كثير من الشركات والمؤسسات تخسر الكفاءات البشرية وخط الإنتاج الأول والعمود الفقري في العملية الإنتاجية بسبب عدم الانسجام ما بين الموظف ومديره، فوجود مدير لا يحسن إدارة العلاقات مع موظفيه ويحافظ عليهم يشبه تماماً الزوج الذي لا يحسن إدارة العلاقة مع زوجته ويفتت الأسرة.
يقال في علم الإدارة: حتى تكون مديراً ناجحاً تقود المؤسسة نحو الربح والتفوق يكفيك أن تمتلك 85% من المهارات الشخصية والقدرة على التواصل، و15% من المهارات الفنية.
في القطاع الخاص، لنجاح أي شركة يحتاج إلى ثلاثة عناصر: رأس المال، ثم الكوادر البشرية ذات الكفاءة، ومن ثم العلاقات والتشبيك لاستجرار الصفقات والعقود وفرص العمل، أي خلل في تلك العناصر يكون مصير تلك التجارة النكوص والفشل لا سمح الله، وأهم عنصر من هذه العناصر الكوادر البشرية سواء كانت كوادر فنية أم كوادر إدارية بكل مستوياتها.
كما أن للنجاح طرقاً، فإن أيضاً للفشل وصفات مجربة، وإذا ما أراد المدير إفشال المؤسسة التي يملكها أو يعمل بها ما عليه إلا أن يقوم بالتالي:
– التقليل من أهمية عمل الكوادر التي تعمل معه، والتقليل من أهمية ما يقومون به، والإصرار على أن ما يقومون به ما هو إلا عمل هامشي في المنظومة التي يقودها، فينتقي أقسى العبارات في جرح الولاء في نفس الموظف تجاه المؤسسة، ويهدم أي دافعية للعمل أو الإخلاص في نفس الكوادر من خلال التقليل الدائم من قدراتهم ومن شأن ما يقومون به.
– إشعار الموظف أنه يمكن الاستغناء عنه بأي وقت، وأنه يمكن استبداله وإحضار غيره، هنا يتحول الموظف من مهتم بالعمل إلى مهتم بالبحث عن البديل المناسب في الشركات الأخرى، ويتخذ من المؤسسة والشركة التي يعمل بها دار عبور لا دار مقر.
– “الإدارة بالتبخيس”: الاعتقاد أن التبخيس بجهود الآخرين رغم إنجازهم وإشعارهم أنهم دائماً في تقصير، وأنه لا يرضيه عملهم ويطلب المزيد يستطيع من خلال ذلك أن يستخرج منهم الأفضل ولا يجعلهم يفكرون بطلب المكافأة أو الزيادة، فالتبخيس أقوى من الرصاص في قتل الموظف وولائه وإخلاصه ومن ثم رحيله عن المؤسسة.
– البحث الدائم عن أخطاء الموظفين الصغيرة وتضخيمها والفرح بها ونشرها بين زملاء العمل، فكل جهد بشري عرضة للخطأ بهامش معقول ومقبول، لكن لا يفرح بالخطأ إلا المدير غير الموفق في إدارته.
– أن ينسب المدير كل النجاحات لنفسه ويعتبر الكوادر التي حوله كوادر هامشية في مسيرة النجاح إن حصلت، وأن يبقى يتحدث عن قدراته في النجاح دون أن ينسب تلك النجاحات إلى من شاركه فيها أو أصحابها الحقيقيين، حينها سيعمل الموظفون على التخلي عن المساهمة في أي نجاح يتطلب منهم بذل المزيد.
– أن يترك المدير عمله الحقيقي ويعمل على التدخل في أعمال زملائه، ويحاول أن يترك بصمة في تفاصيل هو لا يملكها؛ عندها إما أن يتبع المرؤوس تعليمات هذا المدير فتكون الأخطاء كارثية لأن القرارات لا تقوم على المعرفة، وإما أن يقاوم المرؤوس رغبات مديره فتكون النتيجة مغادرته مكان العمل وخسارة المؤسسة لتلك الكفاءة.
– بناء العمل داخل المؤسسة على طريقة نقطة الارتكاز الهرمية، وهي أن كل الخيوط والقرارات في النهاية يجب أن تمر من تحت يده، فهو يظن أن المركزية سوف تحقق مزيداً من الحوكمة، لكن المركزية في الإدارة هي الوصفة المجربة لتعطيل العمل وتعميق البيروقراطية المتطرفة، فتكون الخسارة الناتجة عن تعطيل العمل وإهدار الوقت مدفوع الثمن وتأخيره أضعاف الخسارة الناتجة عن هامش الخطأ الذي يمكن أن يقع بسبب العمل اللامركزي.
– سياسة التبرؤ: وهي أن المدير المركزي يتخذ قرارات شفاهية ويرفض ويكره التوقيع على الأوراق، وعندما يقع الخطأ يلجأ إلى سياسة التبرؤ من القرار، فما يكون من المرؤوس المغلوب على أمره عدم تكذيب مديره بشكل صريح فيتحمل هو المسؤولية عن قرار لم يتخذه، ويكون الخروج من المؤسسة أهم القرارات التي يفكر بها.
– عدم الاستماع: المدير الذي لا يستمع لا يمكنه أن يكون مديراً ناجحاً، ولا يمكنه أن يجد الحلول للمشكلات، المدير الذي يرغب بالتحدث الدائم دون إصغاء للموظفين والاستماع إليهم ويتخذ قرارات بناء على المعلومات العامة والعناوين العريضة دون أن يملك التفاصيل هو المدير الذي يعمل من أجل تحقيق الخطأ وإصابته بعينه.
– إقامة العلاقة مع الموظف على سوء الظن، والإصرار على البحث عن المخفي المتوهم ومحاولة كشفه، فما يكون من العامل إلا مغادرة هذا المربع من العلاقة الذي يكون عنوانه سوء الظن والتخوين والشك في كل شيء، وهناك فرق بين التحريص والتخوين والشك، وقيل في المثل: “حرص ولا تخون”، لا يمكن أن يكون الشخص مؤتمناً وخائناً بذات الوقت.
– تعمد الإساءة إلى الموظف والتضييق عليه عندما يريد المغادرة، ويحرق معه كل مراكب الود؛ فتكون هناك ردود فعل قاسية من العامل تجاه المؤسسة التي كان يعمل بها، وخلال سنوات تصبح سمعة المؤسسة في السوق وخاصة الأسواق الصغيرة غير مشجعة على انضمام الكفاءات الجديدة.
قالت العرب: ما تستطيع أخذه بالكيف والرضا لا تأخذه بالسيف والغصب، والطبيب الحاذق من يعالج دون أن يكسر عظماً أو يجرح لحماً، وآخر العلاج الكي، وخير القادة من يكثر محبوه ويقل شاكوه، الإدارة بالحب فن جزء منه فطري وجزء منه مهارات يمكن اكتسابها إن كانت هناك قناعة بتطوير الذات.