ظهر الرئيس الصيني شي جين بينج في مؤتمر الحزب الشيوعي، في أكتوبر الماضي، بمظهر الرجل الذي تعززت سلطته إلى درجة قد يكون من الصعب تخيل تحدٍّ خارجي لها.
بعد تجديد الحزب الثقة به لولاية ثالثة، وهو أمر غير مسبوق في البلاد، بدا أن شي منيع ضد التحديات الداخلية أيضاً، لكن هذا الافتراض أثبت خطأه بعد أقل من أربعين يوماً على إعادة انتخابه.
للمرة الأولى منذ عقود، تحدى آلاف الأشخاص السلطات الصينية وقاموا بالاحتجاج في الجامعات وفي شوارع المدن الكبرى، في تظاهرات كان عنوانها الظاهري الخلاص من قيود سياسة “صفر كوفيد”، لكنها حملت أيضاً انتقادات كبيرة ومطالبات برفع قبضة الحزب الحديدية على مفاصل الحياة في البلاد، بل وأيضاً إقالة الرئيس.
وفي جميع أنحاء البلاد، أصبحت صرخة “نريد الحرية” هي العلامة لموجة من الاحتجاجات التي يقودها بشكل رئيس جيل الشباب، والكثير من المحتجين أصغر من أن يكونوا قد شاركوا في أعمال سابقة من المعارضة العلنية ضد الحكومة، بحسب شبكة “سي إن إن”.
في شنغهاي، هتفت حشود بالمئات في عدة مدن: “أعطني الحرية أو أعطني الموت”، و”تنحّ يا شي جين بينغ تنحّ أيها الحزب الشيوعي”، في تحدٍّ مباشر غير مسبوق للزعيم الأعلى.
وفي مدنية تشنغدو، لم يذكر المتظاهرون اسم شي، لكن من الصعب تفويت معنى الهتافات “المعارضة للدكتاتورية”، كما تظهر مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت.
وهتف بعض المحتجين مطالبين بحرية التعبير والديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان ومطالب سياسية أخرى في مدن من المركز المالي الشرقي لشنغهاي إلى العاصمة بكين والعاصمة قوانغتشو الجنوبية وتشنغدو في الغرب.
وقالت “سي إن إن”: إنها تحققت من الاحتجاجات في 16 موقعاً، مع تقارير عن تنظيم احتجاجات أخرى في عشرات المدن والجامعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد.
ويرى نشطاء صينيون مؤيدون للنظام أن ما جرى كان مجرد احتجاج على إجراءات كورونا المشددة، لكن بعض مَن شاركوا فيها قلبوها إلى مظاهرات ضد النظام الصيني، متهمين الغرب وصحفيين غربيين بالمشاركة في حملات التغريد لقلب حكم بكين.
وقالوا: الغالبية العظمى من المحتجين يريدون تغيير سياسة مكافحة فيروس كورونا، لكن هناك أقلية صغيرة من الناس استخدموا هذا كنقطة انطلاق لتغيير النظام، راصدين أسماء صحفيين يتعاملون مع “متظاهرين محترفين” للوصول لهذه النتيجة.
وكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس”، لفتت إلى أن الاحتجاجات ضمت العديد من أعضاء الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة من أغلبية الهان العرقية التي يعتمد عليها الحزب الحاكم للالتزام باتفاقية ما بعد تيانانمين غير المكتوبة لقبول الحكم الاستبدادي مقابل نوعية حياة أفضل ما يشعر النظام بالقلق.
وكتب الناشط البريطاني في مجال حقوق الإنسان بنديكت روجرز، في صحيفة “تليجراف”: قد تكون هذه نقطة تحول في تاريخ الصين يجب ألا يفوتها الغرب، داعياً للاستعداد لعقاب الرئيس الصيني على غرار الرئيس الروسي بوتين لو بدأ بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
تعاطف مع الإيغور
المفارقة أن مظاهرات الصين الأخيرة بدأت تعاطفاً مع مأساة حدثت في منطقة الإيغور المسلمين، وسرعان ما انتقلت من الدعوة لإنهاء سياسات “صفر كوفيد” إلى المطالبة بإسقاط حكم الرئيس الصيني والحزب الشيوعي، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
فقد أدى حريق اندلع في مدينة شينجيانغ الصينية ذات الأغلبية المسلمة إلى مقتل ما لا يقتل عن 10 أشخاص، وسريعاً تحول مقتلهم في المدينة التي تشهد إجراءات حظر تجوال ضمن سياسة “صفر كوفيد” مشددة منذ أسابيع إلى غضب شعبي، خاصة بعد أن انتشرت أقاويل في المدينة تشير إلى أن سبب تأخر رجال الإطفاء في معالجة الحريق وإنقاذ الضحايا هو سياسة “صفر كوفيد”.
ولمحاولة تلافي تعاطف العالم الإسلامي أيضاً، نقلت “رويترز” و”أسوشيتد برس” عن محللين صينيين قولهم: إنهم يتوقعون أن يستجيب الرئيس الصيني شي جين بينج لحالة العصيان المدني غير المسبوقة تلك التي بدأت في مناطق المسلمين.
وفي عام 1997، اندلعت في مدينة غولجا بتركستان الشرقية مظاهرات دموية استمرت عدة أيام، طالب فيها التركستانيون باستقلال بلادهم عن الصين، تدخل الجيش الصيني واستعمل القوة المفرطة؛ مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى من الإيغور.
وفي أغسطس 2022، انتشرت مظاهرات حول العالم لمطالبة الصين بوقف “الإبادة الجماعية” بحق المسلمين في تركستان الشرقية (الإيغور).
ويرى مراقبون غربيون أن هذه الاحتجاجات لا تشبه أي شيء رأوه منذ عقود، وربما تعود إلى حملة القمع الشهيرة للتجمعات الطلابية في ميدان تيانانمن في بكين في عام 1989.
والاحتجاجات في الصين ليست نادرة، ولكن عادة ترتبط بمطالب محلية أو عمالية أو مالية، ولكنها نادراً ما تكون ذات طابع قومي وسياسي أو متعلق بالحريات، كما أن حجم هذه الاحتجاجات وانتشارها في العديد من المدن وارتباطها بحادثة وقعت في إقليم الإيغور الذي تحاول الحكومة الصينية تشويه صورته هو أمر لافت للانتباه.
ووصلت الممارسات القمعية ضد الأقليات المسلمة إلى حد التخطيط والتفكير في طرق للحد من تزايد أعداد المسلمين في بعض المناطق، عبر وسائل طبية للتأثير على قدرة الإنجاب، بل إن هنالك تقارير حول ممارسة ذلك فعلياً في بعض المناطق.