توفي، صباح اليوم الإثنين 5 ديسمبر، الصحفي المصري الاستقصائي النابه محمد أبو الغيط بعد صبر جميل في مواجهة مرض السرطان، أكسبه تعاطفاً واسعاً في بلده مصر، امتد للوطن العربي والأوساط الصحفية العالمية.
وأبو الغيط طبيب وصحفي وكاتب مصري، من الفاعلين في ثورة 25 يناير 2011، تخصص في الصحافة الاستقصائية، وشملت تغطياته حول العالم قضايا تجارة السلاح الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتطرف، وتحقيقات الفساد وتتبع الأموال، كما عمل مدققاً للحقائق ومدرباً صحفياً ومنتجاً تلفزيونياً ومذيعاً، ونال العديد من الجوائز الصحفية في السنوات الأخيرة.
وكرمت مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية بالأردن اسم الراحل، في حفل توزيع جوائزها لهذا العام مساء أمس الأحد.
آخر وصية وآخر مطلب
وفي آخر ظهور له، أكد أبو الغيط، في فيديو مسجل في ختام فعاليات منتدى مصر للإعلام (منتدى شبه رسمي)، في 27 نوفمبر الماضي، أن الصحافة رسالة مهمة يجب الاعتناء بها، مشدداً على أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، ولا بد من الحفاظ عليها وسماع صوت الأجساد جيداً قبل أي تدهور صحي.
وكشفت دار الشروق، أبرز دور النشر المصرية، قبل أيام، عن قرب إصدارها كتاب “أنا قادم أيها الضوء” للصحفي الراحل، من تحرير صديقه الكاتب الصحفي أحمد سمير، الذي يحكي فيه أبو الغيط معركته الشرسة مع أبغض أمراض العصر، وجوانب اجتماعية في حياته.
وقال أبو الغيط في مقدمة كتابه: “لو تحققت نجاتي بمعجزة ما، سأسعى نحو ذلك الضوء الذي زادت خبرتي به وتقديري له في أيام مرضي، وسأمنح ما أستطيع عرفاناً لكوني محظوظًا بزوجة مضيئة، وبأب وأم مضيئين، وبالكثير من الأصدقاء الذين يطمئنني نورهم لحقيقة الخير في الدنيا، ولو وافاني القدر بالوقت الذي قدره الأطباء، أرجو أن يكون ما بعد نفقي نوراً وهدوءاً، وأن يمر عبر هذا الكتاب بعض الضوء إلى من يقرأ”.
وطالب أبو الغيط قبل وفاته بالإفراج عن حماه د. السيد حسن شهاب، العميد السابق لكلية الهندسة بجامعة حلوان، المسجون منذ عام 2013؛ لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، الذي صدر حكم لصالحه من محكمة النقض في يونيو 2021 ببراءته من القضية المعروفة إعلامياً بسجن وادي النطرون، ولكن بدلاً من الإفراج عنه، تم حبسه على ذمة قضية أخرى فيما يعرف بنظام “التدوير” بمصر، رغم أنه يعاني من مرضي السكر والضغط.
وقال أبو الغيط، في تدوينة له على حسابه الرسمي في وقت سابق: والد زوجتي أستاذ جامعي في السبعين من عمره، وبعد لجنة العفو وانطلاق الحوار الوطني عدنا لطرق الأبواب بكل ما هو متاح رسمياً وغير رسمي، ثم لا شيء أرجو ممن كان لي عنده لحظة ود أن يساعدنا في ألا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها المتوفية بالفعل قبل عامين بالسرطان.
ودعا الإعلامي حافظ المرازي، في تدوينة له في الساعات الأخيرة، على حسابه بـ”فيسبوك”، إلى الإفراج عن والد زوجته كلفتة إنسانية للتخفيف عن مصاب زوجته إسراء بالإفراج عن والدها ليقف مع ابنته في هذه المحنة.
كما دعت الناشطة السياسية منى سيف بالإفراج الإنساني عن والد زوجته في تدوينة بـ”فيسبوك”.
عزاء واسع
وتصدر وسم محمد أبو الغيط موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بمصر، وسط دعوات بالرحمة والمغفرة له.
وقدم عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين الكاتب الصحفي هشام يونس العزاء في وفاة الراحل، مؤكدا أنه صحفي نابه كان صاحب قلم مبدع وألم عظيم، وطبيب حمل إنسانية مهنته إلى بلاط البحث عن المتاعب، قاوم المرض اللعين وشارك الآلاف في أوجاعه بعبارات امتزجت فيها رائحة الموت المتسلل إليه منذ سنوات بآمال لا حصر لها في الشفاء والانتصار.
وأضاف أن ما دشنه أبوالغيط هو أهم ما كتب فيما يمكن تسميته “أدب المرض” منذ إبداعات الشاعر الراحل أمل دنقل التي سطرها في معهد الأورام بداية ثمانينيات القرن العشرين، وهو يصارع السرطان، وضمتها زوجته الكاتبة الصحفية عبلة الرويني في ديوان صدر بعد وفاته بعنوان “أوراق الغرفة رقم 8”.
ونعت عضو مجلس إدارة “وكالة أنباء الشرق الأوسط” سابقاً الكاتبة الصحفية خيرية شعلان الراحلَ، مؤكدة أنه رحل إلى النور الخالد الذي كان يتمناه بعد معاناة شديدة مع المرض.
ووصفه رئيس لجنة الحريات السابق بنقابة الصحفيين الكاتب الصحفي عمرو بدر بأنه أحد أنبل وأشطر أبناء جيلنا في عالم الصحافة والكتابة.