يقول مثيرو هذه الشبهة: إن الإسلام ظلم المرأة وحرمها من حقوقها بدليل أن القرآن وهو المصدر الأول من مصادر التشريع كما تقولون قال: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ…) “النساء:11″، وإذا كانت هذه الشبهة قد جاءت على لسان أذناب الغرب فقد سبقهم إليها أستاذهم المستشرق الفرنسي “جاستون فبيت” فقال: “من الظلم الواضح أن تأخذ المرأة نصف الرجل في الميراث”، ثم قال “إن دور المرأة فى المجتمع الإسلامي على جانب كبير من الضآلة، وأن ضآلة مرتبتها كانت أمراً مسلماً به في جميع مظاهر الحياة، حتى إنه في مسألة الميراث لم يكن نصيبها إلا نصف نصيب الرجل ” ([1])
تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها
قضية ميراث المرأة المسلمة من أهم الشبهات التي أثارها كارهوا الإسلام من المستشرقين وأذنابهم من العلمانيين، فكثيراً ما نسمع من هؤلاء المطالبة بوجوب المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث مدَّعين أن الإسلام قد ظلم المرأة عندما جعل نصيبها نصف نصيب الرجل!!!
ونريد أن نؤكد هنا أن المستشرقين وتلاميذهم لم يتبعوا قواعد البحث العلمي الأصيل فيما أثاروه على الإسلام وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، لأنهم “يتجاهلون عنصر المقارنة في القضايا التي يعرضون لها ومنها قضية المرأة المسلمة مع أن عنصر المقارنة عنصر جوهري في مجال البحث العلمي الأصيل، وهؤلاء الذين يحرصون على الافتراء يتجاهلون عن عمد المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية، ووضعها في الإسلام، بل المقارنة بين وضعها في ظل الشرائع السابقة على الإسلام، فقد كانت في ظل هذه الشرائع عدماً، وأصبحت في ظل الإسلام وجوداً قائماً بذاته”. ([2])
ميراث المرأة في الشرائع الأخرى
يقول الشيخ عبد المجيد صبح في كتاب “المرأة المسلمة”: “لقد كانت المرأة قبل الإسلام محرومة من حقها في الميراث فأنصفها الإسلام وجعل لها حقاً مقرراً فيه.
– فكان الرومان لا يورثون الزوجة من زوجها مطلقاً، حتى ولو لم يكن له وارث وكانوا يحرمون الأصول وفيهم الأم عند وجود الفروع.
– وعند اليهود: يرث البكر الذكر وحده كل التركة ولا شيء لأحد غيره من الإناث، لا الأم ولا البنت ولا الزوجة، وإذا كان للميت بنات فقط كان للمُورِث أن يوصي بكل ماله لمن يشاء وأن يحرمهن كلهن.
– والأناجيل التي بيد النصارى تخلو من أي تشريع للمواريث، وظل المسيحيون يتوارثون بما في التوراة التي بيد اليهود إلى وقت قريب إلى أن وضعت لهم كنائسهم نظاماً.
– وكان الجاهليون قبل الإسلام يورثون الذكور القادرين على الحرب والغارة فلم يكن للإناث ولا للصبية الصغار ميراث.([3])
أعباء الرجل ورفاهية المرأة
وقد يبدو لأول وهلة أن الإسلام ظلم المرأة إذ جعل لها نصف حظ الرجل من الميراث، لكن هذا فهم خاطئ لا يلبث أن يبدوا ما فيه من خطأ، فبقليل من التدبر والمعرفة بنظام الإسلام وما ألقاه على كاهل
الرجل من الأعباء والالتزامات المالية يتضح أن الإسلام لم يظلم المرأة ولم يفضل الرجل عليها، فالرجل في الإسلام هو المكلف بأن يُقدم مهراً للمرأة قال تعالى: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) “النساء:4″، وهو المكلف بالنفقة الشاملة من طعام وكسوة ومسكن وعلاج للمرأة والأولاد، قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ) “الطلاق:6″، وقال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) “الطلاق:7″، ويطالب الرجل بالنفقة على والديه وأقاربه إذا كانوا في حاجة إلى هذه النفقة، ثم إن المرأة إذا طلقت فقد فرض الإسلام لها نفقة العدة ونفقة المتعة التي تحفظ كيانها وكرامتها، وهذه كلها أعباء مالية كُلف بها الرجل، وأُعفيت منها المرأة، فهل مع كل هذه الأعباء والمسئوليات التي كُلِف بها الرجل يكون الإسلام قد ظلم المرأة؟!
