تعد الأسرة في أي مجتمع اللبنة الأساسية التي يتكون منها بناؤه، وهي النواة التي تدور حولها كل مدارات المجتمع، وقد وجد في كل عصر منذ بدء الخليقة من يريد أن يعبث بهذه النواة، ويعيث في الأرض فساداً، وساعدهم إبليس وذريته على ذلك؛ لذا تعددت أسلحته وحرابه في ذلك؛ فأول جريمة قتل كانت بين أخوين من أسرة واحدة، وشهد التاريخ في مرحلة مبكرة منه سلاحاً قذراً يفتك بالأسرة وهو الشذوذ الذي ابتدعه قوم لوط، وغيرها من الوسائل المدمرة على مر التاريخ.
وفي العصر الحديث ازداد أوار هذه المعركة اشتعالاً مستغلة الطفرة التكنولوجية الحديثة؛ فلم يسلم بيت ولا أسرة من فتنتها.
وكانت الأسرة المسلمة ولا تزال تمثل قاعدة الاجتماع الإسلامي، وتمثل حصن هذا الاجتماع وقـلـعـتـه.. ومـنـذ أن أيقن الغـرب أنه لا يمكنه أن يخترق الأمة الإسلامـيــة أو يـُـجـهِـز عليها بالوسائل العسكرية؛ فإنه سعى إلى محاولة اختراقها بالحملات الفكرية والسلوكية، وفرض ثقافته وقوانينه على الأمة الإسلامية.
فأقيمت المؤتمرات تحت عناوين خادعة براقة مثل القضاء على التمييز ضد المرأة، وهي في حقيقتها تهدف لفرض الوصاية على المرأة الملتزمة بقيم دينها ومجتمعها، تحت مظلة الأمم المتحدة لإعطائها صفة الإلزام على الدول والمجتمعات، وما وثيقة «السيداو» و«بكين» وغيرهما عن ذلك ببعيد.
على خط المواجهة
لكن شاء الله تعالى أن يقيم ميزانه في الأرض فواجهت هذه المعركة على مر التاريخ مقاومة مشروعة من أهل الفطر السليمة، والأخلاق القويمة من دول ومؤسسات وأفراد ووسائل إعلام.
وفي مقدمة وسائل الإعلام التي قامت بدور مشهود منذ انطلاقتها مجلة «المجتمع» التي كان لها من اسمها نصيب؛ فوضعت المجتمع بمكوناته نصب عينيها تأسيساً قويماً ودفاعاً شريفاً عن حياضه؛ فمنذ نشأتها قبل نصف قرن نشرت المجلة مئات الصفحات الخاصة بالأسرة، كما خصصت عدداً من ملفات الأعداد الخاصة لهذا الأمر.
ويمكن تلخيص جهود المجلة في هذا الأمر فيما يلي:
أولاً: الوقاية قبل العلاج: حيث خصصت المجلة مساحة كبيرة للحديث عن الأسرة في الإسلام، وسبل التربية القويمة والعلاقات الزوجية السليمة التي تبني أسرة صالحة من خلال التركيز على دستور الأسرة المسلمة، وإشاعة الوعي بقيمة العلاقة الزوجية وآدابها.
ثانياً: إيلاء اهتمام خاص بالأسر المسلمة في الغرب؛ حيث اهتمت ببعض الملفات المهمة في هذا الشأن مثل: تحديات الاندماج والذوبان أمام الأسرة المسلمة في الغرب، وغيرها من التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في الغرب.
ثالثاً: اهتمت المجلة في عدد من ملفاتها بموضوع مهم وحيوي وهو: انعكاسات العولمة على الأسرة المسلمة، وما أحدثته هذه العولمة من تحديات على الأسرة سواء في الغرب أم الشرق.
رابعاً: خصصت ملفات وموضوعات عن كل مكون من مكونات الأسرة؛ مثل الزواج الناجح، ومرحلة الطفولة واحتياجاتها، ومرحلة الشباب والمراهقة وتحدياتها وسبل التعامل معها.. إلخ.
خامساً: تخصيص موضوعات لدراسة الأسرة في المجتمع الغربي وما أصابها من مظاهر عطب يكاد أن يفتك بالمجتمع كله، مقارنة بالأسرة المسلمة ودورها في الحفاظ على المجتمع وقوته وحيويته.
سادساً: خصصت مساحة على صفحاتها للاستشارات الأسرية التي تسعى فيها لحل أبرز المشكلات الواقعية التي تواجه الأسر، سعياً للحفاظ على كيان الأسرة.
سابعاً: مواجهة الهجمات المستهدفة للأسرة من الغرب: منذ أن بدأت المنظمات الدولية في حربها المكشوفة ضد الأسرة من خلال مؤتمراتها المشبوهة قامت «المجتمع» بدور المواجهة وتفنيد السموم التي حوتها هذه المؤتمرات والفعاليات، ومن ذلك على سبيل المثال قدمت «المجتمع» دراسة شاملة لنتائج الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة «المرأة عام 2000» تحت عنوان «المعركة متواصلة حول الأسرة»، حذرت فيها المجلة مما كان يحاك في مؤتمر بكين من عولمة قيم الإباحية والشذوذ، وفرض نموذج الإنسان المادي المتحرر من القيم النبيلة، واسـتـهـداف المنظومة الأخلاقية للشعوب.
وكذلك واجهت بعض مشاريع القوانين المتعلقة بالطفل في بعض الدول المسلمة من خلال تبيين عوارها ومخالفتها للشريعة الإسلامية.
وتم تتويج هذه الجهود بإصدار أرشيفي ملحق بهذا العدد يحمل عنوان «الأسرة وتحديات الماضي والحاضر» يحوي حصاد مجلة «المجتمع» في نصف قرن من معايشة للواقع واستشراف للمستقبل وتحدياته وآماله.
عسى أن يكون في ذلك خارطة طريق للمصلحين ونبراس نور للمسترشدين.