الإسلام دين الفطرة، يلائم دائماً طبيعة الإنسان وغرائزه، ويلبي هذه الغرائز بوضعها في إطار مشروع، وغريزة الجنس من أقوى الغرائز البشرية؛ لذلك اهتم الإسلام بها ووضع لها الطريق الطبيعي والأمثل للتنفيس عنها بالزواج.
ومن هنا، أمر القرآن بالزواج؛ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
كذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج وجعله نصف الدين، فقال: “مَن أحَبَّ فِطرَتي فلْيَستَنَّ بسُنَّتي” (يعني النكاح).
وقال صلى الله عليه وسلم: “مَن تزوُّجَ فقدِ استَكْملَ نصفَ الإيمانِ فليتَّقِ اللَّهَ في النِّصفِ الثاني”.
ويسّرَ الرسول طريق الزواج، فقد زوّج أحد الصحابة على ما يحفظه من كتاب الله، على أن يحفظه لزوجته بعد ذلك.
وإذا كان الإسلام قد شرع النكاح فقد حرم السفاح وحذّر من مجرد الاقتراب منه فقال في “الإسراء”: {ولا تقربوا الزنا}، وقال في الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}.
إذا كان هذا هو أهم مظاهر نظام الأسرة في الإسلام، فإن أعداء الإسلام قد نادَوْا على النقيض بما دعا إليه الإسلام، فبينما دعا الإسلام إلى العفة، والطهر، وتقديس العِرْض والشرف؛ دعا أعداء الإسلام إلى الزواج المثلي، والزمالة، والصداقة، والتحرر من قيود الزواج، والانطلاق في خلق علاقات جديدة.
يريدون مجتمعاً ليس فيه فرق بين طفل شرعي وآخر غير شرعي، مجتمعاً تضيع فيه الأعراض وتفسد فيه النفوس، وتُهدم فيه البيوت، مجتمعاً تضيع فيه الرجولة ويتخنث فيه الشباب، ويظهر فيه جنس ثالث الذي هو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جعل الغرب يدافع باستماتة عن هذه القضية؟ لا أحد يعرفُ ولا حتى سكان أوروبا أنفسهم من الذي جعل قضية الشذوذ أهمّ قضايا الساسة الأوروبيين، حتى إنه سيطر على إعلامها ونخبها الثقافية.
هذا السّعيُ المحموم لإشاعة الأمر، وهذه الاستماتة في الدفاع عنه يوحي لأي زائرٍ لهذا الكوكب من خارجه أن كل المشكلات قد تمّ حلّها، وكأنَّ الحروب قد وضعتْ أوزارها على سطح الكرة الأرضية، والفقر قد تم القضاء عليه، والتمييز العنصري صار ذكرى، والاحتباس الحراري صار شيئاً من الماضي، وثُقب طبقة الأوزون قد تمت خياطته! ولكن لأن أي شيءٍ من هذا لم يحدث، فالحمدُ لله أن كوكب الأرض هو الكوكب الوحيد المأهول، وإلا كنا صرنا مسخرةً في أرجاء المجرَّة كما يقول الأستاذ أدهم الشرقاوي!
رأينا بكل صفاقة كيف وضعت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر شارة الشاذين على زندها، المرأة المسؤولة عن تطبيق القانون ببلدها، تخرق قوانين بلدٍ آخر.
وعلى خطاها سارت وزيرة الخارجية البلجيكية صوفي وليميس، المرأة المسؤولة عن إبداء أعلى قدر من الدبلوماسية تخلت عن دبلوماسيتها.
وعلى ذات النغمة، دندنَ ستوارت آندرو، وزير الرياضة الإنجليزي، الذي هو شاذ أصلاً!
سلوكيات فكرية، والعقول كالأموال: أرزاق.
الشيء المستغرب حقاً أن يتخطى الجنون ملاعب كرة القدم ليصل إلى الجامعات، فهذا شيء يدعو لوقفة دقيقة استغراباً على روح العلم والعلماء؛ فقد ضجّتْ مواقع التواصل الاجتماعيّ حول بحث أجراه طالب في جامعة كامبريدج في بريطانيا، زعم فيه أن المسيح عليه السلام كان متحولًا جنسيًا! ورأينا عميد الكلية يدافع عن الطالب، ويؤكد وجود منطقِ في طرحه، جنون والله جنون، لا أجدُ مفردة أخرى تُعبّر عن هذه السخافة، حتى كلمة جنون لا تُعبّر، ولكن ما عسى يفعل المرء إذا ضاقتْ عليه مفرداته.
إن المسيح عليه السلام له في القرآن الكريم مكانة خاصة تكاد تكون فريدة لا تساويها صورة أحد من البشر، وقد قدَّم القرآن الكريم هذه الصورة في آيات بينات قاطعة الدلالة منها ولادته العجيبة.
فالمعتاد في عالم البشر أن يولد الإنسان من أب وأم، أما المسيح عليه السلام فقد ولد من أم عذراء هي السيدة مريم عليها السلام.
لقد خلع القرآن الكريم على المسيح ألقاباً عظيمة، منها:
أنه كلمة الله وروح منه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}.
وأنه وجيه في الدنيا والآخرة: يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}، والوجاهة في الدنيا هي النبوة، وفي الآخرة هي الشفاعة.
ومن أوصافه عليه السلام أنه “غلام زكي” كما جاء على لسان جبريل عليه السلام مع مريم عليها السلام: {إنما أنا رسول ربكِ لأهبَ لك غلاماً زكياً}، وقد أجمع المفسرون أن “زكياً” تعني صافياً نقياً بلا خطية.
بل يضيف القرآن الكريم من صفات المسيح أنه كان مباركاً حيثما كان؛ كما جاء على لسانه عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}.
والخلاصة: أن القرآن الكريم أنصف المسيح عليه السلام فخلع عليه كل صفات الكمال والقداسة باعتباره من أولي العزم من الرسل: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم السلام جميعاً، لكن هؤلاء (الأوروبيين) داسوا على دينهم بأقدامهم، وشوّهوا رسالة عيسى عليه السلام.
عموماً، هما شيئان يدعوان إلى العجب: مدى جرأة الناس على الله تعالى، ومدى حلم الله سبحانه على الناس!
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
____________________________
(*) أستاذ بجامعة الأزهر، والمقال مأخوذ من حساب “مفكرو الأمة” على “فيسبوك”.