إن المسألة “مسألة حساب لا عواطف، تأخذ المرأة ثلث الثروة الموروثة لتنفقها على نفسها، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً: على زوجته، وثانياً: على أسرة وأولاد، فأيهما يصيب أكثر بمنطق الحساب والأرقام؟ والرجل ينفق تكليفاً لا تطوعاً مهما كانت ثروة المرأة الخاصة، فلا يحق له أن يأخذ منها شيئاً البتة إلا بالتراضي الكامل بينهما، وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق، أو قتر فيه بالنسبة لما يملك، ويحكم لها الشارع بالنفقة أو الانفصال ” ([4])
فنصيب الرجل بناءً على ذلك معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة، ونصيب المرأة معرض للزيادة “بما تقبض من مهر وهدايا وبما تغله من دخل إذ ثمرته مع إعفائها من أي التزام شرعي مالي لزوجها وبيتها وبنيها، فهل كان من العدالة أن يسوى الإسلام بينهما في الميراث، ثم يلقي على الابن ما يلقي من الأعباء الثقيلة المستمرة ويعفيها من كل شيء؟ ([5])
على أن هذه النسبة إنما تكون في المال الموروث “أما المال المكتسب فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة لا في الأجر على العمل، ولا في ربح التجارة ولا ريع الأرض…. الخ، لأنه يتبع مقياساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء…. إذن فلا ظلم هناك ولا شبهة تفيد أن قيمة المرأة هي نصف قيمة الرجل كما يفهم العوام من المسلمين، وكما يزعم المشنعون من أعداء الإسلام” ([6])
ميراث المرأة ليس نصف الرجل مطلقاً
إن ميراث المرأة ليس على النصف من ميراث الرجل مطلقاً، ففي علم الميراث حالات يكون نصيب المرأة فيها مساوياً لنصيب الرجل، وذلك في حالة ما إذا مات رجل أو امرأة وليس له أو لها والد أو ولد – ذكراً كان أو أنثى – وله أو لها أخ أو أخت من ناحية الأم، ففي هذه الحالة يستوي الأخ والأخت في الميراث، وفى هذا قال تعالى: (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)([7])
فهذه الآية الكريمة تقرر أن أولاد الأم وهم إخوة الميت وأخواته لأمه سواء في الميراث ذكورهم وإناثهم، فالسدس للإخوة لأم إذا انفرد الواحد منهم، والثلث لهم بالتسوية إذا تعددوا.
كما أن الأب والأم إذا ترك الميت أولاداً إناثاً وذكوراً يستويان في الميراث فلكل واحد منهما السدس كما قال تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) “النساء:11″، كما أن هناك حالات يزيد فيها نصيب الأنثى على الذكر، كما لو ماتت امرأة وتركت زوجاً وبنتاً سواء كانت منه أو من غيره، فإن البنت ترث ضعف نصيب الزوج حيث ترث البنت النصف، والزوج الربع، وإذا ترك الميت بنتين وزوجة وأخاً، فنصيب الزوجة الثمن وليكن مثلاً ثلاثة من أربعة وعشرين، ونصيب البنتين الثلثان وهو ما يساوى ستة عشر سهماً من أربعة وعشرين، والباقي للأخ وهو يساوى خمسة من الأربع والعشرين سهماً وهو نصف نصيب البنت الواحدة تقريباً. ([8])
فلا عجب بعد هذا أن يأتي بيان “دار الإفتاء المصرية” الذي تؤكد فيه بأن كثيراً من نصارى مصر يحتكمون إلى نظام المواريث الإسلامية وكان أمامهم وهم غير مسلمين مندوحة لاختيار ما تقرره الكنيسة المصرية أو الغربية؛ لما له من أثر كبير في حسم المنازعات والقضاء على أسباب الخلاف بين المستحقين للميراث. ([9])
فهل بعد ذلك البيان يحق لهؤلاء الموتورين أن يقولوا: إن الإسلام غمط المرأة حقها في الميراث فأعطاها نصف نصيب الرجل؟!
[1] – بتصرف من كتاب: “مفتريات اليونسكو على الإسلام” – المؤلف: محمد عبد الله السمان – صـ 56 – ط: دار الاعتصام.
[2] – بتصرف من كتاب “مفتريات اليونسكو على الإسلام” ص 56.
[3] – بتصرف من “المرأة في الإسلام” – المؤلف: عبد المجيد صبح – 1/120.
[4] – بتصرف من كتاب ” شبهات حول الإسلام” – المؤلف: د. محمد قطب – 1/120.
[5] – الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة – المؤلف: البهي الخولي – 1/205.
[6] – كتاب ” شبهات حول الإسلام” – المؤلف: د. محمد قطب – 1/120.
[7] – للمزيد انظر فقه السنة – المؤلف: الشيخ سيد سابق – 3/506.
[8] – كتاب “المرأة في الإسلام” – المؤلف: عبد المجيد صبح – 1/125.
[9] – كتاب: “الإسلام في مواجهة حملات التشكيك” – المؤلف: د. محمود حمدي زقزوق – 1/103.