في الركن الشمالي الغربي لمدينة القدس، وتحديداً على بعد 400 متر من المسجد الأقصى المبارك، تقع قلعة القدس القديمة، التي تعدّ شاهدة على إحدى أخطر حروب التزوير التاريخي التي تشنها سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” بحق القضية الفلسطينية ومعالمها المقدسة، وفي القلب منها مدينة القدس.
حقب زمنية مختلفة تعاقبت على القلعة من القرن الثاني قبل الميلاد، وصولًا للعهد العثماني الإسلامي، لتضيف كل حقبة وأقوام مرّوا عليها إضافة معمارية مميزة، أو عملوا على ترميمها، إلا أنها بقيت تستخدم على مر الزمن مقراً للقيادة والجنود، وسجناً أيضًا.
ووصولًا لحقبة الاحتلال “الإسرائيلي”، فقد عملت “إسرائيل” على تزوير الحقائق والتاريخ، بتزوير وتزييف معالم القلعة، بعد أن تم الاستيلاء عليها، وإنهاء كل المظاهر الإسلامية فيها، وإزالة مئذنة مسجد القلعة وقبتها، وتحويلها لمركز اعتقالي.
استهداف تاريخي
من جانبه، يقول نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث ناجح بكيرات: إن استهداف القلعة سبق نشوء “إسرائيل”، فقد بدأت الحفريات أسفل قلعة القدس منذ الفترة العثمانية، حيث أرسلت بريطانيا مبعوثين من علماء الآثار وأجرت عدة حفريات تنقيبية لدراسة آثار مدينة القدس، وكانت إحدى هذه الحفريات أسفل قلعة القدس.
ويشير بكيرات لوكالة “سند” للأنباء إلى أنه خلال احتلال مدينة القدس عام 1967، استمرت الحفريات أسفل القلعة وحتى الآن، إلا أن الاحتلال كثف حفرياته في منطقة القلعة منذ 3 سنوات، حتى وصل عمق الحفريات أسفل القلعة إلى 80 متراً، وبعمق 15 متراً.
ونتج عن هذه الحفريات اكتشاف آثار إسلامية قديمة تعود للفترة الأموية والفترات الإسلامية المتعاقبة بعدها، يقول بكيرات.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، افتتح الاحتلال القلعة للسياحة الداخلية والخارجية، وحوَّلها إلى متحف، كما حوّل غرفها إلى معارض تشرح تاريخ مدينة القدس من وجهة نظر يهودية باستخدام صور توضيحية ومجسمات، محاولاً تسويق رواية أن القدس يهودية منذ الأزل.
السطو والسلب
مع تكليف زعيم حزب “القوة اليهودية” المتطرف إيتمار بن غفير لوزارة الأمن القومي والشرطة، بدأت أول ملامح السطو التهويدي على مقدرات المدينة ومعالمها الإسلامية، عبر ترجمة عملية لاستقطاع هذه المناطق.
بدوره، يصف الناشط المقدسي فخري أبو دياب الإجراء “الإسرائيلي” تجاه قلعة القدس والسطو على المسجد وتحويله لمركز اعتقال “ديفيد” هو البدء العملي لمرحلة الاقتطاع بعد مراحل من تزوير المنطقة وإخضاعها للتهويد.
ويوضح أبو دياب أنّ الاحتلال ينتهج ذات النهج بمناطق أخرى لكن داخل الأقصى، عبر محاصرتها ومنع الوصول إليها، وإقامة مراكز تهويدية فيها، وصولاً لاعتبارها أمراً واقعاً، ويعمل على استقطاعها بشكل واضح.
وأضاف أن ما يجري في قلعة القدس، وهو تهويد ومحاولة فرض واقع مختلف في المدينة، خاصة وأن هناك إجراءات مماثلة يقوم بها في المناطق الجنوبية لـ”الأقصى”، وبات يقتطعها بشكل تام ونهائي ويقيم عليها مراكز تفتيش وشرطة، ويمنع الوصول إليها.