تناول رايان كوبر، مدير تحرير “أمريكان بروسبكت” الأزمة التي تعيشها منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” في أعقاب شراء الملياردير الأمريكي إيلون ماسك للشركة، معتبراً أن ما يحصل في الشركة يكشف أن شخصاً واحداً يجب ألا يملك ثروة تساوي المداخيل السنوية لدولة صغيرة ثرية.
وقال كوبر في تقرير نشرته المجلة: لا يبدو أن شراء إيلون ماسك لمنصة “تويتر” يسير على ما يرام. فبعد ثلاثة أسابيع فقط، طرد ماسك الطاقم التنفيذي بأكمله ونصف الموظفين، وسرّح عشرات الموظفين بسبب عدم كفاية عبوديتهم وولائهم، وفي الآونة الأخيرة طرد ما يقرب من 40 في المائة من أولئك الذين بقوا مع مطالبته لهم بالخضوع المفاجئ لعقود جديدة “صارمة”.
وأضاف: على الرغم من أن تويتر لا يزال يعمل حتى وقت كتابة هذا المقال، فمن واقع خبرتي أقول إنه أصبح ممتلئاً بالأخطاء التقنية ويزخر بالبرامج الروبوتية. ويتوقع المراقبون المطلعون انهيار المنصة قريباً بسبب عدم الاستقرار التقني، أو الانتهاكات الأمنية الكبيرة. ولفت إلى أنه “يمكن أن نستنتج شيئاً واحداً من هذه الفوضى على وجه اليقين؛ ألا وهو أن طبقة القلة الحاكمة تمتلك الكثير من المال”.
فلم يكن ما فعله ماسك محتمل الحدوث من خلال أي تصور معقول لكيفية عمل الأسواق والرأسمالية. أولاً، عرض شراء تويتر بسعر 54.20 دولاراً للسهم الواحد في نزوة اندفاعية، بإجمالي 44 مليار دولار. كان هذا المبلغ يشكل أكثر من قيمة أسهم الشركة بحوالي 20 في المائة في ذلك الوقت. من الواضح أن سعر السوق لتويتر وقتها كان مرتفعاً للغاية، بالنظر إلى تجمع المشاكل عبر قطاع التكنولوجيا بشكل عام وعدم الربحية المزمنة لهذه المنصة على وجه الخصوص.
{tweet}url=1594726880443133952&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
وبعد بضعة أشهر فقط من إبرام الصفقة، كان من الواضح أن ماسك دفع مبالغ زائدة بمقدار ضعفين على الأقل. ربما هذا هو السبب في أنه حاول التراجع مراراً وتكراراً. ولكن بعد أن منعته المحكمة من خرق العقد، قام بالفعل بإكمال التعاقد عبر اقتراض حوالي 13 مليار دولار من أطراف ثالثة، وهو ما حمّل تويتر فائدة تساوي صافي إيراداته بالكامل تقريباً لعدد من السنوات.
بعدها قام ماسك على الفور بمحو نموذج عمل الشركة. فقد طرد رئيس مبيعات الإعلانات، مما أثار قلق الشركات التي تمثل تسعة أعشار عائدات تويتر. وقام بتنفيذ نظام تحقق جديد بحيث يمكن لأي شخص الدفع مقابل العلامة الزرقاء، وهو ما أدى بآلاف الأشخاص بالطبع إلى انتحال شخصيات المشاهير والسياسيين والشركات الضخمة. وبدأ المعلنون في تجنب الشركة، خوفاً من أن يتحول تويتر إلى بؤرة للإساءات والافتراءات العنصرية والمواد الإباحية للأطفال.
{tweet}url=1594704089199382535&maxwidth=400&align=center&media=false{/tweet}
وقبل شراء تويتر، أنفق ماسك 4 مليارات دولار على شراء أسهمه، واضطر إلى إنفاق 20 مليار دولار أخرى من جيبه لإكمال عملية الشراء. منذ ذلك الحين، باع 4 مليارات دولار أخرى من أسهم تسلا لتغطية النفقات، بإجمالي حوالي 28 مليار دولار تم إنفاقها من جيبه. وهذا يساوي الناتج المحلي الإجمالي لدولة جامايكا تقريباً، ولكن كان هذا المبلغ في ذلك الوقت يشكّل جزءاً صغيراً فقط من ثروة ماسك، التي بلغت ذروتها عند 340 مليار دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. كان صافي ثروة ماسك حوالي 300 مليار دولار، أو ما يقرب من الناتج المحلي الإجمالي لفنلندا، في الوقت الذي عرض فيه شراء تويتر.
ويقول الكاتب إن “صافي ثروة الفرد يختلف عن الناتج المحلي الإجمالي الوطني بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فأحدهما عبارة عن مخزون والآخر تدفق. لكننا نصل إلى نقطة مهمة، وهي أن إيلون ماسك ورفاقه من القلة أصحاب المال والنفوذ يمتلكون موارد مماثلة لتلك التي تنتجها دولة ثرية صغيرة على مدار عام كامل. يفترض الاقتصاديون أن الأشياء الغريبة مثل “دفع مبالغ زائدة بشكل كبير لشركة ما والنزول بها في حفرة” لن يحدث، لأن كل الحوافز المالية تتعارض مع ذلك. ولكن بينما فقد ماسك ما يقرب من نصف صافي ثروته منذ بلوغها الذروة، وربما يخسر الكثير بمجرد الانتهاء من كل هذا، فمن شبه المؤكد أنه سيظل مليارديراً في النهاية. يمكن لأشخاص مثله أن يخسروا أموالاً أكثر مما فقده أي شخص في التاريخ، في أقل من شهر، ويبقى لديهم ما يكفي ليعيشوا 10 آلاف عام في رفاهية كبيرة.
الآثار الاجتماعية للثراء الفاحش
وأضاف الكاتب: تزداد احتمالات حدوث مثل هذا الشيء عندما يأخذ المرء في الاعتبار الآثار الاجتماعية للثراء الفاحش. إن كونك ثرياً يميل إلى إقناع الناس بأنهم عباقرة بطوليون يتجاوزون قدرات البشر العاديين، ويعزلهم عن أي تفاعل اجتماعي عادي أو نقد. من السهل بشكل استثنائي جذب زمرة من المتزلفين والمتسلقين الذين سينصاعون لكل ما لديك من نزوات وعادات سيئة.
وتابع: يمكن أن يكون الأشخاص الأثرياء غريبي الأطوار أيضاً، وقد دَمرت الشركات العادية التي يوجد بها رؤساء تنفيذيون مصابون بجنون العظمة نفسها في الماضي. لكن السماح بتركيز الثروة إلى هذه الدرجة يزيد بشكل كبير من فرصة حدوث نوع من الكوارث التي لا طائل من ورائها والتي حلت بتويتر.
الحلول متوفرة بسهولة، برأي الكاتب، لكن المهم أن لا يتوقف وجود الشركات الكبرى على سلوك المهاويس غريبي الأطوار.