل رقابة، حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاتها وخوفها على نفسها من الذئاب البشرية، فلتتحطم هذه الرقابة، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعها بالحياة، وحتى لا تفسد عليها نشوة اللذة، ويترتب على ذلك وجوب ترك المرأة وشأنها تفعل ما تشاء وتترك ما تشاء بدون قيود ولا ضوابط، ولا رقابة، وعلى المجتمع أن يسلم بذلك الحق، وعلى الحكومات الإسلامية أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها.
هذا هو اتجاه الغرب وتلاميذه في الشرق، فلا دين يحكم المرأة، ويكبح جماحها، ولا أخلاق تهذب طباعها، وتوقظ مشاعرها، وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء، ولا مُثُل، ولا فضائل، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها، ولا حياء يمنعها من ارتكاب الشطط والمجاهرة بالمنكر.
ولقد ركز أصحاب هذا الاتجاه جهدهم حول المرأة، فعملوا على إخراج المرأة من بيتها باسم الحرية والتحرر، وأقحموها في مجالات العمل المختلفة البعيدة عن اختصاصها والمتنافرة مع خصائصها، فقضوا بذلك على أنوثتها، وعلى الأسرة والبيت باسم الحرية والتحرر، وخلعوا عنها حجابها، وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها، ليشبعوا بذلك نهمهم الجنسي باسم الحرية والتحرر، وانتزعوها من حمى حاميها وراعيها وحافظها (الرجل) بتحريضهم لها على التمرد على قوامته ليسهل لهم غوايتها وتحقيق مآربهم منها، وتركوها تختلط بل أرغموها على الاختلاط بالرجال، والخلوة بهم، فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحيائها باسم الحرية والتحرر.
وبين هذين الاتجاهين المرفوضين يأتي الاتجاه الوسط الذي ينظر إلى المرأة على أنها ميزان الاعتدال في الأسرة فإن اختل هذا الميزان انهار المجتمع، وعلى أنها نصف الحاضر وكل المستقبل، حيث أنها تقوم على تربية النشء -بنين وبنات- الذي سيتكون من لبناته المجتمع.
إن الاتجاه الوسطي ينادي بأن النساء شقائق الرجال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال” (رواه أحمد)، ويؤكد أن الأصل التكويني للرجال والنساء واحد، فالإنسان بدأ وجوده منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام، ومن آدم خلق الله الشطر الثاني للإنسان فاجتمع منهما زوجان، ثم بث الله منهما عن طريق التناسل المتتابع ذكراناً وإناثاً، وفق مشيئته تعالى، هكذا أكد القرآن الكريم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1).
فالأصل التكويني للناس ذكوراً كانوا أو إناثاً هو أصل واحد، ولا يؤثر في وحدة الأصل أن أحد الصنفين يمتاز ببعض الخصائص التي تتلاءم ومهماته ووظائفه في الحياة، وأن الصنف الآخر يمتاز ببعض خصائص أخرى تتلاءم ومهماته ووظائفه، ليتكامل الشطران في تأدية وظائف النفس الإنسانية في هذه الحياة.
فلتطمئن المرأة إلى التكريم العظيم الذي كرمها به الإسلام، إذ أعلن بصريح نصوصه أنها مع الرجل من نفس واحدة، فالعنصر التكويني لكل منهما واحد، إلا أن الرجل تفرد ببعض خصائص تناسب المهمات والوظائف المهيأ للقيام بها، وأن المرأة تفردت ببعض الخصائص التي تناسب المهمات والوظائف المهيأة للقيام بها، وكمال كل من الرجل والمرأة يكون باستيفائه لخصائص صنفه، فلا يكمل الرجل ما لم تكمل ذكورته، ولا تكمل المرأة ما لم تكمل أنوثتها.
والذين يريدون من المرأة أن تنافس الرجل في خصائصه إنما يدفعونها إلى أقبح حالات النقص التي تعتري بعض النساء، ومحرضو المرأة على تجاوز واقعها التكويني، ومهماتها التي اصطفاها لها الإسلام بحسب خصائصها، إنما يريدون منها أن تركع لأهوائهم وأنانياتهم.
وقد قرر الإسلام أن المرأة كالرجل مسؤولة مسؤولية كاملة عن الأمور الدينية تجاه ربها، وتجاه المجتمع الإسلامي، وأن حكمها حكم الرجل في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب، لأنها مزوّدة بكل العناصر التي تؤهلها للتكليف.
ولذلك كانت المرأة مسؤولة عن إعلان الإسلام، وهي في ذلك تقف مع الرجل في مرتبة واحدة، وتعامل مثل معاملته، ومتى أعلنت إسلامها فنطقت بالشهادتين عصمت دمها ومالها إلا بحق الإسلام وحسابها على الله تعالى.
والمنافقات من النساء كالمنافقين من الرجال، والمشركات منهن كالمشركين منهم، والكوافر منهن كالكفار منهم، يستقبلون جميعاً عند الله نصيبهم من العذاب، قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزاب: 73).
وقال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً {5} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} (الفتح).
فالنساء والرجال بين يدي أركان العقيدة والشريعة الإسلامية سواء، تكليفاً وجزاءً، ولولا تقرير الإسلام أن الصنفين مستويان من حيث العموم في تزويدهما بعناصر التكليف لما جعلهما الإسلام على صعيد واحد، ولما خاطبهما بخطاب واحد، تبشيراً أو إنذاراً، أو إرشاداً وموعظة.
ولذلك قال علماء الإسلام: إن النصوص الإسلامية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي موجهة للنساء أيضاً، في كل الأحكام والعظات والتكاليف وأنواع التربية الإسلامية، ما لم يكن مضمون الخطاب مما يتعلق بخصائص الرجال التكوينية، وما لم يصرح في الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء.
وإن شاء الله تعالى سنتناول في مقالات قادمة كل الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام وأذنابهم حول مكانة المرأة في الإسلام والرد عليها بالأدلة الثابتة من القرآن والسنة وإجماع العلماء.